«مدد مدد مدد.. مدد يا رسول الله» هتف بها عدد من نزلاء سجن قنا العمومى وهم يقرعون على الدف أثناء وجودهم فى فناء السجن استقبالا لزيارة وفد المجلس القومى لحقوق الإنسان، وهتفوا «تحيا جمهورية مصر العربية»، ودعوا بالخير لمساعد أول وزير الداخلية اللواء عاطف شريف، ونائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، مقبل شاكر. المشهد لم يختلف كثيرا فى زيارة المجلس القومى لسجن قنا الأسبوع الماضى عن مشاهدات الشروق أثناء زيارة المجلس لسجن برج العرب قبل أشهر قليلة، فتهليل السجناء واحد، ودعاؤهم لوزير الداخلية والرئيس مبارك واحد، حتى إن أحد نزلاء سجن قنا ألقى قصيدة أثناء الزيارة قال فيها «لا ينقصنى هنا إلا المدام». رائحة الخبز الأسمر الطازج الذى يخبزه السجناء وحجمه وطعمه صعب أن تجدها فى أى من المخابز العادية، كما أن أزمة الطماطم التى انتشرت فى الآونة الأخيرة وارتفاع أسعارها وعدم جودتها كانت بعيدة تماما عن صورة الطماطم التى عرضت فى سجن قنا بجانب بعض الخضراوات والعنب والتفاح. السجناء يؤكدون عدم شكواهم من أى شىء وعدم وجود أى مشاكل فى السجن، إلا مع مسجونين الأول كان فى سجن برج العرب حكم عليه فى قضية مخدرات واشتكى من عدم تطبيق الإفراج الشرطى على مرتكبى جريمة المخدرات، والمسجون الثانى كان فى سجن قنا قال «كل اللى عايزه شقة تلم عيلتى بره»، وهو الأمر الذى وعد مقبل شاكر بمحاولة حله. الفارق الوحيد بين سجن برج العرب وقنا أن الأول حديث وبه بحيرة صناعية وبرجولة، أما الثانى فيحتوى فقط على نافورة صغيرة. ووفقا لمسئولى مصلحة السجون فإن سجن قنا بنى فى أواخر القرن التاسع عشر عام 1898 بمعرفة الإنجليز الذين كانوا يحتلون مصر فى هذا التوقيت. دخل وفد المجلس إلى الفناء الذى يضم منضدة للعبة البينج بونج وأخذ عضو المجلس القومى، أحمد رفعت، أحد المضارب مداعبا أحد السجناء، كما وجد وسط السجناء الذين يرتدون الزى الأزرق وبعض السجناء الذين ارتدوا الزى الرياضى، وهتف الجميع مهللين «مدد يا رسول الله»، و«الله أكبر وتحيا جمهورية مصر العربية». هذه الصورة وصفها نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، بالمشرقة، مشيدا بوضع السجون فى مصر، وقال عضو المجلس، نبيل حلمى، عقب الزيارة إن مصر ملتزمة بالقواعد الدولية لحقوق السجناء. لكن يبدو أن الصورة كانت مختلفة تماما فى سجن أول العريش المركزى، ثم الغربانيات، ثم أبوزعبل والمراكز التى مر عليها الناشط السياسى والروائى السيناوى، مسعد أبوفجر، الذى اعتقل أكثر من 30 شهرا. عندما سألت «الشروق» أبوفجر عن وضع الرعاية الصحية والغذاء والتريض فى السجون قال «والله العظيم هذا ترف.. لحمة إيه مش عايزين لحمة، المسجون لا يريد أى شىء سوى أن يجد مكانا ينام فيه». وانتقد أبوفجر الزيارات المعدة مسبقا للمجلس القومى لحقوق الإنسان، وقال: «أنا أعلم ما يحدث فى هذه الزيارات التى يذهب فيها الوفد لاحتساء الشاى مع قيادات الداخلية». وأوضح أن القائمين على السجن يختارون شخصا من كل زنزانة ويضعونهم فى زنازين أخرى لتقابلهم وفود حقوق الإنسان، وقال «هذا المسجون له مواصفات أهمها أنه لا يعرف أن يقول كلمة (لا) إلا أثناء التشهد». وشرح أبوفجر ما شاهده فى السجون التى مر عليها والتى تكتظ فيها الزنازين بالسجناء الذين تصل أعدادهم إلى 40 شخصا ولا تتسع الزنزانة لهذا العدد، وقال «كنا نعلق البطاطين ونربطها بين الحوائط وينام عليها الأشخاص قليلو الوزن، ثم ينام نحو 30 شخصا على الأرض أو بالتناوب». وشدد أبوفجر على ضرورة نقل إدارة السجون من وزارة الداخلية إلى القضاء «لابد أن تكون التبعية كاملة للقضاء مثلما يحدث فى الدول الأجنبية». خبير حقوق الإنسان والمحامى، عبدالله خليل، انتقد الزيارات المعدة مسبقا لزيارة السجون، وأوضح أن القانون الأردنى يتيح للمركز الوطنى لحقوق الإنسان إجراء زيارات مفاجئة على السجون، وقال «هذا الفرق بين نظام سياسى يرغب فى تحقيق مصداقية لأجهزته ونظام يعمل على تجميل صورته فقط». وأكد خليل أن الزيارة غير المفاجئة ترتب فيها وزارة الداخلية الأوضاع داخل السجون، وتحدد خط سير الوفد القائم بالزيارة وتنتقى المساجين الذين يقابلون الوفد.