انتابنى شعور بالحرج والحيرة حين طالعت حيثيات الحكم فى قضية قتل الفنانة سوزان تميم التى نشرت يوم الأربعاء الماضى 27/10، مصدر الحرج أننا بإزاء حكم لمحكمة الجنايات يتعين التزام الحذر فى تناوله، خصوصا إذا كان التناول من جانب واحد مثلى تبخرت معارفه القانونية بمضى المدة. أما الحيرة فسببها أننى بعدما قرأت الحيثيات عدة مرات وتابعت وقائع الجلسة التى صدر فيها الحكم خرجت بمجموعة من الملاحظات والتساؤلات لم استطع كتمانها. وحين عبرت عما يجيش فى صدرى أمام آخرين ممن هم أفقه وأخبر فوجئت بأن منهم من شاطرنى هواجسى ومنهم من أضاف عليها من عنده أمورا أخرى. وقبل أن استطرد أرجو ألا أكون بحاجة للتذكير بأننى أتمنى البراءة لكل مظلوم، كما أتمنى أن يفرج الله كرب كل مهموم أو مكلوم. وكصاحب خبرة سابقة فى المظلومية، فإننى أعرف جيدا ماذا يعنى للفرد ولأى أسرة أن يحكم على المرء بعقوبة السجن وأن يقضى بعض عمره وراء القضبان. وتلك خلفية أرجو أن تضعها فى الاعتبار وأنت تقرأ ملاحظاتى التى أوجزها فيما يلى: ● إن الحيثيات أدانت كلا من هشام طلعت مصطفى ومحسن السكرى، وثبتت بحقهما ارتكاب الجريمة، فذكرت صراحة أن الأول هو الذى أمر بالقتل وأن العملية مرت بمراحل عدة كان آخرها فى دبى، حيث طلب هشام من السكرى تعقب الضحية وقتلها هناك. ورتب له كل مستلزمات إنجاز «المهمة». وقد عرضت أسباب الحكم المنشورة كل ذلك. وفصلت فى ذكر تفاصيل دخول السكرى إلى شقتها، وكيف كتم صوتها وذبحها ذبح الشاة حتى فصل الرأس عن الجسد، ثم قام بتبديل ثيابه وغادر البناية التى تسكنها. وقد فاجأنا الحكم وأدهشنا عندما اعتبر هشام مجرد «شريك» فى الجريمة، واعتبر السكرى فاعلا أصليا، بخلاف ما ذهب إليه القاضى فى الحكم الأول، علما بأن الحيثيات والوقائع التى ذكرتها المحكمة أكدت أن هشام هو الأصل والسبب وصاحب المصلحة الذى أمر بالقتل انتقاما من الضحية، ولولاه لما وقعت الجريمة. وهذا التغيير فى المركز القانونى لكل منهما كان له أثره المباشر على الحكم، حيث قضت المحكمة بسجن هشام 15 عاما باعتباره شريكا، فى حين نال محسن السكرى عقابا أشد بحسبانه الفاعل الأصلى، وحكم عليه بالسجن 25 عاما. ● إن الوقائع التى وردت فى الحيثيات هى ذاتها التى استند إليها الحكم السابق بإعدام الرجلين، ولكن الحكم الجديد خفف العقوبة من الإعدام إلى السجن. وهذا التخفيف وارد بطبيعة الحال، إذا ما لاحت للقاضى ظروف تبرره. وفى حدود علمى فان بعض القضاة يعمدون إلى ذكر أسباب تخفيف العقوبة، فى حين لا يرى آخرون ذلك حين تتوافر الشواهد والقرائن التى تعطى ذلك الانطباع وتكون ناطقة بذاتها. ومن ثم لا يجد القاضى مسوغا لذكر سبب التخفيف. لكننا فى الحالة التى نحن بصددها لم نجد فيما نشر من أسباب الحكم ذكرا لشىء من ذلك القبيل. كما لم نلحظ فى الحيثيات أى إشارة توحى بأن ثمة ظرفا مخففا اقتضى النزول بالعقوبة من الإعدام إلى السجن المؤبد. ● الملاحظة الثالثة ان القاضى افتتح الجلسة وبدأ إجراءاتها، ولم يستمع إلى مرافعات المحامين، ثم قرر رفع الجلسة فجأة، وغاب بعض الوقت وعاد ليعلن الحكم. وتلك كلها مفاجآت غير معهودة أدهشت المحامين. حيث لم يخطر على بالهم ألا تسمع مرافعاتهم، ولم يخبرهم القاضى حين رفع الجلسة بأن القضية محجوزة للحكم على خلاف ما تقضى به التقاليد والأعراف القضائية. ● الملاحظة الرابعة والأخيرة أن إصدار الحكم بدون الاستماع إلى المرافعات فتح الباب واسعا للطعن فيه أمام محكمة النقض، كما ذكر المحامون فى الجلسة ونقلته الصحف عنهم، فضلا عن أن تخفيف الحكم من الإعدام إلى المؤبد وضع سقفا للعقوبة لن تتجاوزه تلك المحكمة وقد تنزل عنه. وفى رأى القضاة المخضرمين الذين تحدثت إليهم فإن ذلك يصب فى مصلحة المتهمين اللذين لم يفلتا من الإعدام فحسب، وإنما صار الطريق ممهدا أيضا لاحتمال تخفيف الحكم الصادر بحقهم. لا أعرف ما إذا كانت تلك مجرد مصادفات أم لا. ولست واثقا من أن مثل هذه «المصادفات» يمكن أن تقع لو أن المتهمين كانا شخصين عاديين وليست لهما ظروفهما الخاصة. وأرجو أن يكون سوء الظن وحده هو الذى جعلنى أستعيد فى هذا المقام الحديث النبوى الذى يقول: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد».