يصف الإسلاميون في السعودية الكتاب والروائيين بأنهم الصفوة الليبرالية المدللة في حين تضع السلطات في هذه الدولة الإسلامية المحافظة العقبات في طريقهم. ورغم كل شيء فقد كان إنتاج الروائيين السعوديين غزيرا في السنوات القليلة الماضية فنشروا أعدادا متزايدة من الأعمال جذبت الانتباه ليس فقط داخل المملكة بل وخارجها أيضا لعرضها الخلاق لمجتمع غير شفاف يعاني من المشاكل. ففاز الروائي السعودي عبده خال هذا العام بجائزة دولية للرواية العربية تعرف باسم جائزة "البوكر العربية" لتبتعد الجائزة عن مصر المركز التقليدي للأدب العربي والتي فاز كتابها بالجائزة على مدى سنوات. وفسر الكثيرون هذا النجاح كبادرة على أن الرواية السعودية نضجت. وقال الروائي السعودي يوسف المحيمد الذي رسمت روايته (ذئاب الهلال) الصادرة عام 2003 صورة صادمة لمجتمع بلا رحمة "ينظر للسعودية ودول الخليج باعتبارها دولا هامشية على الساحة الثقافية لكنها أصبح لها الآن حضور كبير"، وأضاف: "الإنتاج زاد بإطراد على مدى سبع سنوات والآن ينشر أكثر من 50 رواية سعودية سنويا". وشهدت السعودية في السنوات القليلة الماضية تغيرا كبيرا بعد أن ظلت على مدى عقود مغلقة أمام العالم الخارجي ومحكومة بقوات أمن وجماعات دينية مدعومة من الدولة. ودفعت هجمات 11 سبتمبر مجموعة الأمراء التي تدير الدولة وهي أكبر مصدر للبترول في العالم لإعادة النظر في الاختلاط بالعالم الخارجي. وكان ارتفاع أسعار البترول منذ عام 2002 عاملا آخر سمح للسعوديين العاديين بالدخول على ثورة المعلومات التي ينظر إليها العديد من أفراد الصفوة الحاكمة باعتبارها تمثل تهديدا. وبدأت مشاعر الشبان السعوديين الذين يمثلون النسبة الأكبر من عدد السكان البالغ نحو 18 مليون نسمة تتدفق بحرارة في كتابة المدونات والروايات. وممارسة نشاط سياسي أمر مستحيل عمليا في السعودية حيث تهيمن الأسرة الحاكمة على إدارة البلاد ويفرض رجال الدين نظاما أخلاقيا صارما، حيث لا يسمح النساء بقيادة السيارات أو الاختلاط بالرجال من غير الأقارب. ورغم تجاهل النقاد لرواية رجاء الصانع (بنات الرياض) الصادرة عام 2005 باعتبارها لا تمثل ثقلا فنيا إلا أنها كانت إشارة على تغير الزمن فهي تحكي عن ثلاث نساء شابات يكشفن عن تجاربهن ومحنهن في العثور على الزوج المثالي من خلال سلسلة من رسائل البريد الالكتروني. حققت الرواية نجاحا مذهلا وترجمت للعديد من اللغات. ونزعت السعودية الجنسية عن الكاتب الراحل عبد الرحمن منيف بعد نشره كتبا في ثمانينات القرن الماضي تظهر أن الثروة البترولية مكنت من ظهور طبقة من اللصوص في المجتمع الخليجي التقليدي. لكن الجيل الجديد من الكتاب تمكن من كسب قراء محليين واعتراف داخل السعودية. وقالت الكاتبة بدرية البشير التي أغضب كتابها (هند والعسكر) المحافظين بقولها انه بعد العيش لسنوات وفقا للتقاليد الإسلامية أصبحت المرأة السعودية تقمع نفسها "هناك رقابة تخفف في بعض الأحيان وتشدد في أحيان أخرى وهناك الإسلاميون الذين مازالوا يتمتعون بقوة خانقة." وصدرت رواية عبده خال الجديدة (ترمي بشرر) عن دار نشر غير سعودية وسحبت لفترة وجيزة من خلال معرض الرياض الدولي للكتاب.وكانت كتبه من قبل يصعب العثور عليها في المكتبات السعودية. ولا يولي التلفزيون المحافظ اهتماما للكتاب. وأغلقت وسائل الإعلام السعودية الحكومية وقنوات الأخبار وشبكات الترفيه العربية التي يديرها أمراء ورجال أعمال سعوديون فعليا الفضائيات العربية أمام الأدب. وحتى الجزيرة القناة التلفزيونية الأكثر انتشارا في المنطقة والتي تتمتع حاليا بعلاقات طيبة مع السعودية فقد خفضت تغطياتها الثقافية إلى أدنى حد في المنطقة العربية. غير أن الرواية ظلت من الفنون القليلة التي لا يحبذها اللاعبون الحكوميون فيما يرجع بدرجة كبيرة إلى أن أصحاب النفوذ لا يولونها اهتماما يذكر. فقد احتكر الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال نسبة كبيرة من الإنتاج السينمائي والموسيقي العربية من خلال شبكة روتانا التلفزيونية التي يملكها. وأشار النقاد إلى أن التمويل السعودي للدراما في مصر وسوريا يفرض التزاما ثابتا بالأعراف المحافظة. أما الكتب الأكثر مبيعا في السعودية نفسها فهي بالأساس الكتب الدينية والقرآن وأعمال تتركز على نشر الفكر الوهابي وكتب مساعدة النفس مثل كتاب (لا تحزن) لعائض القرني. ويقول المحيمد إن بعض الناشرين اللبنانيين رغم الاهتمام الجديد بالأدب السعودي يبدون تحفظا إزاء الكتاب السعوديين خوفا من أن تغلق أمامهم السوق السعودية التي تتمتع بقوة شرائية عالية. وتحدث خال عن هذه الأبعاد المشوشة لعلاقات القوى في المجتمع السعودي في كتابه الحائز على الجائزة والذي يرصد المخاطر الأخلاقية التي جاءت بها الطفرة النفطية. يحكي عن ثري مجهول الاسم والشكل في مدينة جدة بنى قصرا بالقرب من حي فقير يوفر له أفرادا على درجة من اليأس تجعلهم يقبلون العمل عنده كعبيد فعليين فيمارسون مشاهد تعذيب جنسي لمن سولت لهم أنفسهم الوقوف في طريقه. ويقول الروائي الكويتي طالب الرفاعي الذي رأس اللجنة التي منحت خال الجائزة إن الرواية ترصد مهانة الإنسان ومعاناته وتدور حول كيف يحاول فرد الفرار من المجتمع والقيود الاقتصادية التي تقلص من كرامته. وأضاف أن مساحة الفن والثقافة محدودة للغاية وليس فقط في الإعلام العربي مشيرا إلى أن الرواية عمل فردي وهذا ما يعطيها حرية أكبر.