لم تشهد مصر على مدى تاريخها (منذ إنشاء السد العالى) أزمة مياه كتلك التى تعانيها قرى ومدن فى الشمال والجنوب، التى تتزامن مع ارتفاعات غير مسبوقة فى درجات الحرارة، تعنى - فى ظل ندرة الماء - هلاك مزروعات، وظمأ بشر. ففى فصل الصيف، تتضاعف الحاجة إلى الماء، ويتساوى فى ذلك الإنسان والأرض، لأن العطش لا يفرق بينهما، وكما أن الإنسان يظمأ، تتشقق الأرض ويصيبها البوار، ليساوى الظمأ بين ضحاياه، ولتكون النتيجة معاناة فى سنورس بمحافظة الفيوم من انقطاع المياه، وبوار أراض فى القطاع الريفى من محافظة السويس، ومياه ملوثة فى الزقازيق وفى الغربية، وسوق سوداء لمياه الشرب فى كفر الشيخ. لليوم الثانى على التوالى يواصل شباب الخريجين بالقطاع الريفى بالسويس اعتصامهم، بقرية محمد كريم وإمام محطة الرى، بسبب انقطاع مياه الرى والشرب لليوم العاشر على التوالى ما تسبب فى إتلاف مزروعات نحو 4500 فدان، ويهدد أعدادا كبيرة من المواشى والأغنام بالنفوق، بعدما أصبح الحصول على نقطة مياه يتطلب دفع 10 جنيهات لشراء برميل من السوق السوداء، وهو ما دفع شباب الخريجين لتحرير محاضر فى نقطة شرطة الرائد متهمين مسئولى الرى بتعمد قطع المياه عن أراضيهم، وهددوا بقطع الطريق الدولى. عبدالرحمن رحيم، أحد شباب الخريجين بقرية محمد كريم، وصف ما يتعرض له شباب الخريجين بأنه «كارثة» وقال ل«الشروق»: مياه الرى والشرب منقطعة عن القرية منذ 10 أيام وتسببت فى إتلاف 4500 فدان، وأصبحت الوسيلة الوحيدة فى الحصول على المياه بواسطة عربية (كسح المجارى) ليصل سعر البرميل الواحد إلى 10 جنيهات وهى مياه غير صالحة للشرب، ورغم ذلك نقدمها للمواشى التى نفق منها عدد كبير، وحتى المخبز الوحيد بالقرية توقف عن العمل اليوم بسبب النقص الحاد فى المياه». وأضاف عبدالرحمن، أن مسئولى الرى تعمدوا عدم توصيل المياه لقرية محمد كريم، ولذلك قمنا بتحرير محاضر ضدهم بنقطة شرطة الرائد، وما يدهشنا هو هل وصل بالعناد مع شباب الخريجين أن يدمروا مجهود الناس ومستقبلهم؟ على الجانب الآخر ينفى طلعت عبدالحليم، مدير عام مديرية الزراعة بالسويس، «وجود أزمة كبيرة على الإطلاق» ويقول: «جارٍ حاليا إزالة المعوقات التى تقف أمام وصول المياه بكميات كبيرة، كما أن مديرية الزراعة بالسويس، جددت محطة المياه». ولا يقتصر شراء المياه على السويس، وإنما امتد إلى محافظة الفيوم، وتحديدا فى مركز سنورس، وذلك لليوم الثالث على التوالى، نتيجة كسر فى المحبس الرئيسى المغذى لقريتين من المركز، وكما يقول محمد حمدى، أحد مواطنى سنورس: «اضطررت لشراء جراكن من المياه لاستخدامها فى الأغراض المنزلية بعدما اتصلت بطوارئ المياه لعدة مرات ولكن دون مجيب»، ويقول سامح جمال: «أضطر إلى حمل الجراكن لجلب المياه من القرى المجاورة خاصة فى ظل الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة، وزيادة استهلاكنا». ويرجع اللواء محمود نافع، رئيس مرفق مياه الشرب والصرف الصحى بالفيوم، الأزمة إلى: «كسر فى المحبس الرئيسى المغذى للقريتين وسيتم إصلاحه من قبل بالشركة، لتعود المياه مباشرة بعد إتمام عملية الإصلاح». وفى مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية تقدم العشرات من أهالى منطقة شارع فاروق بمذكرة، أمس الأول (الأحد) ضد شركة مياه الشرب والصرف الصحى، بعدما اكتشفوا «وجود مواد صلبة وتغير فى لون المياه، وميلها للون الأصفر». وأمام حالة الهلع التى انتابت الأهالى، قررت الشركة قطع المياه عن المنطقة. محمد بدر، من أهالى المنطقة يصف مياه الشرب التى تصل عبر المواسير: «لونها أصفر عكر، ولكنها أرحم من عدمها بعد انقطاعها الكامل خاصة فى ظل الحرارة الشديدة»، ويقول أيمن السيد محام: «نحن مجبرون على شراء مياه بكميات كبيرة للطهى والغسيل وللشرب بعد انقطاع المياه». وفى مركز بلبيس، وتحديدا فى قرية البلاشون، تقدم عدد من السكان بشكاوى ضد الشركة، بعد انقطاع المياه «المنتظم» بدءا من الثالثة عصرا وحتى الثانية عشرة ولم يختلف الوضع فى مركز الحسينية، حيث يعانى نحو 500 ألف نسمة من العطش ووقوعهم «أسرى تجار المياه» بعدما وصل سعر «جركن المياه» إلى 4 جنيهات، كما يقول سامى بكر المحامى من سكان قرية الخرجين بالحسينية: «نشترى كميات كبيرة جدا من المياه فى ظل زيادة الطلب خلال فصل الصيف، الذى ضرب المركز بالجفاف، حتى إننا نضطر للانتظار لساعات طويلة حتى تأتى جرارات المساعدة من المحافظة بمعدل مرتين يوميا». وأضاف: «حتى الآبار الجوفية أصابها الجفاف، ومواسير المياه لا تعمل سوى نصف ساعة يوميا، وفى أوقات غير محددة، تأتى صفراء اللون ولها رائحة كريهة». كان النائب مؤمن زعرور عضو مجلس الشعب تقدم بطلب باقتراح ورغبة لرئيس الوزراء ووزير الإسكان، حول ارتفاع منسوب المياه تحت منازل قريتى بنى هلال والشيخ خليفة، وانتقد عدم الانتهاء من بعض مشروعات الصرف مما أدى إلى اختلاط مياه المجارى بمياه الشرب. وأدى انفجار ماسورة مياه الشرب العمومية أمام محطة المياه الرئيسية بمنية المرشد فى كفر الشيخ إلى حرمان 20 عزبة من مياه الشرب لمدة 10 أيام، وطالت الأزمة سكان «التوابع وعزب الملح وأبوعمر والدكتور وكوم دميس والحنطور والعلامين والمجاهدة وعوض الله وقندبوله والشعراوى وعبدالسلام وشوغى والهكس» الذين تقدموا بشكاوى متكررة إلى مسئولى منطقة مياه الشرب والصرف الصحى فى مركز مطوبس والمحليات. إبراهيم هنداوى يقول: «نحن محرومون من المياه منذ 10 أيام ما يضطرنا لشراء مياه الشرب من محطة مياه الشرب بإدفينا بمحافظة البحيرة التى تبعد نحو 9 كيلومترات وبالرغم من طفح المياه بالشارع الرئيسى بقرية منية المرشد التى يمر عليها رئيس الوحدة المحلية ورئيس المجلس الشعبى المحلى إلا أن الماسورة مازالت تلقى بمياهها فى الطريق العام». وقال حمودة جمعة: «اتصلنا باللواء أحمد زكى عابدين، محافظ كفر الشيخ، عبر المحمول الخاص به لإنقاذهم من العطش فما كان منه إلا أن قال لنا: لإبراهيم عياد رئيس مركز مطوبس». ويكشف تقرير رسمى صادر من قطاع الدعم الفنى لشركة مياه الشرب والصرف الصحى بالغربية عن تعرض أكثر من 150 ألف مواطن فى 5 قرى، للأمراض الوبائية والمزمنة بسبب الإهمال فى تشغيل محطة المعالجة للصرف الصحى بنفيا التابعة لمركز طنطا، التى انفق عليها أكثر من 10 ملايين جنيها، وتم تشغيلها عام 2008، وأسندت مهمة التشغيل والصيانة إلى شركة تراست. وأكد التقرير أن الشركة المشغلة «تدخل كمية من المياه الخارجة من حوض الترسيب الابتدائى وكذلك كمية من الحمأة المعادة إلى حوض التهوية المعطل وإخراجها إلى المصرف مباشرة دون معالجة، كما تسد فتحات دخول المياه إلى أحواض التهوية، مما يؤدى إلى ارتفاع منسوب المياه فى القناة الموجودة بين الترسيب النهائى والتهوية». كما كشف التقرير «وجود حوضين للترسيب النهائى أحدهما معطل وكذلك تآكل كساحات كبارى حوض الترسيب النهائى وانسداد فى غرف دخول المياه، وفتيل المحبس التليسكوبى بحوض الترسيب مفكك وملقى على الأرض».