6 نتابع ما كان بالأمس إذ يأمر النبى سليمان (صلى الله عليه وسلم) بإرسال كتابه إلى بلقيس وقومها.. وفى كلمات معدودات (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنِّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ (31))-النمل:30،31- فهل يتعلم أهل السياسة والسلطة كيف يقللون الكلام؟ كيف يكون الكلام واضحاً شفافاً فصلاً لا هزل فيه قليل الحروف والكلمات. فالخطب والرسائل فى الشئون العامة بحاجة إلى وضوح وضبط واختصار غير مخل بالمعنى. 7 كذلك تظهر الملكة من المهارات والقدرات والإحاطة ما يصعب أن تجده فى شخص ملك أو رئيس معاصر، بل لا تجد لهذه القدرات مثيلاً فى حاشية بأسرها... فها هى المرأة تعقد اجتماعا لمساعديها، وتعرض عليهم بشفافية مطلقة ما جاءها دون زيادة ولا نقصان... ولم تعلن رأيها قبل أن تسمع منهم حتى لا تؤثر عليهم أو فتفتح لهم فلك النفاق. وأهل الشورى يقابلون شفافية الملكة بمثلها بلا كذب أو غرور، فاسمع إليهم يعلنون (نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ) النمل:33 إنهم يعترفون بقدراتهم دون تهويل أو تهوين. إنهم قيادات عسكرية أعدت للحرب (أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ...) النمل:33 ولا خبرة لهم بالسياسة. إنهم يقولون للملكة: إنكِ قد اصطفيت حولك جنودا مقاتلين ولم تجمعى معنا أهل الرأى والفكر والتجربة، فليس فى أعضاء مجلسكِ كفاءة سياسية، لذلك يجب عليكِ تحمل المسئولية والوزر بمفردك... وزر اتخاذ القرار. أما نحن أهل القوة والبأس فعلينا الطاعة والتنفيذ. 8 تواجه الملكة قدرها ومحنتها. إنها تدرك حب الملوك للمال وشهوتهم الجارفة فى الحصول عليه ولو عدوانا دائما... وتلك عادة الملوك فلعل رشوة سليمان تمنع حرباً. 9 تصل الرشوة مبطنة فى ثوب الهدية فيسارع الحكيم برفض السياسة الساقطة سياسة الإفساد والرشوة.. (...أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ) النمل: 36 نعم فالملكة لم تعد تميز بين الحق والباطل، لاشك أن محاولتها للرشوة بدافع من بيئتها السيئة.( وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ) النمل: 43 10 لابد من تأديب هؤلاء وتعليمهم الفرق بين الحق والباطل...( ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهَُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) النمل: 37 وأظن أن فطرتها لازالت أقرب إلى الخير، فمجرد رجوع الهدية سيعيد إليها صوابها، ولسوف يتغير الموقف إن شاء الله. 11 ما إن رجعت الهدية حتى أيقنت الملكة أن سليمان لا يبغى شيئا من عرض الدنيا فقد فرض زينة الدنيا التى يسيل لها لعاب الملوك... لابد من الذهاب والمقابلة والتعرف على هذا النوع من الملوك. الملوك الذين يرفضون عرض الحياة الدنيا. 12 رجع البريد بالخبر فإذا خلق الأنبياء وحسن معدنهم، فانظر حسن الاستعداد لإكرام الضيوف، واللطف فى لفت أنظارهم إلى علامات التأييد الالهى، بل تجد الحكيم يأمر بنقل عرشها تكريما لها وإشعارا لها بالقدرة على نقل مملكتها بكاملها وفوق ذلك يأمر ب(تنكير) العرش وإخفاء معالمه بزينة إضافية من باب زيادة اللطف مع الضيوف. 13 فى أقل من لمح البصر (...قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ... )-النمل:40- يتم إحضار العرش وتنكيره وإنشاء صرح ضخم حوله لإشعارها بأن مصدره إلهى وليس بشريا. 14 وترى تأديب الأنبياء لنفوسهم بدوام تذكر نعمة الله عليهم، حتى لا يقع مغرورا أو يتحول متكبرا. 15 والملكة قد نشطت ذاكراتها وراجعت خبراتها وأيقنت أنها أمام قوة وقدرة لا عهد لها بها، فلا بد من الانتقال من الضعف إلى القوة ومن الجهل إلى العلم ومن الشرك إلى التوحيد.. لابد من أن تهجر جميع الظلمات وتنضم إلى معسكر النور.