يشهد العالم فى عام 2025 حالة من التحول السياسى العميق، بعد فترة طويلة من الأزمات المتتالية التى هزت الثقة فى النظام الدولى القائم منذ الحرب العالمية الثانية. فمن الحرب فى أوكرانيا إلى تصاعد التوتر فى الشرق الأوسط، وصولًا إلى المنافسة المحتدمة بين القوى الكبرى، يبدو المشهد العالمى أكثر تعقيدًا من أى وقت مضى. لم تعد الولاياتالمتحدة القطب الوحيد المتحكم فى السياسة الدولية حاليًا، فقد برزت قوى صاعدة مثل الصين والهند وروسيا تسعى إلى تشكيل نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب يقوم على موازين مصالح جديدة. هذا التحول ينعكس بوضوح فى الاقتصاد والتجارة، حيث تتزايد المبادلات خارج الإطار الغربى التقليدى، وتظهر تحالفات إقليمية جديدة تتحدى مؤسسات مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى. وتشهد عدة دول موجة متصاعدة من الخطاب القومى الانعزالى، إذ باتت الحكومات تركز على حماية أسواقها الداخلية ومواطنيها، ولو على حساب التعاون الدولى. هذه النزعة الحمائية تسببت فى توترات اقتصادية وتجارية جديدة، وأضعفت الثقة فى المنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة. قد تستمر الحرب فى أوكرانيا فى إعادة رسم خريطة النفوذ فى أوروبا، بينما لا يزال الصراع فى الشرق الأوسط يلقى بظلاله الثقيلة على الاستقرار الإقليمى. وقد دخل الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى مرحلة جديدة بعد اتفاقات دبلوماسية حديثة، فيما تتنامى التوترات فى بحر الصين الجنوبى وشبه الجزيرة الكورية، ما يجعل احتمالات المواجهة قائمة فى أكثر من جبهة. وأصبحت عبارة «اللايقين هو الوضع الطبيعى الجديد» شعار المرحلة، بحسب تحذير صندوق النقد الدولى. فالتضخم، وأسعار الطاقة المرتفعة، والديون العامة تضع معظم الاقتصادات أمام تحديات غير مسبوقة. كما تشهد العديد من الدول الأوروبية والنامية أزمات سياسية متصلة بالأوضاع الاقتصادية، ما يهدد استقرار الحكومات ويغذى موجات الغضب الشعبى. فلم تعد التهديدات السياسية والعسكرية وحدها مصدر القلق العالمى، إذ يواجه العالم اليوم أزمات عابرة للحدود مثل تغير المناخ، وأمن الغذاء والمياه، والهجمات السيبرانية، وصعود الذكاء الاصطناعى كأداة سياسية واقتصادية مؤثرة. هذه الملفات أصبحت جزءًا من معادلة الأمن القومى لأى دولة. ولا يمكن فصل هذه التحولات عن المنطقة العربية التى تقف بدورها عند مفترق طرق. فالتقلبات فى أسعار الطاقة، وتبدل التحالفات الدولية، تفرضان على الدول العربية إعادة صياغة علاقاتها الخارجية بما يضمن مصالحها فى عالم سريع التغير. كما تبرز الحاجة إلى تعزيز التعاون العربى الداخلى، والاستثمار فى الاستقرار السياسى والاقتصادى كضمانة للحفاظ على الدور الإقليمى الفاعل. وبرغم ذلك، تواصل مصر أداء دورها المحورى كركيزة أساسية للاستقرار الإقليمى وسط الاضطرابات الدولية. ففى ظل تصاعد النزاعات فى المنطقة، برزت القاهرة كوسيط فاعل يسعى إلى تحقيق التوازن بين القوى المتصارعة وإعادة بناء مسارات الحوار والدبلوماسية. وفى القضية الفلسطينية، تظل مصر طرفًا رئيسيًا لا يمكن تجاوزه، إذ تقود جهود الوساطة وتعمل على تثبيت الهدنة وفتح الممرات الإنسانية بالتنسيق مع الأطراف الدولية. كما تواصل دعمها لاستقرار ليبيا والسودان، وتسهم بفاعلية فى حماية أمن البحر الأحمر، من خلال دبلوماسية متزنة تفضل الحلول السياسية على المواجهات العسكرية. وتعزز مصر حضورها اقتصاديًا من خلال مشروعات الطاقة والبنية التحتية والربط الكهربائى، وتسعى إلى أن تكون مركزًا إقليميًا للتجارة والنقل بين القارات الثلاث. وإن سياستها الخارجية القائمة على الاعتدال والاستقلالية جعلت منها صوتًا عاقلًا ومؤثرًا فى أوقات الأزمات، ونموذجًا للدولة التى تجمع بين الواقعية السياسية والمسئولية الإقليمية. العالم اليوم يعيش مرحلة انتقالية دقيقة تتعارض فيها المصالح وتتشابك فيها التحديات. وبينما تتصارع القوى الكبرى على إعادة رسم النظام الدولى، تظل الدول المتزنة مثل مصر مثالًا على إمكانية الجمع بين الحضور الفاعل والنهج المتزن فى إدارة الأزمات. يبقى السؤال: هل يقود تعدد الأقطاب إلى استقرار أكثر عدلًا، أم إلى مرحلة جديدة من الفوضى السياسية والاقتصادية؟ السنوات القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.