هناك طريقة لممارسة السياسة من داخل السلطة تراعى بعض مصالح الشعب لكن مع ضمان دوام سلطة الحاكم، هذه هى خلاصة فكر نيكولا ميكافيللى فى كتابه الشهير «الأمير». البعض يراه شيطانا رجيما والبعض يراه مفكرا واقعيا. الصورة النمطية للشباب الذى يختار الانضمام إلى الحزب الوطنى تضعهم كأتباع لميكافيللى، الشيطان تارة والواقعى تارة. ولكنهم فى صورة أخرى يرسمونها هم يخوضون جدلا مع طيف أفكاره، ويتحركون بين القناعة التامة بالحزب وسياساته ورجاله والمستقبل المشرق معهم، وبين الاعتراف بسلبيات الحزب الحاكم مع أمل فى إصلاح ممكن من الداخل لأنه المنفذ الوحيد للسياسة. شباب الحزب الحاكم: السياسة على أرض الممگن والمصلحة والطموح الواقعى «هذه الواجهة جديدة»، يشير يوسف وردانى مبتسما إلى الواجهة اللامعة للمقر الرئيسى للحزب الوطنى المطل على كورنيش النيل بالتحرير. يخطو داخله متحمسا متوجها إلى مقر إدارة الموقع الإلكترونى للحزب الذى تولى مسئولية تحريره مؤخرا. تبدو الإجراءات لأول وهلة مشددة، ولكن إلى حين حضور شخصيات مهمة يتراخى رجال الأمن قليلا ولا ينتبهون إلا لتصاريح دخول الكاميرات. لا تبدو الحركة كثيفة رغم ما يقوله يوسف فى المصعد من أن معظم الأمانات المركزية هنا إلا أمانات قليلة منها أمانة الشباب التى توجد فى مقر الحزب فى عابدين، مؤكدا أن التردد على هذه الأمانة تحديدا يتم بكثافة غير عادية. «تضم أمانة الشباب ما يزيد على 100 ألف شاب. يشتركون فى أنشطة مختلفة. الأعضاء من سن 18عاما إلى 40 عاما يمثلون 60% من عضوية الحزب التى تجاوزت الآن الملايين الثلاثة»، يؤكد يوسف وردانى أن ذلك انعكس على اهتمام الحزب مؤخرا بالإنترنت، الساحة الشبابية النشطة التى يبدو أن المعارضة والحركات الاحتجاجية تجتذب فيها الاهتمام الأكبر. «فى أول اهتمامى بالسياسة لم تكن ساحة الإنترنت نشطة كما هى الآن وكان علىّ أن أبحث بطرق تقليدية عن برامج الأحزاب المختلفة التى فكرت فى الانضمام لها. كان يجب أن أذهب إلى المقرات لأطلب البرامج وشعرت أحيانا أنى أطلب وثيقة سرية». يحكى يوسف وردانى، الذى تخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 2002، أنه بدأ الاهتمام بالسياسة قبل دخوله الكلية وكانت الخيارات التى فكر فيها هى «الناصرى» و«التجمع» و«الوفد»: «لم أكن منجذبا للناصرية، وبدت لى الأفكار الاشتراكية لحزب التجمع ساعتها غامضة وصعبة، كنت أكثر ميلا لليبرالية وفكرة الوحدة الوطنية كما جسدها حزب الوفد. توجهت إلى مقره بالغربية حيث كنت مقيما لفترة هناك»، يحكى يوسف ضاحكا أنه خرج محبطا من التجربة لأن أحدهم سأله بروح استنكارية عما أتى به إلى هنا ولماذا، وآخر قال له إن كل الأحزاب مجرد صحف وعليه أن يوفر وقته وجهده. فى الجامعة تأثر بكتاب «تطور النظام السياسى فى مصر» لأستاذه القيادى فى الحزب الوطنى د. على الدين هلال وبما عرف من معلومات عن الحزب: «وجدت المبادئ بسيطة بالنسبة لى كشاب فى مقتبل دراسته الجامعية. ووجدت جماعة سياسية كبيرة وهيكلا مؤسسيا تنظيميا قويا وطرقا منظمة للترقى داخله وتشجيعا كبيرا للشباب». بعيدا عن صخب المظاهرات والروح النضالية لتجمعات الطلبة المعارضين والسياسة ذات الشعارات الساخنة أو الآمال البعيدة، ينضم مئات الطلبة فى الجامعة للحزب الوطنى لأسباب يرونها عملية وأكثر بساطة كما يذكر يوسف وردانى، لا تبدو السياسة فيها كصراع أو معركة بقدر ما هى مجال للإنجاز الشخصى والجماعى فيتم البحث عن كيانات ملموسة مؤهلة لذلك وليس الاشتراك فى خلق أخرى أو الانحياز برومانسية إلى كيانات صغيرة جديدة لا تملك غير الأمل والحماس. جيل المستقبل بعد انتهاء مرحلة الجامعة يبدو أن خدمات التدريب والتأهيل تمثل مسارا مميزا آخر لعضوية الشباب، من هذا المسار انضمت أمل عبدالعزيز، أمينة الوحدة الحزبية ل«فتيان وفتيات مصر» بمنطقة مصر الجديدة وعضو المجلس المحلى هناك. تحكى أمل أنها تعرفت على الحزب الوطنى أثناء تلقيها دورات الإدارة فى جمعية «جيل المستقبل» التى يرأسها جمال مبارك، رئيس لجنة السياسات بالحزب. رغم أنها خريجة كلية الزراعة فإنها بعد التدريب توجهت لاستكمال دراسة إدارة الأعمال وتعد الآن للحصول على درجة الماجستير فيها من الجامعة الأمريكية. بعيدا أيضا عن الجدل السياسى، تمثل الأنشطة الخدمية التى تقدمها أمانات الوطنى فى مجال التدريب والتوظيف بابا لنسبة من عضوية الشباب، ولكن تقارير أمانة العضوية بالحزب تشير إلى زيادة الإقبال على طلب العضوية بشكل ملحوظ بعد المؤتمرات العامة للحزب، ربما بفعل التناول الإعلامى للمؤتمر. توجهت أمل عبدالعزيز إلى مقر الحزب الوطنى فى مصر الجديدة، وتقدمت بطلب عضوية مباشرة عقب المؤتمر العام للحزب عام 2002. وتقول إن أجواء المؤتمر التى نقلها الإعلام شجعتها على الاقتراب من العمل السياسى وذلك بعد أن استفادت من خدمات جمعية «جيل المستقبل» ورأتها تطبيقا واقعيا للشعارات التى يرفعها الحزب عن الفكر الجديد. تؤكد أمل عبد العزيز أنها كانت على الدوام نشطة سواء فى المدرسة أو الجامعة فى اتحاد الطلاب، ولكن كانت نظرتها للمعارضة أنها إما «حركات هدامة»، على حد تعبيرها أو تصرخ وتحتج ولكنها تفتقر لبرامج وآليات حل المشكلات. ترقت أمل من عضو بالحزب إلى أمينة للمرأة بوحدة حزبية إلى أمينة لوحدة حزبية. لم يكن المشوار سهلا كما تقول: «أنا اتبهدلت علشان أوصل. المرأة تجد صعوبة كبيرة مع المستويات القاعدية فى الحزب ولا توجيهات المستويات العليا. الرجل المصرى رجل شرقى فى الحزب وفى البيت. والمرأة النشطة فى الحزب إما أن تكون غير متزوجة أو تكون زوجة عضو نشط. لو كان غير ذلك فإما أن تستقطبه وإما أن تنفصل أو تنسحب». نشاطها فى أمانة المرأة ثم أمانة مهتمة بشكل أساسى بالشباب جعلها تركز على الأنشطة الاجتماعية والخيرية، التى تقول إنها تجتذب المزيد من الراغبين فى أن يكونوا إيجابيين ولكنها تعود وتؤكد أن العمل بالشعارات السياسية ضرورى فى لحظات بعينها مثل الانتخابات. لحظات الرواج السياسى قد تقترن مع أبواب أخرى للعضوية مثل الترشيح الشخصى من المعارف وعبر تزكية شخصية وهو ما حدث مع يوسف بشاى، خريج الجامعة الأمريكية والمحلل المالى بإحدى المجموعات الاقتصادية. كانت بدايته مع الحزب بفضل معرفته الشخصية بأحد مرشحى انتخابات مجلس الشعب فى دائرة المنيل حيث يسكن. كان لايزال طالبا يدرس الاقتصاد والسياسة، وفكر فى أنه يريد أن يقترب ويشارك لا أن يكون مجرد متابع. الاتجاه للمعارضة لم يكن خيارا لديه فهو يراها مجرد «مكاتب وصحف» ولا وجود لها حقا فى الشارع. بينما كان يريد أن يبدأ فورا فى خدمة مجتمعه الصغير وأن يدفعهم للإيجابية بإقناعهم باستخراج بطاقات انتخابية. يقول يوسف بشاى: «خلال سنتين نشطت خلالهما فى الحزب فى منطقة المنيل لمست أن دوافع الشباب القريبين منى للانضمام تتلخص فى دافعين: الرغبة فى التأثير فى المجتمع الصغير أو الحى. والرغبة فى التشبيك وتنمية شبكة العلاقات ودائرة الاتصال والتأثير. أعتقد أنهما دافعان غير متعارضين، لأن السعى للمصلحة الشخصية لا يتعارض مع المصلحة العامة، ولكن فى بعض الأحيان قد يغلب الدافع الثانى على الأول ولكن التنظيم الجيد يحول دون ذلك». من خلال نشاطه فى أمانة التثقيف والتدريب بالحزب، لمس يوسف وردانى أيضا أن دافع العديد من الشباب هو الاستفادة من الخدمات التى يقدمها الحزب، بدءا من الرحلات والأنشطة الترويحية وصولا إلى تسهيل القروض الميسرة وفرص العمل. يؤكد أيضا أن الرغبة فى الترقى الشخصى ونسج العلاقات داخل الحزب ليست عيبا: «شعور الأفراد بالرضا الذاتى ضرورى لأى مؤسسة أو جماعة لكى يمكن أن تكون كيانا ناجحا، بشرط ألا يطغى ذلك على المصلحة العامة للكيان». تابع بقية الموضوع فى النسخة الورقية أو ال pdf وسطاء بين الناس والدولة فقه الدفاع عن (الوطنى) على الإنترنت من الوطنى إلى المعارضة : كنا مجرد أذرع لمراكز اتخاذ قرار .. والإصلاح من الداخل مستحيل أغلبية الأقلية