فقد واين رونى أعصابه وهاجم المشجعين الإنجليز عقب انتهاء مباراة فريقه مع الجزائر، وقال رونى باستهزاء: «جميل أن يهاجمك أنصارك».. ولم يكن رونى قد قرأ ما كتبته الصحف وكيف أنها رأت فريقها غبيا، ولايملك مهارات، ولايملك النجوم، وكيف كان قليل الحيلة أمام منتخب الجزائر.. الذى لعب مباراة دفاعية رائعة وبشجاعة.. ومن المعروف أن الصحافة الإنجليزية شديدة القسوة على لاعبيها، بقدر ما هى شديدة الاهتمام بهم وبتدليلهم (لا فرق بين الغرب وبين الشرق فى ذلك).. ورونى من الشخصيات المثيرة للجدل، وكان كتب كلمة على حذائه خلال جولة منتجع صن سيتى بجنوب أفريقيا قبل المباراة وصفت بأنها غامضة، وهى كلمة إنجليزية شهيرة وبذيئة جدا؟! المهم كان اليوم الثامن للمونديال هو يوم المفاجآت. فخسرت ألمانيا أمام صربيا، وتعادلت الولاياتالمتحدة مع سلوفينيا، وتعادلت الجزائر مع إنجلترا.. لكنه كان يوما يشهد على مايلى: الدفاع الجيد يمكن أن يهزم الهجوم، ولا سيما إذا اتسم بالعشوائية. وعندما يطرد لاعب من فريق كبير ومنظم بنى خططه على وجود 11 لاعبا، يصاب هذا الفريق فى مقتل خاصة إذا كان منافسه منظما وشديد التنظيم.. ولذلك اعتبر الخبراء أن الكارت الأحمر الذى حصل عليه ميلوسلاف كلوزه كان وراء هزيمة ألمانيا.. لكن كيف كان هذا الكارت سببا للهزيمة من الناحية الفنية؟ كيف أثر على أداء ألمانيا؟! كيف أيضا نجح منتخب الولاياتالمتحدة فى تحقيق التعادل مع سلوفينيا فى الشوط الثانى.. وإذا كان منتخب الجزائر لعب مباراة دفاعية متميزة وأصاب الفريق الإنجليزى باليأس والحيرة.. فماذا كان ينقص الفريق الجزائرى كى يحقق الفوز؟! كان ينقص منتخب الجزائر بعض المغامرة والابتكار الهجومى لاسيما مع ظهور الفريق الإنجليزى بهذا المستوى، إلا أن حذر رابح سعدان كان مبالغا، والطموح بالخروج بتلك النتيجة اعتبر واقعيا، بل مصدرا لفرحة لاعبى الجزائر. وربما يكون ذلك صحيحا، إلا أن هذا الطموح الخالى من المغامرة قد يكون سببا فى خروج الفريق من الدور الأول. لعب منتخب الجزائر بطريقة رئيسية 3/5/2.. لكنها نفذت بشكل مختلف قليلا، وهو 3/2/4/1.. ففى الدفاع مجيد بوقرة، وحليش، وعنتر يحيى، وأمامهم اثنان وهما مهدى لحسن، وحسن يبده ثم أربعة فى الوسط وهم وفؤاد قادير، وزيانى، ورياض بودبوز، وبلحاج، وفى الهجوم مطمور.. وبهذا التكوين ضمن الفريق الجزائرى الدفع بخمسة لاعبين على الأقل فى وسط الملعب لتكون الطريقة عندما يفقد الفريق الكرة هى 4/5/1.. وبها قدم الفريق الجزائرى عرضا دفاعيا منظما ودقيقا ومتميزا، وساعدهم الحالة السيئة للإنجليز.. فحصل الجزائريون على ما يريدون من اللقاء.. أجرى فابيو كابيللو ثلاثة تعديلات على تشكيل مباراته الأولى أمام الولاياتالمتحدة. فلعب دافيد جيمس فى حراسة المرمى بدلا من جرين، وجيمى جاراجر بدلا من ليدلى كينج المصاب، ووجارث بارى بدلا من جيمس ميلنر. فيما أجرى رابح سعدان تغييرا واحدا فلعب رياض موبحلى بدلا من الشاوشى.. عجز الفريق الإنجليزى عن اختراق الدفاع الجزائرى، لنقص العدد دائما.. فمن جهة لم يكن كافيا وجود هيسكى ورونى فى مواجهة ثلاثة مدافعين، بجانب أن منتخب الجزائر طبق تكتيك الضغط وتضييق المساحات والمقابلة من خارج المنطقة بكفاءة شديدة.. فلم يضيق الخناق على رونى وهيسكى وكلاهما لم يلمس الكرة إلا قليلا، وحين يلمسها لا يجد ما يفعله بها. كما لم يتقن الإنجليز إرسال الكرات العرضية كحل للعجز عن الاختراق من العمق.. فعندما تلعب فى مواجهة فريق يطبق طريقة 3/5/2 عليك أن تحرك الظهيرين إلى الأمام لكنهما لم يتحركا. ربما تقدم أشلى كول فى فترات إلا أن جونسون لم يتقدم.. وكلاهما تعرض للرقابة والتصدى من جانب جبهة الدفاع والوسط الجزائرى الحصينة. بجانب سلبية الفريق الإنجليزى، وغياب الوسط على الرغم من تحرك أرون لينون فى فترات.. فإنه لم يقدر على إيقاف نذير بلحاج.. كذلك كان مذهلا هذا التمرير السيئ من لاعبى إنجلترا فالتمريرات مقطوعة، بلا ضغط. وأخطأ كابيللو بتغييره المتأخر، فقد كان كراوتش حلا للعجز عن الاختراق. كما أخطأ المدرب عندما لم يدفع بصانع ألعاب مثل جو كول أو جون كاريك، يضبط الإيقاع ويرى الملعب كما يجب لعب الإنجليز هذه المباراة بلا ابتكار، وبلا هجوم، وبلا تحركات، وبتمرير سيئ فكيف يفوزون؟! تبقى نقطة تاريخية فى الكرة الإنجليزية نوقشت كثيرا وطرحناها كثيرا.. لماذا يملكون أفضل دورى فى العالم ولا يملكون منتخبا جيدا.. ولماذا تلك قضية قديمة قبل أن يعرف الدورى الإنجليزى الوجود الأجنبى بزمن طويل؟! الجزء الثانى من السؤال يرد على تفسير هذا التناقض بين الأندية وبين مستوى المنتخب بأنه يرجع للوجود الأجنبى.. فقبل سنوات ومنذ بداية النصف الثانى من القرن العشرين كانت نفس المشكلة قائمة، لأن الإنجليز ظلوا مائة عام يلعبون الكرة بطريقة «إركل واجرى»، والاعتماد على الكرات العالية وألعاب الهواء لدرجة أنه حتى حقبة الثمانينيات كان 75% من أهداف الدورى فى إنجلترا تسجل بضربات رأس.. وكان الإنجليز يلعبون بطريقتهم العقيمة بينما العالم يتغير ويبدل من تكتيكاته ويملك المهارات الفردية الفطرية التى لا يملكها الإنجليز.. وعندما تغيرت الكرة فى إنجلترا، وتغير أسلوب المنتخب، كان الأجانب يغزون الأندية والدورى المحلى، وهم النجوم وأصحاب المهارات.. وأضيف أن طبيعة المسابقة المحلية تختلف عن اللعب الدولى.. ففى الدورى الإنجليزى يلعبون من أجل الجمهور والمال.. يلعبون من أجل امتاع الجمهور بأداء هجومى يفرض مساحات كبيرة تسمح بتألق جيررارد أو رونى، وهو أمر لا يسمح به فى اللعب الدولى والبطولات التى تجرى بحسابات نقطية وتكتيكات دفاعية، وتابع مرة أخرى المباراتين السابقتين، وستجد أن رونى لم يجد المساحة التى يجدها فى مانشستر يونايتد.. والسؤال الآن: هل يضحى الإنجليز بالأجانب فى الدورى من أجل المنتخب بعد 10 سنوات مثلا، وبالتالى تضحى الأندية بثلاثة مليارات إسترلينى قيمة دخل البث التليفزيونى فى 208 دول؟! نعود إلى يوم المفاجآت.. وكانت المفاجأة الكبرى خسارة ألمانيا أمام صربيا. وكان الألمان تفوقوا على أستراليا حين لعبوا بلاعب زائد فى الوسط وهو مسعود أوجيل، كما تفوق الوسط بسرعته حين لعب 3 ضد 3.. لكن أوجيل لم يكن فى حالته أمام صربيا. كما أن طرد ميلوسلاف كلوزه أخل بتكتيك المدرب لوف، خاصة أن فريق صربيا كان منظما جدا، وعندما ينقص لاعب من فريق يظهر تأثير هذا النقص عند مواجهة فريق منظم ويلعب كرة دفاعية دقيقة.. فالعشرة الطيبة لا تنجح دائما فى المباريات الكبيرة، كما أن النقص العددى فى بعض الفرق لا يظهر تأثيره السلبى فى مواجهة فريق يلعب بعشوائية.. وقد نوع منتخب صربيا وعدل من طرق لعبه وكانت طريقته الأساسية هى 4/5/1، وخلال المباراة أجرى المدرب تعديلات على الطريقة أكثر من مرة، فلعب 4/3/3.. ثم 4/2/3/1 ثم 4/1/4/1.. أخيرا مباراة الولاياتالمتحدة وسلوفينيا فقد فاجأ الفريق السلوفانى الجميع بأداء هجومى ومتوازن، وأخذ المبادرة بعكس كل المؤشرات التى خلفتها المباراة الأولى.. وتقدم الفريق بهدفين، إلا أن مدرب الولاياتالمتحدة أسرع فى الشوط الثانى من تغيير طريقة اللعب من 4/4/2 إلى 4/3/3.. ليلعب بثلاثة مهاجمين بدلا من رأسى الحربة ألتيدور وفيندلى فى الشوط الأول.. لعب برادلى فى الشوط الثانى بكل من موريس إيدو وبينى فيلهابر وجعل دونوفان يتقدم للهجوم ليكون مهاجما ثالثا وهو ما زاد من الضغط الأمريكى على الدفاع السلوفينى مدعما بثلاثى الوسط فائق اللياقة البدنية والسريع فى الجرى والحركة.. كان اليوم الثامن هو يوم المفاجآت ويوم المدربين.