«أكاديمية أخبار اليوم» تحيي ذكرى انتصارات أكتوبر بندوة وطنية | فيديو    حمدي رزق رئيسًا للجنة تطوير الصحافة ورانيا مكرم مقررًا    إيناس جوهر رئيسًا لجنة إعلام الخدمة العامة.. وعمرو خفاجي مقررًا    مدرسة بكفر الشيخ تعلن تعطيل الدراسة 3 أيام بمناسبة مولد إبراهيم الدسوقي    تراجع سعر الجنيه الذهب اليوم الأربعاء 22 أكتوبر.. ننشر آخر تحديث    محافظ البحر الأحمر: رأس غارب تنتج 75% من بترول مصر والمثلث الذهبي بوابة الاستثمار التعديني    السفير يوسف الشرقاوي: القمة المصرية الأوروبية الأولى تمثل نقلة تاريخية في العلاقات الثنائية    «مجاور»: معبر رفح مفتوح منذ أكتوبر 2023.. ووفد دنماركي يثمن جهود مصر في دعم غزة    مبابي ينافس بيدري على جائزة أفضل لاعب في الدوري الإسباني لشهر أكتوبر    ترتيب الدوري المصري بعد انتهاء الجولة ال11.. الأهلي في الصدارة    وزير الرياضة يهنئ محمد حسن بذهبية العالم في المصارعة    كوبارسي: الجماهير تحب الانتصارات الكبيرة في الكلاسيكو لكننا لا نفكر في ذلك    غدًا.. قائمة الخطيب تعقد ندوتها الثالثة بفرع الأهلي بمدينة نصر    الطفل إياد يلحق بشقيقه بعد سقوطهما من الطابق التاسع ببرج سكني بدمنهور    لزيادة المشاهدات.. ماذا فعل 3 صناع محتوى على السوشيال ميديا؟| فيديو    بتقديم «كفنين».. أمن المنيا يُنهي خصومة ثأرية بين عائلتين في قرية يونس مصيدة    أحمد السعدني يعلن عدم مشاركته في موسم دراما رمضان 2026    المتروبوليتان يحتفى ب «آلهة مصر القديمة»    أحمد موسى: العلاقات المصرية الأوروبية تقوم على شراكة ومصالح متبادلة    تكريم رائد المسرح المصرى السيد بدير فى أكاديمية الفنون الأحد    هل القرآن الكريم شرع ضرب الزوجة؟.. خالد الجندي يجيب    نائب وزير الصحة يتفقد سيارات الإسعاف بميناء رفح البري    مدرب الاتحاد: تعرضنا للظلم أمام الأهلي    أنغام تحيي حفلا غنائيا في أوبرا الكويت نوفمبر المقبل    إعلام عبري: حماس لا تزال تمتلك مئات الصواريخ القادرة على الوصول إلى وسط إسرائيل    "وان أوف وان" تطلق مشروعين جديدين في الشيخ زايد والتجمع السادس    مصر تستضيف تنصيب الرئيس الجديد لبنك التصدير الأفريقي «أفريكسيم بنك»    ميلاد هلال شهر رجب 2025.. موعد غرة الشهر الكريم وأحكام الرؤية الشرعية    «الساعة 12 تصبح 11» موعد تطبيق التوقيت الشتوي في مصر 2025    «جهار»: 26 منشأة صحية حصلت على الاعتماد الكامل أو المبدئي    ماذا يحدث للكوليسترول في الدم عند تناول التفاح يوميًّا؟    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة مصر وغانا في تصفيات كأس العالم للسيدات    مرور القاهرة يعلن إغلاق كوبري الأزهر السفلي لإجراء أعمال الصيانة    ننشر منطوق حكم كروان مشاكل بسب وقذف ريهام سعيد    "مكافحة انتشار المخدرات" فى ندوة بطب بيطري أسيوط    بعد أزمة مواجهة برشلونة وفياريال.. الدوري الإيطالي يتمسك بإقامة مباراته في أستراليا    مخاوف داخل إسرائيل بعد الكشف عن عبور سرب مقاتلات صينية متقدمة إلى الأراضي المصرية    الخارجية الإسرائيلية ترفض الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية: محاولة لتسييس القانون    تركيب 1662 وصلة مياه مجانية للأسر الاولى بالرعاية بالفيوم    "واقع مزيف" يتوسع بصمت.. تحذير من الذكاء الاصطناعي    الكنيست الإسرائيلي يقر مقترح قانون ضم الضفة الغربية بالقراءة التمهيدية    وزير الخارجية الإسرائيلي: لا يوجد لإسرائيل صديق أعظم من الولايات المتحدة وممتنّون لإدارة ترامب على دعمها الثابت لإسرائيل    لتوفير 1500 فرصة عمل.. 12 شركة في الملتقى التوظيفي الأول بجامعة حلوان (تفاصيل)    مجلس كنائس مصر: مؤتمر الكهنة والرعاة جسد رسالة الكنسية في خدمة الإنسان والمجتمع    مرض الجدري المائي.. الأعراض وطرق الوقاية    إحالة مديري مدرستين للتحقيق لتقصيرهم في العمل بأسيوط    لدعم الطالبات نفسيا، الهلال الأحمر يطلق حملة Red Week بجامعة الوادي الجديد    الرقابة المالية تمد وقف تلقي طلبات التأسيس لنشاطي التمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر بالطرق التقليدية لمدة عام    بيراميدز يواجه التأمين الإثيوبي ذهابا وإيابا في القاهرة    البترول: مصر تُصدر 150 ألف متر مكعب من الغاز المسال إلى تركيا لصالح توتال إنيرجيز    الأقصر تتحرك لدعم موسم سياحي استثنائي.. لقاء موسع بمشاركة خبراء ومختصين    بيحبوا يكسروا الروتين.. 4 أبراج لا تخشى المخاطرة وتحب انتهاز الفرص    محافظ أسيوط: غدا فتح باب التقديم لحج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه – 2026م وحتى 6 نوفمبر المقبل    نائب وزير الصحة يتفقد جاهزية الخدمات الطبية والطوارئ بميناء رفح البري    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 22-10-2025 في محافظة الأقصر    مفتي الجمهورية: الله تولى بنفسه منصب الإفتاء وجعله من وظائف النبوة    حين يتأخر الجواب: لماذا لا يُستجاب الدعاء أحيانًا؟    سماء الفرج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زهر الخريف
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 10 - 2010

عنوان أحدث الأعمال الروائية للأديب المبدع عمار على حسن. والزهر عنده هو شباب مصر الذين صنعوا بسواعدهم ملحمة أكتوبر فحرروا الأرض واستشهدوا على ترابها. وهكذا فأن يفجر الخريف غضبا يكتسح الخط المنيع ومن خلفه الجيش الذى لا يقهر، أو ينبت زهرا لا يدوم ككل نبت يورق على أبواب الشتاء ما يلبث أن يذوى ويموت، يظل أكتوبر ملهما للسياسة والأدب أو لمزيج منهما.
تدور أحداث الرواية خلال السنوات الست الفاصلة بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر، بطلاها على عبدالقادر وميخائيل ونيس صديقان منذ الصغر جندا معا واستشهدا معا، وساحتها قرية ترطب مجازا جو الصعيد القاسى بنسمات تهب من القنال، فاسم القرية الإسماعيلية لكنها تقع بمحافظة المنيا.
الفكرة المركزية للرواية هى أن أمن الوطن من أمن الأفراد، وكرامة هذا من كرامة هؤلاء. وتلك فكرة تستدعى إلى الذاكرة أعمالا إبداعية تناولت العلاقة نفسها، ومن قبيلها رواية «الرصاصة لاتزال فى جيبى» للأديب الكبير إحسان عبدالقدوس التى تحكى عن فاطمة ابنة القرية التى استبيح جسدها كما استباح الصهاينة أرض سيناء، فلا تعود لها كرامتها إلا بعد التحرير ورجوع ابن عمها محمد مكللا بالنصر.
ومع ذلك فإن العلاقة بين الفرد والوطن فى رواية عمار لا تسير فى اتجاه واحد. فتارة يصير الوطن هو الفاعل عندما يحدثنا الكاتب عن أنه قبل هزيمة 1967 لم يكن أى من اللصوص قادرا على الاقتراب من حمى قرية الإسماعيلية. حتى إنه فى المرة الوحيدة التى أقدم نفر منهم على سرقة نعجة أحد أبناء القرية رد أهل الإسماعيلية بغارة على قرية اللصوص فاقتنصوا بهائم وأسروا رجالا وأجبروهم على ألا يعودوا لفعلتهم قط. لكن عندما احتلت سيناء سرق اللصوص جمل الرجل العجوز عم جرجس، وجاموسة أرملة كانت تعول يتيما، وأشاعوا الرعب والفزع فى القلوب، وجعلوا قريتهم مثار سخرية من أبناء القرى المجاورة وأحيانا من أطفال قريتهم نفسها. وها هو أحد هؤلاء الأطفال يثبت عينيه فى عيون الرجال ويقول فى تحدٍ واقتضاب «لو فى بلدنا شجعان ما ضاعت بهائمنا».
لكن تارة أخرى يأخذ الأفراد زمام المبادرة فيقومون قومة رجل واحد على اللصوص، فتتحرر قرية الإسماعيلية ثم تتحرر أرض سيناء. قال الإسماعيليون «لن نسمح لكم بسرقتنا بعد اليوم»، واصطفوا من خلف على وميخائيل. فالشابان كانا قد تشبعا بأساطير البطولة والأبطال، أدمنا القراءة عن الزير سالم وعلى الزيبق وحمزة البهلوان، واستعذبا شدو مغنى القرية بسير الزناتى خليفة وأبى زيد الهلالى وأدهم الشرقاوى.
فإذا هما يتصديان لكل متسلل لبيوت القرية أو حظائرها وزراعاتها، بالمغالبة حينا، وبحيل صبيانية كأن يمزجان الملح بالشطة ويلقيانهما فى أعين اللصوص حينا آخر. لكن فى كل الأحوال انقطع دابر اللصوص، وأخذ على وميخائيل طريقهما إلى الجبهة فاستردا الأرض السليبة.
ما يريد عمار أن يقوله إنه أكان الوطن هو البدء أو المنتهى، فإنه لا أمن للفرد فى وطن محتل، كما أنه لا أمن للوطن مع أفراد يفرطون. وعنده فإن الشرطين اللازمين للأمن بشقيه هما شجاعة القيادة من جهة ووحدة الجماعة من جهة أخرى. قال أحد الاسماعيليين «لو أن فى بلدنا شابين مثلهما يقصد كلا من على وميخائيل ما ضعفت عزيمتنا»، وأضاف آخر «حين اتحدوا غلبوا العصابة الفاجرة»، وارتباط الجملتين بالشرطين واضح.
تتيح لنا رواية «زهر الخريف» لعمار على حسن أن نبحر فى نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات، حيث كان الحديث عن النسيج الوطنى الواحد حقيقة معاشة وممارسة يومية فى كل بيت. فبطول صفحات روايته يتنقل بنا عمار من دار على إلى دار ميخائيل لينبئنا أن ما يحدث هنا هو صورة طبق الأصل مما يحدث هناك، ببساطة لأن المشاعر لا دين لها. تلتاع أم على لغياب ابنها دون حس أو خبر فيرد عليها زوجها فى تبرم «ابنك لم يعد طفلا حتى تخافى عليه».
وينهش القلق قلب أم ميخائيل على ابنها حين اختفى فيعلق زوجها بالقول «ليس صغيرا». تلجأ الأولى إلى الشيخ عمران عله يخبرها بمكان ابنها وتفعل الثانية الشيئ نفسه فتولى وجهها شطر قسيس مكشوف عنه الحجاب، ثم تقرر الاثنتان أن تتأكد من الهواجس التى خَلفَها لديهما حديث الشيخ والقس، فتذهب أم ميخائيل إلى الشيخ عمران وتقصد أم على القسيس، ثم تعودان منقبضتين.
إنها علاقة تشعرك بهول الفارق بين زمانهم وزماننا حين تقارن بين منيا الأمس ومنيا اليوم، علاقة تنساب فى نعومة الحرير من الآباء إلى الأبناء، ثم لا تلبث فروع الشجرة الوارفة أن تتمدد وتتعانق أغصانها لتتجاوز علاقات العصب إلى علاقات النسب. تشعر أم ميخائيل بالاطمئنان على ابنها فى صحبة على، ويعرف عبدالقادر أن ميخائيل هو ستر على وغطاؤه وشريكه فى كل أفعاله.
ولذلك فإنه فى اليوم الذى يأتيه خبر استشهاد ميخائيل يهتز جسده فى صمت وينضح الدمع الغزير من بين أصابعه. يبكى عبدالقادر لأن ميخائيل تربى فى داره، ويبكى لأنه يشعر أنه كما تلازم خط الحياة لكلٍ من ميخائيل وعلى فالأرجح أن تتقاطع نهايتهما. وها قد استشهد ميخائيل وكان كل الخوف من أن يلحق به على.
لم يخطئ ظن عبدالقادر وانقطعت أنباء على، فمن قال إنه أُسِر ومن قال إنه مات. من أشاع إنه سمع صوته فى الراديو ومن زعم أنه رآه يركب سرفيسا إلى السويس. وهكذا طارد عبدالقادر وابنه فهمى كل الأقاويل وتعقبا كل المزاعم والشائعات فى رحلة البحث عن الحقيقة، تلك الرحلة التى تذكرنا بالقصة البديعة لجمال الغيطانى «حكايات الغريب». فلم ينجلِ مصير على إلا قبل النهاية بصفحات، وذلك عندما تلاقت جنازة أمه مع جنازة رجل من قرية مجاورة، وكان فى تشييع الأخير مجند فى كتيبة على فشهد ببسالته حتى الشهادة، وترحم عليه صادقا.
تتجلى رواية «زهر الخريف» لقارئها كما لو كانت هى نفسها أنشودة من الأناشيد التى وقع على وميخائيل فى حبها وحفظا كلماتها عن ظهر قلب.
أنشودة اغترف عمار على حسن مفرداتها من البيئة الريفية التى كتب عنها فإذا بك تصادف وفرة فى وصفه وجوه الفلاحين البسطاء وجفونهم وشفاههم وخدودهم وأياديهم بأنها «مقددة» من وخز الفقر وقسوة الفأس، وفى وصفه الدنيا أو السماء أو الشقة أو الجدار أو البراح «بالوسيعة» و«الوسيع»، وهى صيغة مبالغة تشعرك بالاسترخاء وتزيل عنك توتر الأمكنة الضيقة التى تلازم المدينة، وفى استخدامه فعل «لعلع» كلما أشار إلى دوى الرصاص يتردد صداه فى ليل القرية الساكن.
أما أجمل ما فى أسلوب حكى عمار فهو الجمل القصيرة قليلة الكلمات عميقة المعنى كقوله «تمتم بلسان أثقله الهوى»، أو «أم على تجرى وراءه ملهوفة ثم لم يلبث أن تحول جسدها إلى قلب»، أو «ضاربا بقدمه الكلاب المستكينة المتواطئة مع اللصوص»، فإذا المعنى مضبوط على الكلمات بغير زيادة أو نقصان، نافذ باليسر كله إلى القلوب والأفهام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.