على بعد 45 كيلو تقطعها السيارات فى أكثر من ساعة ونصف الساعة جنوبالمنيا البلد، عبر طريق غير ممهد تصل فى النهاية إلى مدخل العدوة المتفرع من طريق القاهرةأسوان الزراعى. على الطريق لا توجد أى لافتات تقود السائر إلى مستشفى التأمين، الذى لن ينفع أن يتم السؤال عنه بهذا الاسم، فالناس تعرفه باسمه التقليدى. «تقصد مستشفى قلينى، عند جامع قلينى.. آخر الشارع شمال» هكذا اكتشف أحد المارة، يرتدى جلبابه الصعيدى التقليدى، أننا نسأل عن المستشفى باسم خاطئ (رسمى)، لكن سائق التاكسى سرعان ما تدارك الخطأ فقال «طبعا.. مستشفى قلينى جصاد أمام الكنيسة اللى عليها المشكلة على طول، ما تقولش بقى المستشفى العام»، وما إن مرت دقائق حتى توقف السائق فقد وصلنا أمام مستشفى قلينى الفقير حيث مطرانية مغاغة والعدوة. لن يتوقع الزائر للمكان وهو «وقف قلينى باشا فهمى»، أحد قيادات ثورة 1919 وأحد مؤسسى المجلس الملى العام، أن هذا هو محل الأزمة الممتدة منذ سنوات، وأنه المكان الذى خرجت من أجله التظاهرات داخل وخارج مصر وأعلنت الكنيسة من أجله صوما احتجاجيا، وأجرى من أجله محافظ المنيا عشرات الحوارات الإعلامية، وعقدت حوله الاجتماعات ووقعت الاتفاقيات، وقيل إن جهات سيادية تدخلت فيه وإن الملف بأكمله، من الجانب الكنسى، فى يد البابا نفسه. طريق ترابى غير معبد يجمع المسجد الصغير والكنيسة المهدمة والمستشفى المتهالك، فى مدخل المركز الذى لا يتجاوز عرضه 15 مترا، وهى جميعا وقف قلينى باشا والذى بنى المسجد والكنيسة عام 1934 ودفن فى الكنيسة. كنيسة قلينى باشا القديمة، المبنية على مساحة 600 متر، تم هدمها بالكامل وأرض واسعة مواجهة لها، تقارب مساحتها أربعة آلاف متر، كانت أرضا زراعية وتم تبويرها. الأرض الجديدة التى كانت زراعية هى الأرض التى يريد المطران الأنبا أغاثون أن يبنى فيها كنيسته، وتتوسطها خيمة منذ خمسة أشهر، حتى يصلى فيها أقباط المركز، الذين انهارت كنيستهم منذ خمس سنوات. غير مقبول «إشكالية وليست أزمة» هكذا وصف اللواء أحمد ضياء الدين داود محافظ المنيا، الخلاف الممتد حول بناء المطرانية الجديدة وهى الأزمة التى بدأت مع المحافظ السابق عليه، وأضاف «بطريقة أو بأخرى اشترت المطرانية أرضا زراعية على الجهة اليسرى المواجهة للجهة اليمنى للشارع الرئيسى الموصل لمغاغة من الطريق الزراعى، يفصل بينهما نهر الطريق وبالتالى أصبح هناك كيانان أو مؤسستان مقامتان ككنيسيين فى نفس المكان، وهذا أمر غير مقبول». ● لماذا؟ لأنه يخالف القانون، وممكن يقولوا فين القانون حاجيبلك 100 قانون، لكل قانون أساس نصى وآخر غير نصى والاثنان معا يساويان كلمة القانون، لذلك فى كل دول العالم هناك مبدأ اسمه المشروعية، أى ضرورة توافق أعمال الدولة مع المشروعية والتى تعتمد على الأساس النصى وغير النصى والمقصود به اعتبارات الملاءمة والنظام العام فى الدولة، فلا يصح مثلا أن يمشى شخص فى الصعيد فى المنيا على الكورنيش بمايوه، لا يوجد قانون يمنعه لكن النظام العام فى الدولة يمنع هذا. ● وما النظام العام؟ النظام العام فى الدولة هو الأمن العام، والصحة العامة، والسكينة العامة، وفى بعض دول الرفاهية يضاف إليها الرونق العام، فمن حقى ألا أتأذى بصريا بما تبنيه. ● متى بدأت المشكلة؟ منذ أول يوم أصل فيه للمحافظة والمطران يطالبنى بإيجاد حل لمشكلته، والتى تتمثل فى رغبته فى البناء فى الأرض الجديدة الأوسع، وقد طالب بهدم الكنيسة القديمة التى تنذر بأخطار جسيمة. المطرانية اشترت أرضا زراعية وبورتها وهذه مخالفة، وإن حصلت على تسوية قضائية غير نهائية، المحافظ السابق صرح ببناء جزء من السور، وعندما وجد المحافظ أن أعمال البناء تجاوزت ما صرح به، بشكل أو بآخر، أوقف أعمال البناء. ملفات مؤجلة ● ولماذا تصاعدت الأزمة مع توليكم للمحافظة؟ هذا الملف مؤجل وأنا مش من هواة الترحيل، الأنبا أغاثون هو من بدأ فى تصعيد الأزمة وعندما تحدث إلى لميس الحديدى، وتحدثت هى إلىَّ قلت لها إن عليه أن يأتى ليقابلنى وحددت له موعدا، ودعيت كل أجهزة الدولة الذين يجب أن يكون لهم رأى قبل رأى المحافظ، لأن رأى المحافظ هو من جماع مكونات كل هذه الآراء، وكل الأجهزة رفضت فى حضوره بناء الكنيسة، وتحملت ذلك بشكل شخصى ولم يكن لى إلا شرط واحد، أنه لا يجوز نزولا على قاعدة مشروعية الدولة أن تكون هناك كنيستان أو مؤسستان دينيتان مسيحيتان أو مسلمتان على ناصيتى طريق واحد، ولو كانا ملعبى كرة أو حتى مستشفيين سأرفض، هذا أمر غير ملائم، تماما كالقاعدة المعمول بها فى بناء الصيدليات. مرسوم ملكى فى المبنى المتبقى داخل سور الكنيسة القديمة والمكون من أربعة أدوار على مساحة نحو ستين مترا، يحتفظ الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة بالمرسوم الملكى رقم 40 لسنة 1934، والمؤشر عليه بقرار جمهورى بإنشاء كنيسة مارجرس العدوة (المطرانية) وهو يقول إن القرار قائم وإن كل ما يحتاجه هو موافقة المحافظ على إحلال الكنيسة الجديدة بدلا من القديمة بنفس الاسم وبنفس المرسوم الملكى والجمهورى، وهو فى صبر الرهبان يعتقد أنه سيأتى اليوم الذى سيبنى فيه المطرانية فى حياته وفى حياة لاحقيه، هكذا علمه ديره. لكن الأمر يختلف لدى المحافظ الذى أضاف «قلت للأنبا أغثون أنا مستعد أن أستخرج لك القرار الجمهورى بالمطرانية الجديدة بشرط الهدم الكامل للمطرانية القديمة، قلت له إن الهدم شرط أساسى، لأننى أضع فى اعتبارى الرأى العام المعبأ، والذى لا أستطيع أن أتحكم فيه، لو الناس قامت وعملت مشكلة، يجب أن أستطيع أن أقول للناس مالكوش حق خالص دى القديمة اتهدت واحنا بنبى واحدة جديدة». ..وقرار جمهورى ● لكن الأنبا أغاثون ينقل شكلا للقاء أكثر بساطة؟ اللقاء امتد لنحو ست ساعات، وكل نص دقق ولوحظ وروجع وأشتُم... لأ يا سيادة المحافظ بلاش الكلمة دى بلاش العبارة دى، حتى توصلنا للاتفاق، ولم نترك فى الاتفاق صغيرة أو كبيرة، وطلب منى أن يبدأ فورا ببناء السور والبوابات وسرادق للصلاة ولافتة على الأرض الجديدة بأنها أرض المطرانية، وكل هذه المتطلبات لا يجرؤ مسئول فى الدولة على الموافقة عليها قبل صدور قرار جمهورى، وهى سلطة وحيدة للرئيس ولا يجوز التفويض فيها، وأنا أعلم يقينا أن هذه الخطوة من الممكن أن تؤدى إلى محاكمتى، لكنى أعلم يقينا مدى سماحة الرئيس ومع حسن العرض سأقول للرئيس إننى تسرعت ووافقت وأعلم أنك ستصرح ببناء الكنيسة وأنا أعلم أننى مخالف. ● لكن المطران هدم الكنيسة القديمة وهو يعتبر نفسه بذلك قد نفذ الاتفاق؟! قام المطران بهدم الكنيسة، هذا صحيح، وقد كان هدم الكنيسة هدفا له منذ خمس سنوات، لأنه لم يستطع الحصول على تصريح هدم قبل وصولى للمحافطة، لكن نص الاتفاق كان يتضمن صراحة أن يفتح الأسقف مساحة فى السور فى مواجهة الأرض الجديدة بشكل يتيح الفرصة كاملة لرؤية ما تم هدمه داخل السور لإقناع الرأى العام بتمام إزالة جميع تلك المبانى الخاصة بالكنيسة القديمة حتى سطح الأرض، علشان الناس تهمد وتهدى ويعرفوا إن احنا جادين فى الهدم قبل البناء. بناء الكنائس بلا مشكلات ● فى عامى 2008، 2009 لم يصدر تصريح واحد ببناء كنيسة، وفى العام الأخير تم القبض على مدرس مسيحى فى دير سمالوط بالمنيا لأنه أقام صلاة فى منزله! هذا الشخص خالف وحول بيته لكنيسة، ولا يمكن قبول مبدأ الغاية تبرر الوسيلة لا يصح أن أستغل «بيت فاضى» وأصلى فيه وتقولى ما رخصتليش ليه ويبقى العداد بيعد عليا ولا يمكن القول إن هناك معدلا لإصدار تصاريح للكنائس. هذه مسألة طبيعية للغاية، قد تأتى سنة لا توجد فيها كنيسة ولا مسجد، هذا أمر طبيعى جدا جدا، مفيش خطة، ويمكن فى سنة أن تستكمل إجراءات أربع كنائس. قد تكون لك بعض الملاحظات على النظام القائم لكننا نتكلم فى مسألة أخرى، عد عليا العداد كدولة من اليوم الخاص باستكمال أوراقك الصحيحة، قولى أنا ورقى سليم وأقعد عندك سنة أو سنتين أنت مواطن وأنا مطالب بضرورة رعاية مصالحك، وحقوقك، البعض بيقول إنى وافقت على أوراق مطاى علشان أغيظ مغاغة، وأنا ليس لدى الوقت للاتفاف وكأنى أوحيت لمطران مطاى، وهو رجل ملتزم، بأن يتقدم بطلبه الآن، وفى الحقيقة الرجل تقدم بطلبه منذ عامين وكان هناك خلاف بينه وبين الوحدة المحلية وظهر أن الحق معه لكنه لم يسارع بالبناء المخالف مهما طال الانتظار. ● إذن أنت ترى أنه لا توجد مشكلة فى بناء الكنائس للأقباط؟ لا توجد. شبق طائفى ● البعض يعتبر أن هناك أزمة ثقة بينك وبين مطران مغاغة؟ ليست أزمة ثقة بل تأزيم متعمد عندما يقول المطران سيخرج من المطرانية سبعة آلاف شاب للتظاهر حاملين الصليب، هذه أمور مرفوضة، المطرانية إن نفذت الاتفاق ستخرج من أرض ستمائة متر لأخرى تزيد على أربعة آلاف متر أى سبعة أضعاف القديمة، وأقول للأنبا أغاثون أنت ضد مصلحة الشعب المسيحى. وأنا معنديش احتقان طائفى أنا عندى تحقين وتفتين، لدى البعض شبق لسماع أن هناك حادثا طرفاه مسلم ومسيحى، يا سلام تبقى فيه فتنة طائفية، هل يمكن أن نتصور فى مجتمع يتعايش فيه الناس طوال النهار أنهم يعزفون لبعضهم البعض الموسيقى ويرقصون، هذا أمر لا يمكن تصوره. الإعلام هو الذى يصعد المشكلات، وأقول لهذا الإعلام الذى لايبحث إلا عن الشهرة النار لو ولعت مش حتفرق بيننا، حق الإنسان فى الحياة سابق على حقه فى العبادة، أنا مطالب بحماية حق الأقباط فى الحياة، لو تمت جريمة شبه نجع حمادى سأسأل عن المواطنين المسيحيين أكثر من المسلمين. جلسات عرفية ● أنت حاصل على الدكتوراه فى القانون الجنائى، لكنك قبلت بجلسات صلح عرفية فى أزمة أبوفانا؟! العرف مصدر للقانون، لكنه ليس الوسيلة الرسمية، وبعض القواعد العرفية تخلق انطباعا بأنها مقبولة بشكل عام بشرط ألا تتناقض مع قانون مكتوب أو تخلق سلطة موازية للدولة، أو تكسر قاعدة قانونية، والجلسات العرفية لا تتضمن التنازل عن الحق العام الذى لا يمكن التنازل عنه، فقط يمكن التنازل عن الحق الخاص. مشكلة أبوفانا مشكلة تزاحم على الأرض بين جيران، الكنيسة بحكم موقعها،حيث أرضها مرتفعة بنت حولها سورا فقتلت فى القرية الشعور بالأمل فى التوسع، أما رجل القرية فهو رجل غلبان يمهد جزءا بجزء من الجبل ليزرعه، طيب نقول للكنيسة ما تروحوا الجهة الأخرى، واتركوا الامتداد الطبيعى للقرية فى حاله. وهى مشكلة تشبه قضية مغاغة، الدير يريد أن يضم له حرم الآثار القديم بالرغم من أن وزارة الثقافة أعادت تحديد الحرم الجديد بمساحة أصغر، هى مشكلة الرغبة فى فرض الإرادة بعيدا عن رأى المتخصصين، مع أن الدير حصل على 500 فدان ماكانش أى من الطرفين يحلم بيها. بين يدى البابا الأنبا أغاثون يتمسك من جانبه بأنه لا يستطيع التصرف فى أرض المطرانية القديمة أصلا لأنها أرض وقف قلينى باشا، وهى ملك لهيئة الأوقاف القبطية التى يرأسها البابا ويديرها المستشار ملك مينا، وبهذا الدفع فإن الأسقف يحيل القضية بين يدى البابا الذى قابله المحافظ قبل أيام. «علاقتى بالبابا قديمة بدأت منذ كنت مساعدا لوزير الداخلية وكل ما يتعلق بالكنائس كان فى يدى» ويضيف «البابا كان بيأكلنى فى افتتاح كنيسة بنى مزار، ومن منحنى درجة الدكتوراه مسيحى، الدكتور رءوف صادق عبيد، ومازلت تربطنى بأسرته علاقة حميمة، وأرملته مدام ابتهاج يؤانس مكسيموس، أناديها ياماما حتى الآن ومعظم معاونى فى المحافظة مسيحيون». «وقد قابلت البابا ولم يلمح حتى لمشكلة مغاغة»، قال المحافظ.