عندما طال حصار المسلمين للإسكندرية أرسل المقوقس الحاكم على مصر من قبل الرومان إلى عمرو بن العاص يسأله الصلح والمهادنة إلى مدة يتفقان عليها. فأبى ذلك عمرو، واستمر فى حصار المدينة. ويعلل هذا الإباء العلامة المؤرخ أحمد عادل كمال بأن عمرا لاحظ اتصال الإسكندرية بالقسطنطينية عن طريق البحر، وأن احتمال مجىء مزيد من المدد العسكرى إلى الروم عبر البحر قائم، فلم يشأ أن يعطى الروم هذه الفرصة التى يتفوقون بها على المسلمين. ولما رأى المقوقس ذلك جمع نساء المدينة وأمرهن أن يقمن على السور مقبلات بوجوههن إلى الداخل، وظهورهن إلى الخارج، وأمر الرجال أن يبقوا فى سلاحهم على السور مقبلين بوجوههم إلى الخارج، ليظهر للمسلمين أن عدد الروم أكبر مما هو عليه فى الحقيقة، يريد بذلك إرهابهم (!!) فأرسل عمرو إليه يقول: «إنا قد رأينا ما صنعت، وما بالكثرة غَلبْنا من غَلَبْنا، فقد لقينا ملككم هرقل فكان من أمره ما كان». قال المقوقس لأصحابه «صَدَقَ هؤلاء القوم، أخْرَجوا ملكنا من دار مملكته حتى أدخلوه القسطنطينية، فنحن أولى بالإذعان». فأغلظ له أصحابه القول، واستهانوا برأيه، ونسبوه إلى الخوف من جيش المسلمين على الرغم من قلة عدده وتواضع عدتهم، وأبوا إلا المحاربة. فنزل عمرو بناحية يقال لها (حلوة) لا يعرف موضعها اليوم، ثم تحول إلى المقس (وهى منطقة المكس المعروفة اليوم) وهناك خرج عليهم فرسان الروم وهاجموهم، فقتلوا من المسلمين اثنى عشر رجلا. وكانت هذه أول مواجهة بين المسلمين والروم فى الإسكندرية. وكان ملك الروم الذى خلف هرقل على مملكته يراسل المقوقس ليثبته فى قتال المسلمين، ويقول لأصحابه: «لئن ظهرت العرب على الإسكندرية إن ذلك انقطاع ملك الروم وهلاكهم». وكان يقول فى بعض رسائله إلى المقوقس: «ما بقاء الروم بعد الإسكندرية؟!». ولذلك قررالخروج بنفسه ليباشر القتال فيها. وأمر ألا يتخلف عنه أحد من قواده، وبينما هو يستعد لهذا القتال أدركه الموت فجأة فانكسرت بذلك شوكة الروم، ورجع جمع كثير ممن كان قد توجه إلى الإسكندرية فى البحر. واستبشر المسلمون بذلك خيرا، واستبسلوا فى قتال الروم، وكان هؤلاء أكثر عددا وأكثر عدة فصمدوا وكان القتال شديدا مستمرا أياما طويلة لكنه انتهى بانتصار المسلمين. وكان عمرو يتقدم جيوش المسلمين ولواؤه مرفوع بين يديه كلما اشتد القتال كان فى مقدمة المسلمين، وعلى الرغم من طول الحصار وصبر المسلمين فيه فإن أمير المؤمنين عمر أصابه القلق وساورته الريب فى سبب إبطاء الفتح فبعث إلى عمرو كتابا يلومه فيه ويقول له: «عجبت لإبطائكم عن فتح مصر (يعنى إكمال فتحها بالسيطرة على الإسكندرية) إنكم تقاتلونهم منذ سنتين، وما ذاك إلا لما أحدثتم (يعنى من المعاصى) وبما أحببتم من الدنيا ما أحب عدوُّكم. وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قوما إلا بصدق نياتهم، فإذا أتاك كتابى هذا فاخطب الناس، وحُضَّهم على قتال عدوِّهم ورغبهم فى الصبر والنية، ومُرِالناس جميعا أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد،وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة فإنها ساعة تَنَزُّلِ الرحمة، ووقت الإجابة،وليعجَّ الناس إلى الله، ويسألوه النصر على عدوهم». ففعل عمرو بن العاص ما أمره به عمر رضى الله عنهما ففتح الله عليهم الإسكندرية بعد قتال شديد كانت الجولة فيه للروم مرة وللمسلمين مرات. وبفتح الإسكندرية فتح الطريق لفتح إفريقية ودخول الإسلام أرضها وبقائه فيها إلى يوم الدين.