يتحدث الدكتور جابر عصفور كثيرا بكل خيلاء عن امتلاكه عقلا أكاديميا يصل به إلى مناطق فى التفكير لا تتاح للآخرين من الغلابة الذين لم ينعم الله عليهم بعقول أكاديمية.. لكن الدكتور الناقد غالبا ما تخونه أكاديمية عقله وتلقى به على شواطئ الإسفاف النقدى فتجعله يرمى المختلفين معه بألفاظ وأوصاف واتهامات لا تصدر إلا عن محترفى الثرثرة فى المقاهى. فى مقاله بالأهرام يوم الاثنين الماضى أراد الدكتور عصفور ذو العقل الأكاديمى أن ينتقد «الشروق» الدار والجريدة، وهذا حقه على اعتبار أن من حق كل إنسان أن ينتقد ما يراه خطأ، لكنه لم يكن أكاديميا ولا ناقدا رصينا بالمرة وهو يستخدم منتجات قاموس الحارة من التلسين والإيحاءات غير المباشرة.. وكنت سأحترمه أكثر لو أنه امتلك شجاعة الأكاديميين وكياستهم وحدد أهدافه بشكل مباشر وصريح، وأعلن اتهاماته بشىء من البسالة والنبل، وقال بجسارة إنه يقصد إبراهيم المعلم بدلا من الطنطنة بكلام مبهم لا يليق بناقد كبير مثله. يقول عصفور عن إبراهيم المعلم إنه «رأسمالى صناعته النشر» ثم يضيف «وتوجهه الرأسمالى الذى بدا لى أقرب إلى الرأسمالية الوحشية التى تفتقر إلى الإحساس بدورها الوطنى أو الاجتماعى، ما ظل الربح شعارها حتى لو كانت السلعة هى الثقافة». ثم يطور صاحب العقل الأكاديمى من هجومه لينتقل من منطقة التخوين والطعن فى الوطنية إلى منطقة أكثر بؤسا وقتامة حين يحاول أن يؤلب ويوغر صدر النظام ضد رئيس مجلس إدارة الشروق وكتابها وصحفييها على النحو التالى، يقول عصفور «وكأنهم على استعداد للتضحية بكل القيم الليبرالية الحقيقية فكرا وسلوكا ومواقف، فى سبيل البعد الاقتصادى وحده وزيادة الثروة، دون أى اعتبار لأى التزام وطنى أو اجتماعى، ولا بأس لو ادعى بعض هؤلاء الديمقراطية فى الجرائد التى يملكونها، وتظاهروا بأنهم معارضون للنظام، مع أنهم أقرب إلى سلطة النظام من حبل الوريد ما ظل الأمر طى الكتمان ويا لها من تمثيلية هزلية تلك التى يقوم بها صاحب جريدة تدعى المعارضة الجسورة مستغلة اتساع الهامش الديمقراطى، مطلقة عنان النقد، بل السباب، لأجرائها مع أن صاحبها لا يترك فرصة لادعاء الولاء لأصحاب الولاء فى الاجتماعات المغلقة». المفترض منهجيا أن الدكتور عصفور خصص مقاله حسب العنوان لمناقشة العلاقة بين «الدولة والثقافة» غير أنه ترك موضوعه واعتبرها فرصة مواتية للإبلاغ عن كتاب الشروق «الأجراء» حسب تعبيره الأكاديمى المهذب المحترم، والذين هم من وجهة نظره متهمون بأنهم يستغلون الهامش الديمقراطى لإطلاق عنان النقد. والمدهش حقا فى المسألة أن الدكتور عصفور سعى إلى دار الشروق لكى تنشر له كتبه، وقد نشرت له الكثير، كما سعى لكى ينشر مقالاته فى الجريدة، وقد نشرت له صفحات لم يقرأها أحد فى أعدادها الأولى، كما طلب أن يكتب مقالا أسبوعيا فى الصفحة الأخيرة فى المساحة التى خلت بتوقف الفنانة الكوميدية إسعاد يونس عن الكتابة فيها، حيث رأى فى نفسه وفى قلمه حسا كوميديا فكاهيا لم يلتفت إليه أحد. وكانت جريمة «الشروق» الكبرى فى نظر عصفور النقد أنها انتقدت وزير الثقافة فاروق حسنى وأداءه الهزيل فى انتخابات اليونسكو وتقديمه تنازلات مجانية لقوى النفوذ الصهيونى من أجل الوصول إلى المنصب، وكانت أم الجرائم أن الشروق نشرت للروائى المبدع علاء الأسوانى أقوالا انتقد فيها قبول الدكتور عصفور جائزة القذافى بعد أن عف عنها كبار المثقفين العالميين المحترمين، كونها جائزة فى مجال حقوق الإنسان من نظام أبعد ما يكون عن ثقافة حقوق الإنسان. «وللحديث بقية» [email protected]