على الرغم من كثرة التقارير والتعليقات المتواترة التى لا يكاد يمضى يوم دون أن تنشرها وتعلق عليها الصحافة العالمية، عن مستقبل الحياة السياسية فى مصر، وما يتردد عن صحة الرئيس وقدرته على أداء مهام الحكم.. ومن الذى يمكن أن يخلفه؟ وعلى الرغم من أن إسرائيل وجدت فى هذه اللعبة ما يخدم أهدافها، بإلقاء الشكوك على مستقبل السلام فى المنطقة لو طرأ أى تغيير فى مسئوليات الحكم، ثم إنها لا تخفى تفضيلاتها لحاكم دون آخر. وتستخدم إسرائيل فترة الريبة هذه للتأكيد على أن سياسة التشدد التى تنتهجها مع الفلسطينيين، وعدم تقديم أى تنازلات حاليا لها ما يبررها.. فى غيبة أوضاع يقينية تضمن استمرار اتفاقيات السلام والتعاون الأمنى بين مصر وإسرائيل. بالرغم من كل ذلك، وبالرغم مما يخلفه من حالة البلبلة فى صفوف الرأى العام، فإن معظم ما تتطوع به قيادات الحزب الوطنى للرد على هذه التكهنات والمزاعم، تقطع بأن هذه القيادات لا تفهم نفسية الشعب المصرى. ولا تدرك أسباب القلق العام التى تزداد حدته يوما بعد يوم فى الدوائر العالمية. وهو ما تدركه إسرائيل جيدا وتعمل على استغلاله للضغط على الفلسطينيين للدخول فى محادثات مباشرة، وتعبئ فى سبيل ذلك معظم الدول الأوروبية ذات الوزن فى منطقة الشرق الأوسط. وخذ على سبيل المثال تصريحا أدلى به أمين الإعلام فى الحزب الوطنى بأن الحديث عن مرشح للحزب فى انتخابات الرياسة القادمة 2011 يعد «قلة أدب» لأن الرئيس مبارك لم يترك منصبه حتى الآن.. واستخدم أمين الإعلام لغة هابطة فى الإشارة إلى أن أحدا لم يطلب من البرادعى الانضمام للحزب الحاكم وأن المسألة ليست «تلقيح جتت». وكنا نود أن نسمع كلاما سياسيا رصينا يشرح أسباب معارضة الحزب لأى تعديل فى الدستور، لا يطالب به شخص واحد ولكن تطالب به أحزاب المعارضة وقطاعات واسعة من الشعب! يستخدم أمين الإعلام مبدأ «لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم». ويذهب كما ذهبت سائر القيادات فى الحزب إلى أن الرئيس بصحة جيدة. ولا داعى لمثل هذه الأسئلة.. ولكن المشكلة التى لا يستوعبها الحزب الحاكم أن الرئيس تنتهى ولايته بعد عام تقريبا. ومن حقه كما من حق غيره إذا انطبقت عليه الشروط أن يرشح نفسه. كما أن من حق الشعب ألا يترك فى الظلام، وأن يعرف من هم المرشحون المنافسون حتى يقطع دابر الشائعات. وليس من قلة الأدب أن نعرف نحن الشعب هل يعيد الرئيس ترشيح نفسه أم يرشح غيره؟ ففى الدول الديمقراطية يفعلون ذلك ويجيبون عن الأسئلة قبلها بوقت كاف.. دون غضب أو ازدراء. إن لجوء العديد من القيادات المسئولة فى الحكومة، داخل الحزب أو خارجه، إلى الكلام الغامض والإيحاءات المبهمة والاشارات التى لا يقصد بها غير التعمية والتضليل، تأتى فى الغالب برد فعل عكسى يساعد على اخفاء الحقائق. وقبل أيام أدلى محافظ شمال سيناء بحديث طويل اتهم فيه بدو سيناء بأنهم يعملون لحساب إسرائيل. وقال لصحيفة «الشروق» إن لديه معلومات خطيرة عن مشروعات معادية، لو كشف النقاب عنها لانقلبت الدنيا رأسا على عقب. واتهم شيوخ القبائل بأنهم مرتشون. وناقض نفسه بعد ذلك بأن خمسة أو ستة منهم مطلوبون، هم الذين يثيرون كل هذه القلاقل وعاد فى اليوم التالى ليسحب معظم كلامه. وهذا كلام لا ينبغى أن يلقى على عواهنه من مسئول دون دليل، إذ كيف يمكن للمحافظ أن يحتفظ بهذه المعلومات الخطيرة لنفسه ولا يعرف الرأى العام عنها شيئا؟ مجمل القول إن شيوع أجواء القلق وعدم الاستقرار، مرده عدم وضوح الرؤية أمام قيادات الحزب الوطنى وكبار المسئولين ازاء عديد من القضايا المهمة. وحين تغيب الرؤية، تغيب الحقائق!