تشهد مدينة طنطا حراكا كبيرا بالتزامن مع احتفالات مولد السيد البدوي، حيث أغلقت غالبية شوارع المدينة وامتلأت برجال الأمن من ثلاث محافظات كما انتشرت الملاهي والألعاب البدائية القديمة والتي اشتهربها المولد، كما انتشرت الخيام والسرادقات التي تقدم المدائح النبوية ومدح آل البيت، وأشهرها خيمة القطب الصوفي أحمد عوض والشريفة ناريمان عبد الغفار -كما يطلق عليها- ويقدم أصحاب الخيام الطعام للمريدين والمتمثل في اللحم والفتة وأحيانا أنواع من "الطبيخ". ويعتبر باعة الحمص والحلاوة مولد البدوي موسما لرواج تجارتهم وتعويضعهم عن العام كاملا؛ فما يربحونه في هذا الموسم كما يقول محمد ضبش، تاجر حمص، يعادل أرباح العام كله. ومع هذه الاحتفالات الصاخبة ينتشر الباعة الجائلون والمتسولون والمجاذيب بملابس غريبة ومثيرة نالت اللوم والسخرية من معادي الاحتفالات. وينسب "العارف بالله السيد أحمد البدوي" كما يقول الدكتور ابراهيم شبل إمام وخطيب مسجد السيد البدوي بطنطا، للإمام على بن أبي طالب، وهو ثالث أقطاب الولاية الأربعة لدى الصوفية وصاحب الطريقة البدوية ذات الراية الحمراء. وأشار الشيخ أحمد عوض، مستشار الطريقة البيومية وأحد مستقبلي الرواد بأكبر خيمة في طنطا، إلى أنه عقب وفاة السيد أحمد البدوي، في 12 ربيع الأول عام 657 هحريا، الموافق 24 أغسطس 1276 ميلاديا، بني أحد تلاميذه خلوة بجوار قبره ثم تحول إلى زاوية للصلاة المريدين، ثم حولها علي بك الكبير إلى المسجد والقباب المقصورة الرئيسية بجوار. وأضاف محمود هيكل صاحب أقدم طريقة صوفية، أن مولد البدوي "مناسبة ننتظرها من العام للعام ونرى فيها الأحباب والزوار ونقدم الطعام لمريدي البدوي مع وجبة روحية كبيرة تعيشها المدينة كلها". ويقول مصطفى زايد الباحث في التصوف الإسلامي، أن حادث سجن السيد أحمد البدوي في الإسكندرية كان من أعظم المنعطفات في سيرته، عندما اقتحمت قوة عسكرية زاويته في طنطا فجرًا، وأُبلغ بقرار الاعتقال دون مقاومة منه، وسار به الجنود إلى الإسكندرية وسط حشود من مريديه الذين تبعوه على طول الطريق، بعضهم ماشٍ وبعضهم راكب، يرفعون الأدعية والابتهالات، ولم تمضِ أيام حتى بدأت الكرامات تُروى عنه، إذ شهد الناس في طنطا رؤى جماعية رأوا فيها الشيخ ممتطيًا جواده الأبيض في شوارع المدينة، مطمئنًا أحبابه رغم أنه في محبسه بالإسكندرية. وتابع: "هذه الكرامة نقلتها كتب الصوفية جيلا بعد جيل، وعدّوها من دلائل علو مقامه وصدق ولايته". وأشار إلى أنه خارج السجن، اشتعلت طنطا غضبًا: "فقد اجتمع آلاف الناس في الميادين، أُغلقت الأسواق والمحلات، وارتفعت الهتافات تطالب بإطلاق سراح الشيخ، وتحولت المدينة إلى موجة بشرية من الحب والاحتجاج، مرددين الأناشيد الأحمدية والدعوات الصادقة، حتى امتدت المظاهرات إلى مدن الدلتا المجاورة كالمنصورة والزقازيق، وعمّت حالة من العصيان الشعبي الهادئ. وبعد أربعين يومًا من السجن، خرج السيد البدوي، إلى طنطا في موكب مهيب واحتشدت الجماهير لاستقباله، وأدركت السلطة حينها أن مكانة الأولياء في قلوب الناس لا تقاس بالرتب أو المناصب، بل بالإيمان والحب والصدق. وذكر أن تلك الحادثة كانت نقطة التحول الكبرى في مسيرته، إذ تحوّل من شيخ محلي إلى قطب روحي ووطني، وازداد عدد مريديه أضعافًا، وأصبحت طريقته الأحمدية من أكبر الطرق في مصر، وتحولت زاويته في طنطا إلى مركز إشعاع ديني وروحي يقصده الزائرون من كل الأقاليم.