شال فلسطينى ومعطف أنيق وقبعة راعى بقر أمريكى، جميعها تظهر فى ائتلاف وتناغم، رغم اختلاف دلالاتها السياسية، على غلاف رواية «سؤال فينكلر» The Finkler Question الحائزة على جائزة مان بوكر البريطانية قبل أيام، وربما تشى مفردات الغلاف تلك من الوهلة الأولى عما يكون هو سؤال فينكلر، وهو السؤال الذى كثيرا ما أرَق صاحبها هاورد جاكوبسن فى أعماله وكتاباته، وهو سؤال الهوية. فى الرواية،الصادرة عن دار بلومزمبرى، تربط علاقة صداقة وثيقة بين كل من جوليان تريسلوف، الذى يعمل صحفيا لدى هيئة الإذاعة البريطانية BBC، ويعانى من الكثير من الإحباط، وسام فينكلر الذى قدمته الرواية على أنه فيلسوف معروف كثير الظهور فى البرامج التليفزيونية، وتعود علاقتهما إلى أيام الدراسة المبكرة. على الرغم من اختلاف نمط حياتهما فإنهما لم يفقدا أبدا حالة الوصال بينهما، ولا مع معلمهما التشيكى اليهودى الأصل ليبور سيفيك الذى كان يهتم بتأمل العالم معهما أكثر من اهتمامه التقليدى بنتائجهما فى امتحان مادته، تمر الأيام ويجمع التلميذين مع أستاذهما تجربة حياتية جديدة بعد أن يفقد كل من ليبور وفينكلر زوجاتهما، فيما يشاركهما تريسولف الشعور ذاته ليس بسبب موت زوجته وإنما من فرط إحباطه من عالم النساء بعد سلسلة من العلاقات المرتبكة، التى قادته لأن يختار عالم الرجال الأرامل لينتمى إليه مع صديقيه، وفى إحدى الليالى تناول جميعهم العشاء فى بيت ليبور الذى يقطن فى بيت متميز فى قلب العاصمة لندن، وكانت ليلة شديدة القسوة عليهم جميعا بسبب ما اجتروه من ذكريات مؤلمة عن الحب والفقد، وما تبعه من مجالات لإيجاد حلول لأزمتى الهوية والضياع، وقادهم ذلك للتأمل فى فلسفة السعادة، التى ربما لو لم يألفها الإنسان كثيرا ما ألمه فقدها، واكتشف كل منهم مدى ثقل الحزن الذى يحمله كل منهم، وخرج تريسولف بعد هذه الأمسية فى طريقه لمنزله وتعرض لحادث أليم، تحولت بعده مفاهيمه حول ماهية الكثير من الأشياء التى آمن بها، لتبدأ الرواية فى أسلوب لاذع طرح الكثير من المتناقضات مثل الانتماء والإقصاء، وكذلك مفاهيم كالعدالة والحب وتقدم العمر والحكمة والإنسانية، والثبات. يبدو أنه من الصعب أمام «مسألة فينكلر» الحديث عنها باعتبارها نصا أدبيا وحسب، فهاورد جاكوبسون كاتب معروف بميوله الصهيونية علاوة على أنه من أشد المدافعين عنها، وله مقال ثابت فى صحيفة «الإندبندنت» البريطانية يدور فيه عادة فى فلك الهوية المعاصرة للفرد اليهودى، وهو ذات الفلك الذى سخّر من أجله روايته الحائزة على البوكر، التى طرحت السؤال ذاته ما الذى يعنيه أن تكون يهوديا فى عالم اليوم؟، وفى حديثه لموقع جائزة ال«بوكر» قال إن فكرة روايته جاءت من خلفية قلق يسكنه من أن معاداة اليهودية تبدو بالنسبة إلى يهود كثر نتيجة حتمية لمعاداة الصهيونية. الجديد فى اختيار «سؤال فينكلر» هو أن هذه الرواية يمكن تصنيفها باعتبارها رواية كوميدية، وهى المرة الأولى، التى يحصد فيها نص كوميدى جائزة البوكر، ويذكر أن هاورد جاكوبسون قد وصل إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر مرتين قبل ذلك، مرة عام 2006 عن رواية «ليالى كالوكى» وعن رواية «من الذى يعتذر الآن؟» 2002، ولكن هذه هى المرة الأولى التى تدرج فيها رواية له ضمن القائمة القصيرة وتحصد البوكر التى تبلغ قيمتها 50 ألف يورو. يعتبر هذا هو الفوز الثالث لرواية من إصدارات دار «بلومزبرى» بجائزة مان بوكر بعد كل من «القاتل الأعمى» لمارجريت أتود عام 2002، و«المريض الإنجليزى» لمياكل أونداجيت 1992، كما وصلت لنفس دار النشر ست روايات سابقا لقائمة البوكر القصيرة. حازت الجائزة العام الماضى الكاتبة والروائية البريطانية هيلارى مانتل عن روايتها التاريخية «وولف هال» The wolf hall التى يلعب فيها توماس كرومويل مستشار ملك إنجلترا هنرى الثالث عشر دور البطولة، خلال مراسم جرت فى جيلدهال فى لندن، أما الروايات التى تنافست فى البوكر ورشحت للقائمة القصيرة، فهى رواية الأسترالى الشهير بيتر كارى «باروت وأوليفر فى أمريكا» الصادرة عن دار «فابر آند فابر»، وكانت منافسا قويا للفوز بالجائزة، والروائى توم ماكرسى بروايته «سى» الصادرة عن دار «راندم هاوس»، وإيما دونجو بروايتها «حجرة» الصادرة عن دار بان ماكميلان، ودامون جالجوت بروايته «فى حجرة الغريبة» الصادرة عن دار أتلانتيك، ورواية أندريا ليفى «الأغنية الطويلة»، الصادرة عن «هيدلاين للنشر».