كانت السيارة تتجه مسرعة إلى وادى النطرون على بعد نحو 100 كيلومتر شمال غرب القاهرة، بالقرب من الطريق الصحراوى إلى مدينة الإسكندرية، كانت الوجهة دير الأنبا بيشوى حيث يعتكف البابا.. كان يقود السيارة الراهب أغاثون وهو من سكرتيرية البابوية، ومعه مظروف مغلق به رسالة. كانت الرسالة بحوزة الأنبا صموئيل أسقف الخدمات وأحد أعضاء اللجنة البابوية تسلمها من جهة عليا لتسليمها لقداسة البابا شنودة فحواها أن يعود البابا من الدير لأجل الصلاة وتقبل التهنئة بالعيد، ثم يمكن بعد ذلك التباحث فى أى أمر. كان البابا قد ألقى فى 26 مارس 1980 خطابا غاضبا عارض فيه أن تكون الشريعة الإسلامية أساسا لقوانين تطبق على غير المسلمين، وأن الدين يوشك أن يحل محل الوطنية، وقرر أن يعتكف. بحنكته المعتادة وبتوقعه المسبق برد فعل البابا تهرب الأنبا صموئيل من توصيل الرسالة وفضل عدم المواجهة.. فطلب من الراهب أغاثون أن يقوم بتوصيلها، الذى حاول بدوره أن يتصل برئيس الدير لكى يوصل الرسالة فتهرب أيضا. نزل البابا مرتديا زيه الرسمى ومعه عصاه المذهبة، يبدو أنه توقع زيارة من مسئول أكبر، وعندما رأى الراهب أغاثون غضب وقام بنهره بشدة وطرده وأغلق البابا بوجهه لأنه تسلم هذه الرسالة وجاء بها إلى الدير. يبدو هذا الحادث بسيطا فى وسط أحداث أخرى أكبر، لكنه كان انعطافا كبيرا فى اتجاه المؤسسات السيادية والملف الدينى ورجال الدين عامة، حيث ساد تصور لدى النخبة السيادية أن البابا يتوقع أن تأتيه شخصيات أكبر من أجل التفاوض لا مجرد رسالة يحملها أحد أفراد سكرتيرته.. وهذا أمر محسوم لدى مؤسسة الحكم التى خاضت من أجله صراعا مع الإخوان فى بدايات الثورة لوأد هذه الندية أو ما تتصوره شراكة فى السلطة. أصوات قبطية من قلب الأزمة مذكرة ميريت غالى: الأقباط لا يفهمون استمرار عزلة البابا بعد الإفراج عن معتقلى سبتمبر كتب مراسل صحيفة دير شبيجل الألمانية عن المشهد العام فى القاهرة فى تلك الأيام من خلال حدث الزاوية الحمراء: «فى أحد الأحياء الفقيرة فى الزاوية الحمراء أريقت الكثير من الدماء، استخدمت سكاكين الجزارين والبنادق الآلية. مرة واحدة تطور الأمر من مجرد خلاف بين رجل قبطى ومسلم إلى حرب دينية فى الحى كله». وكتب ميريت غالى، الوزير السابق، مذكرة عن المشهد الكنسى الخاص. كان ميريت (باشا) غالى وزيرا للشئون البلدية والقروية فى وزارة نجيب الهلالى، آخر وزارة فى حكم الملك فاروق، ثم حمل نفس الحقيبة فى حكومة على ماهر، أول رئيس وزراء بعد قيام الثورة فى يوليو 1952. بتاريخ 27 أغسطس 1981 كتب ميريت غالى مذكرة تحت عنوان «طريق الخلاص من الموقف الحالى فى الكنيسة»، قدم فيها تلخيصا ورأيا دقيقا حول الأزمة التى استحكمت بين اللجنة البابوية والبابا، وتحدث عن ضرورة إصلاح الأمور بين الرياسات الدينية داخل الكنيسة، لأن تصعيد المواجهة يضر بينهما بمصالح الأقباط ويعطل المساعى المبذولة فى سبيل إعادة البابا إلى ممارسة سلطاته. يبدأ غالى مذكرته من حقيقة أن «الأقباط منقسمون بين أقلية تقدر مخاطر الأمور وبين أكثرية ترى أنه لا حياة إلا بعودة البابا». وينوه إلى «أن الخلاف أدى إلى شل الهيئات النظامية فى الكنيسة، وأخصها المجمع المقدس والمجلس الملى العام وأصبحت اللجنة البابوية متعثرة فى أداء مهمتها».. فضلا عن التعثر المادى الذى تمر به الكنيسة.. حيث «أوشكت المؤسسات الكنسية على التوقف لأن مصادر الإيرادات سدت أمامها». وهناك وجه آخر للخطورة تبينه مذكرة غالى وهو إساءة الفهم بين المسلمين والأقباط من أبناء مصر: «لأن المسلمين يؤاخذون مواطنيهم الأقباط على عدم تقديرهم لأزمة الوطن وعدم اكتراثهم بالمشاكل الخارجية والداخلية التى تواجهها».. «كذلك الأقباط لا يفهمون حكمة ولا سببا فى بقاء البابا معاقا عن مباشرة سلطاته بينما تم الإفراج عن جميع من طبقت عليهم قرارات 5 سبتمبر 1981». وبين غالى أن هناك هوة تحفر الآن بين المسلمين والأقباط بسبب انقطاع الحوار بين المسلمين والمسيحيين، والأخطر برأيه هو غياب الحوار الداخلى بين الأقباط داخل الهيئات النظامية المنقسمة التى غاب عنها أى شعور بالمصلحة المشتركة. «فالكنيسة الآن تمر بأزمة حادة، وفى استمرار جو التوتر وإساءة الفهم ما يفسح المجال لاحتمالات كثيرة، وفيه ما يحمل على اتخاذ قرارات متسارعة أو ارتكاب أعمال طائشة لن يمكن تداركها فيما بعد. وفيه ما يدفع الشباب نحو الآراء المتطرفة أو المبادئ الهدامة بسبب يأسهم من التنظيمات الكنسية». وطالب غالى بفترة هدوء ومرحلة انتقالية وأن تمكن اللجنة البابوية من أداء مهامها وأن تجتمع مع قداسة البابا اجتماعا دوريا لسماع إرشادته.. «مما يزيل لدى الحكومة أثر التحدى الجارى فى الوقت الحاضر».. وأن يجتمع المجمع المقدس من أجل المدارسة والمعالجة وتفادى أخطاء الماضى القريب والبعيد. وعلى المجلس الملى أن ينمى حركة العلمانيين الأقباط.. وأن يطلب من الحكومة مساعدة الكنيسة ماليا من أجل الخروج من الأزمة المالية. مذكرة حنا ناروز: خطة لإبعاد الأقباط عن المناصب وتعطيل تراخيص الكنائس وأسلمة القاصرات لجنة العدالة والسلام الكاثوليكية: رعونة أقباط المهجر ضد السادات دفعته إلى التشدد فى الرد رسالة إلى مبارك: أقباط أمريكا فى ثورة يطالبون بعودة البابا دون تأخير مجلس كنائس الشرق الأوسط: الأحداث تنعكس سلبًا على المسيحيين