أودعت المحكمة الإدارية العليا أسباب حكمها الصادر، أمس الأول السبت، بإلغاء الحراسة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية بجامعة القاهرة مع منع تواجدها داخل حرم الجامعة، والتي أكدت فيها المحكمة أن تواجد هذا النوع من الحراسة والأمن من شأنه الانتقاص من الاستقلال الذي كفله الدستور للحياة الجامعية، وفى نفس الوقت يحمل أعباء إضافية على كاهل وزارة الداخلية بجانب المهام الجسام الملقاة على عاتقها في كفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في جميع أنحاء البلاد. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها الصادر برئاسة المستشار محمد عبد الغني، رئيس مجلس الدولة، إن المشرع الدستوري عني باستقلال الجامعات ورفعه إلى مصاف المبادئ الدستورية ملزمًا الدولة في المادة 18 من الدستور بكفالة هذا الاستقلال، والذي يشمل بمعناه الاصطلاحي استقلال الجامعة بكل ما يتعلق بشؤونها بدون أن يقتصر على الاستقلال في مجال البحث العلمي. وأوضحت أن اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات الصادر بقرار رئيس الجمهورية نصت على إنشاء وحدة للأمن الجامعي بكل جامعة تتحدد مهامها في حماية منشآت الجامعة وأمنها، وتتبع رئيس الجامعة مباشرة لتضع بذلك اللبنة الأخيرة في البناء التشريعي لكفالة استقلال الجامعات بكل ما يتعلق بشؤونها باعتبارها منارة للعمل ومعقلا للفكر الإنساني في أرفع مستوياته. وقالت المحكمة إنه فضلا عما أوجبه الدستور والقانون من كفالة استقلال الجامعات، فإن أداء الجامعات لرسالتها يتطلب الالتزام بالضوابط التي اتبعتها الأمم المتقدمة فى صونها لاستقلال جامعاتها ومؤسساتها التعليمية، والتى تضمنتها التوصيات الصادرة عن العديد من الهيئات والمؤتمرات الدولية. وأوضحت أنه في مقدمة ذلك المؤتمر العام لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم فى دورته التاسعة والعشرين المنعقدة في باريس عام 1997، وقبله إعلان (ليما) 1988 بشأن الحرية الأكاديمية والاستقلال الذاتي لمؤسسات التعليم العالي، وإعلان (كمبالا) عام 1990 بشان الحرية الكريمة والمسؤولية الاجتماعية إلى عدم جواز قيام الدولة بنشر أي قوات عسكرية أو قوات الأمن أو قوات مشابهة داخل مباني وأراضي المؤسسات التعليمية، وإعلان (عمان) للحريات الأكاديمية المنعقد فى العاصمة الأردنية عام 2004، والذي نبه إلى خطورة فرض الأجهزة الأمنية وصايتها المباشرة على الحياة الجامعية. وأكدت أن وجود قوات للشرطة تابعة لوزارة الداخلية متمثلة في إدارة الحرس الجامعى داخل حرم جامعة القاهرة وكلياتها ومعاهدها بصفة دائمة يمثل انتقاصًا من الاستقلال الذي كفله الدستور للجامعة. وأشارت المحكمة إلى أن هذا التواجد الدائم للحرس الجامعى يمثل قيدًا على حرية الأساتذة والباحثين والطلاب فيها، وهم يرون أن ثمة جهة أخرى لا تتبع الجامعة متواجدة بصفة دائمة داخل الجامعة تراقب تحركاتهم وتتحكم فى ممارستهم لأنشطتهم بالمنح أو المنع، فتهون عزائمهم وتخبو آمالهم وتتبدد طاقاتهم هباء بدلا من أن تنطلق نحو الإبداع والابتكار لتؤتي ثمارها في رقي الفكر وتقدم العلم وتنمية القيم الإنسانية. وقالت إن تولي إدارة الجامعة حفظ الأمن والنظام داخل الجامعة تأكيدًا لاستقلالها ودعمًا لحريتها يتيح لوزارة الداخلية -من جهة أخرى- التفرغ للمهام الجسام الملقاة على عاتقها في كفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في جميع أنحاء البلاد.