أسعدني خبر إعلان هيئة الشارقة للكتاب اختيار الكاتب الكبير محمد سلماوي شخصية العام الثقافية في الدورة الجديدة من معرض الشارقة الدولي للكتاب، كما أسعدني تزامن ذلك مع إعلان الدكتور أحمد مجاهد، المدير التنفيذي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، والدكتور خالد أبو الليل، القائم بأعمال رئيس الهيئة المصرية للكتاب، الاتفاق مع سلماوي على إصدار طبعة من أعماله الكاملة والاحتفاء بها في معرض القاهرة. وعلى خبر اختيار سلماوي شخصية العام بالشارقة، استعدت ذكريات جميلة مع معرض الشارقة للكتاب، الذي زرته أكثر من مرة، وبين أهم هذه الذكريات كان التعرف إلى عدد من أجمل الأصدقاء العاملين في حقول الإعلام والصحافة والثقافة المصرية، حيث كان لقاءنا الأول في الطائرة المتجهة إلى هناك قبل أن تصير صداقة رائعة مشحونة بذكريات السفر، فضلًا عن لقاء أصدقاء كبار من الأدباء العرب الذين كنا يعرف بعضنا البعض قبل أن نلتقي هناك للمرة الأولى، التقيت فيه أول مرة بهدى بركات ولينا هويان الحسن ومريم الساعدي ومها حسن وأحمد زين وعبد الرزاق بوكبة وجعفر العقيلي، وأصدقاء عرفتهم قبلها فرادى غير أن اجتماعهم في مكان واحد كان أمرًا بالغ اللطافة، مثل الشاعر المصري الجميل المقيم في الإمارات كمال عبد الحميد، والراحل الغالي خالد خليفة، والشاعر والصيق الكبير عبده وازن، وغيرهم من أصدقاء أمسيات السفر والليالي غير المخطط لها. لا أريد الإسهاب في ذكريات شخصية، حيث غاية هذه السطور إلقاء التحية على الأستاذ محمد سلماوي في هذه المناسبة لما في نفسي ناحيته من محبة وتقدير ولكون المناسبتان تستحقان الإشارة لهما، اختياره شخصية معرض الشارقة، وصدور طبعة حكومية من أعماله الكاملة والاحتفاء بها في معرض القاهرة. أحمد بن ركاض العامري، الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب ثال في حيثيات اختيار سلماوي شخصية العام الثقافية: "نحتفي هذا العام برمزٍ جمع بين الإبداع الأدبي والريادة الثقافية، وعبّر في أعماله عن قضايا الإنسان العربي بصدق وجمال وعمق، ليؤكد أن الثقافة العربية قادرة على مخاطبة العالم بلغة الفن والفكر والإنساني". ويعني محمد سلماوي كتلة ثقافية مهمة في مصر، وفضلًا عن أعماله الروائية والمسرحية وكتاباته في السيرة الذاتية والصحافة، هو أحد أهم الشهود على عصور ثقافية متتالية، إن لم يكن أحد صناع هذه الحالة ومن حراسها في بعض الجوانب، أعاد إنعاش قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة لفترة طويلة، وترأس تحرير جريدتي "الأهرام ويكلي" والأهرام إبدو" التي أسسها، فضلًا عن رئاسته لاتحادي كتاب مصر والعرب لفترة شهدت زهوًا ملحوظًا. وفي هذه الناحية أحب دائمًا الإشارة إلى واحد من أهم ما يحسب له، وهي معركة كبيرة خاضها وقت أن كان رئيسًا لاتحادي كتاب مصر والعرب، استطاع خلالها أن يحصل لاتحاد كتاب مصر على المنحة المالية الكبيرة والشهيرة، التي كان قد أرسلها حاكم الشارقة، الشيخ سلطان القاسمي، لتكون وديعة مخصصة لعلا الأدباء المصريين، وحدث وقتها أن الإجراءات والروتين منعت خروج هذه المنحة من وزارة المالية، وكان أمرًا شديد الصعوبة أن يحصل عليها الاتحاد. أحب الإشارة دائمًا لهذه الحكاية، خصوصًا كلما مرض أحد الأدباء وتعسر علاجه، حيث لا أحد يعرف شيئًا عما آلت إليه هذه الوديعة حاليًا، أو لماذا وقفنا عاجزين أمام حالات مرضية لعدد من الكتاب. أيضًا من مواقف سلماوي التي أحب الإشارة إليها، وقوفه أمام المحكمة يدلي بشهادته في القضية الشهيرة التي اُتهم فيها الروائي أحمد ناجي بخدش الحياء العام، وقف رفقة صنع الله إبراهيم وجابر عصفور يقولون للمحكمة ما يناصر حرية الإبداع والنشر، وصرح وقتها بأن حبس روائي بهذه التهمة هو "مشهد مهين لتاريخ مصر وثقافتها". مواقف عديدة لمحمد سلماوي انتصر فيها لحرية الرأي، وليس هنا متسعًا لسردها، غير أنه من الممكن الاطلاع على بعضها في سيرته الذاتية، المنشورة في جزئين، صدرا عن دار الكرمة بعنواني: "يومًا أو بعض يوم" و"العصف والريحان". وعلى ذكر السيرة الذاتية لصاحب "أجنحة الفراشة"، أدعو المهتمين للاستمتاع الكبير بقراءة سيرته الذاتية، والتعرف من خلالها على كثير من ملامح المجتمع المصري ثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا عبر مراحل زمنية مختلفة، تبدأ من عشرينيات القرن الماضي وحتى سنوات قريبة. يبدأ حكي سلماوي من مساحة واسعة تشكلت رُقعتها قبل مولده، حيث عائلة أرستقراطية يتجلى في تتبع أوضاعها نموذجًا لطبقة كاملة من طبقات المجتمع المصري في عشرينيات القرن الماضي، والتحولات التي طرأت على تلك الطبقة. خطوط صعودها وهبوطها، ومدى أثر ثقافتها الجمعية على ثقافة الفرد. علاقة رجال الأعمال بالدولة وبالاحتلال البريطاني وتبعات الحرب العالمية الثانية، وتلقي أفرادها المختلف لنقلة ما بعد يوليو 52 وتأميم أملاكهم. وفيما يقرر الكاتب الخروج من الانطواء إلى الانفتاح على العالم والمجتمع خلال فترة المراهقة وأوائل الشباب، تضيق رقعة الحكي في تناول تطوره الشخصي، ونظرة على طبيعة التعليم في مدرسة تابعة للحكومة البريطانية، ثم انتقال تبعيتها للحكومة المصرية بعد ثورة يوليو وما طرأ على إدارة "فيكتوريا كولدج" الشهيرة من تغير طاول إدارات عدد من المؤسسات، ثم تعود رقعة الحكي للاتساع مع انتقاله للحياة العملية في الجامعة قبل انتقاله إلى مؤسسة الأهرام. ورغم انتماء سلماوي لعائلة جاءت ثورة يوليو على مصالحها بشكل مباشر، ستجد نفسك أمام كاتب يتّسم بالبنوة المخلصة لحقبة الثقافة المصرية في فترة الستينيات، كأحد المحبين لدولة يوليو وعبد الناصر والفخورين بزمنهم الثقافي. جيلنا يتساءل عن سرّ الذين دخلوا سجون ناصر وخرجوا يهتفون له، بينما تأتي حكايات سلماوي لتزيد الأمر دهشة وأسئلة حول شاب انتفض، كأبناء جيله، مع سماع خطاب التنحي ونزل يجري معهم في شوارع القاهرة، بينما منعته يوليو، قبل سنوات، من إكمال تعليمه في الخارج بعد تأميم أملاك والده. شاشة كبيرة تتحرك أمامك عليها أسماء من قبيل رشاد رشدي ومحمد مندور ومعركتهما حول المفاهيم الحديثة للنقد الأدبي والمسرحي، قبل الانتقال إلى مكاتب الدور السادس في مؤسسة الأهرام، الذي كان أشبه بقلعة صغيرة يتحرك فيها توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ولويس عوض وغيرهم، نقترب من يومياتهم عبر الكاتب الذي التحق بالمؤسسة واقترب منهم. بهذه السيرة الذاتية، وضع سلماوي نفسه في منطقة شهود العيان على عصره، ولكن كشاهد نوعي، يقف في المنتصف بين الثقافي والفني والسياسي، وشبكة لافتة من العلاقات العامة شديدة التنوع، تكونت من شوارع الطبقة الأرستقراطية مرورًا بصالات تحرير الصحف وأشهر المسارح وقاعات الفن التشكيلي، لتنتهي، في الجزء الأكبر من الكتاب، في معاناة كثير من الكتاب والصحفيين في فترة السادات، وأحداث ارتجت لها كبريات صحف العالم، كان من أهمها إبعاد محمد حسنين هيكل عن مؤسسة الأهرام. أنت أمام صفحات تستطيع، بضمير مرتاح، وصفها بوثيقة تاريخية نوعية لافتة وممتعة في قراءتها، تطُل عبرها على عدة عصور وليس عصرًا واحدًا. هنيئًا للأستاذ سلماوي الاحتفاء به في معرض الشارقة، وهنيئًا لنا توفير أعماله في معرض القاهرة.