بما أن كل الشواهد تشير إلى أن الحكومة لن تغير سياستها فى المستقبل المنظور، فعلى الأقل عليها التنبه لضرورة تعيين شخص عاقل فى وظيفة «أخصائى إطفاء حرائق». قد يبدو الاقتراح هازلا، لكنه ليس كذلك.. والدليل أن كثيرا من الحرائق المشتعلة تحت أقدام هذه الحكومة الآن كان يمكن إخمادها فى مهدها لو كان هذا الموظف موجودا. الأمر يشبه كثيرا مرض السرطان الخبيث.. لو تم اكتشافه مبكرا يكون حميدا ويمكن استئصاله وعلاجه بأقل الآلام والتكاليف يعود بعدها المريض معافى تماما، لكن عدم الفحص الدورى يجعله ورما خبيثا، يسبب آلاما رهيبة، وأموالا طائلة للعلاج، وقلقا وأرقا للمريض وأسرته وأهله، وفى معظم الأحوال، تكون النهاية مؤلمة للجميع. تخيلوا لو كان هناك شخص عاقل أشار على الحكومة أو وزارة الداخلية بعدم الاندفاع والكذب فى قضية خالد سعيد، كان يمكن لهذا الشخص «إطفائى الحرائق» أن يعلن أن أجهزة الأمن بصدد التحقيق فى القضية وستعلن النتائج فورا. لكن «العزة بالإثم» أخذت الجميع وأعلنوا أن خالد صدمته سيارة، ثم تراجعوا للقول بأنه ابتلع لفافة بانجو، ومع زيادة الضغط الشعبى والدولى بدأت كرة الثلج تكبر، اعترفوا بوجود تعذيب، ثم أحالوا المخبرين إلى الجنايات أمس الأول. الآن يتحدث كثيرون بأن هذا التحول سببه التدخل الأوروبى الأمريكى، وبغض النظر عن صحة هذا الأمر، فإن صورة وزارة الداخلية والحكومة اهتزت كثيرا. نفس الأمر مع فارق التفاصيل تكرر فى قصة أحداث سيناء والاشتباكات المحزنة والمؤسفة بين الشرطة وبعض المطلوبين أمنيا، ومعهم جانب من أهالى سيناء.. تركنا الموضوع يكبر ويكبر حتى تضخم وصار حديث وكالات الأنباء. تخيلوا لو أن هناك شخصا مسئولا وضع خطة عاقلة للتعامل مع ملف سيناء منذ تفجيرات طابا عام 2004.. ما كنا قد وصلنا إلى وضع يعقد فيه المسلحون وبعضهم مطلوب أمنيا مؤتمرا صحفيا عالميا فى قلب سيناء، قرب الحدود مع إسرائيل. لو كان هناك شخص نصح بحسن التعامل مع سكان سيناء، وفهم احتياجاتهم ومطالبهم وظروفهم.. لو حدث ذلك هل كنا سنصل إلى هذا اليوم؟! الآن وزير الداخلية يجلس بنفسه مع شيوخ القبائل ويستجيب لبعض المطالب.. لماذا لم يحدث ذلك بصورة طبيعية من البداية، وبدون اجتماع يحضره الوزير؟! لماذا لم يؤد الجميع دوره قبل تفاقم الأحداث؟! الأمر نفسه يكاد يتكرر فى كثير من الأمور.. قضية بسيطة تتعامل فيها الأجهزة التنفيذية بعنجهية وتسلط ضد المواطنين.. الأخيرون يشعرون باليأس فيقررون التصعيد، وعندما تتعقد الأمور تتدخل الحكومة وتدفع ثمنا باهظا. راجعوا مطالب عمال غزل المحلة والعاملين بالضرائب العقارية وكثير من الشركات العمالية.. الحكومة تعاملت معهم باستهتار ثم استجابت لمعظم مطالبهم فى النهاية. المسألة ليست بسيطة والأمر يتطلب تغيير ذهنية الحكومة بالكامل. أعرف أن كلمة «لو» تفتح باب وعمل الشيطان، لكن ماذا نفعل وبعض الذين يتخذون القرارات أبالسة ويتفوقون على الشيطان نفسه؟!