حول الطاولة المستطيلة، يجتمع 15 متطوعا للمشاركة فى الرقابة على الانتخابات. الدور الرابع من عمارة بطريق مصر حلوان الزراعى، حيث الشقة المتواضعة التى يتخذها مركز «ماعت» لحقوق الإنسان مقرا له. البعض يرتدى البذلة الرسمية الكاملة، وعلى الرغم من سابق المعرفة بين الأعضاء المنتمين لجمعية «سفير الخير»، الصمت يخيم على الجميع، وجوه الجميع تحمل إمارات الجدية التى تسبق القدوم على تنفيذ مهمة خطيرة، فهم فى دورة تدريبية للرقابة على انتخابات مجلس الشورى التى تبدأ غدا. إسلام.. طالب التربية الرياضية الذى يحتل المكان الأقرب للمحاضر، يعرف جيدا أن امتحان الكلية يقترب، لكنه قرر أن يتدرب على الرقابة الشعبية. «عايز أخرج للشارع وأفهم هو فيه إيه».دقائق ويدخل وليد برهام ليبدأ المحاضرة بكلمة مطولة عن الديمقراطية والحرية والأنظمة الاستبدادية، و«الصراعات السياسية التى تحكم عملية الانتخابات». إسلام لا توجد لديه خلفية عما سبق، لا توجد لديه انتماءات حزبية أو سياسية، ليعرف كثيرا عن رقابة القضاء، «ما يهمنيش مين يفوز، أنا عاوز أراقب علشان أكشف التزوير».مهام المراقب التى أوصت بها الأممالمتحدة، تبدأ من رصد أى مرحلة تعطيل لأوراق مرشح مع فتح باب التصويت، وتقييم الدعاية التى تستخدم الشعارات الدينية أو تستغل الممتلكات الحكومية. أما يوم التصويت فمن حق المراقب حضور عملية التصويت بداية من فتح أبواب اللجنة، ثم الوجود داخل اللجنة بمكان يسمح بالرؤية الواضحة للجنة الاقتراع والتصويت لمنع أى تلاعب أو تزوير، «دا بأمارة إن اللجنة العليا للانتخابات بتدى التصريح قبلها بثلاث ساعات بس». تعليق من أحد الجلوس، فحتى الآن لم يتسلم أحد تصريح الرقابة. المادة الثالثة من القانون رقم 18 لسنة 2007 والخاص بمباشرة الحقوق السياسية المصرية، جعلت اللجنة العليا للانتخابات هى المنظم الأول للقواعد والإجراءات الخاصة بتنظيم الرقابة على الانتخابات، «دا بند عائم وغير محدد، يعطى سلطات مطلقة وغير معروفة للجنة العليا للانتخابات بحجة تنظيم عملية الرقابة»، يشرح المحاضر. آخر توجيه صادر عن اللجنة العليا للانتخابات، شدد على حق رئيس اللجنة الفرعية فى الدوائر الانتخابية فى إخراج المراقب من اللجنة إذا أدى عمله إلى عرقلة سير العملية الانتخابية، «لم يحدد أفعالا بعينها، وبهذا خضعت الرقابة لسلطة تقديرية مطلقة لرئيس اللجنة الفرعية». من واقع خبرته كمراقب فى الانتخابات الماضية، يقول المحاضر إن هذه السلطة التقديرية يتم استخدامها بشكل «متعسف»، فى الدوائر التى تزداد فيها حدة الصراع بين المرشحين، «بحكم القانون، أنا ببقى واقف بره مش عارف إيه اللى بيحصل جوة». دور المراقب يتوقف عند الرصد، «زى الكاميرا التى ترصد المخالفات ولكن لا يحق له الاعتراض». هنا تكون الثورة الأولى والأخيرة للمتدربين، «أمال تبقى فايدتنا إيه، وهنراقب إيه بقى». الناشط الحقوقى ينصح المتدربين بالهدوء، «ما حدش يحاول يعمل حاجة ساعة التزوير، الأمن ها يبهدلكوا وما حدش هايجيب لكم حقكم». يتذكر وليد أحد أصحابه فى دائرة ساخنة، تعرض للهجوم من قبل مؤيدى أحد المرشحين، قبل أن يكشف واقعة التزوير، «وقعد يلف على النيابة والقسم علشان يثبت الواقعة ولا حد عبره».الطريق الوحيد أمام المراقب هو إبلاغ الإدارة العامة فى الانتخابات لإرسال أحد المسئولين لإثبات الواقعة، «دا إذا حد رد أصلا»، فالمسئولون عن الإدارة العامة هم تسعة أشخاص. جمعية «سفير الخير» سوف تتطوع للرقابة بالدائرة الثانية بالقاهرة، الدائرة تتكون من 6 أقسام «شوفوا كام جمعية فرعية، دا إذا التليفون ما كانش دائما مشغول يبقى كويس».الطريق الأسرع من وجهة نظر الخبير القانونى، هو إبلاغ غرف العمليات بالجمعيات عن كل التجاوزات، وهى بدورها ترفع التقارير إلى وسائل الإعلام التى تشكل ورقة ضغط قوية على الحكومة، «لما تبقى الأحداث واضحة، الحكومة مش ها تحب تبقى صورتها وحشة». بعد فترة قصيرة من الصمت الذى تقطعه همهمات الاعتراض من المشاركين، وعلامات الضيق على وجه إسلام يقترح وليد طريقة للتغلب على قيود الرقابة، «إن المجتمع كله يراقب مش بس إحنا».هذا المشروع الذى تتبناه «ماعت» للرقابة الشعبية على الانتخابات، يراه الناشط «الرقابة الشعبية» تطوا طبيعيا لمراقبة منظمات المجتمع المدنى الذى بدأ تنفيذه عام 2005، وهو نظام يعتمد على عدد محدد من الجمعيات وعدد محدد من المراقبين، «وكدا كمان بتراقب على المراقبين أنفسهم، وانتو طبعا عارفين إن فيه جمعيات بتخدم ناس معينة»، يقطع أستاذ عبدالناصر مدير الجمعية الحديث «خلينا متفائلين.. خلينا متفائلين». من واقع خبرة وليد يعتقد أن مراقبة الانتخابات فرصة لتحقيق مصالح ناخبين بأعينهم. يبدأ برنامج الرقابة الشعبية بتدريب 15 عضوا من الجمعيات الست المشاركة ماعت، ثم يتكفل كل واحد منهم بتدريب 20 من معارفه والقيادات الشعبية، ثم تأتى الخطوة الأخيرة بأن يقوم كل من المتدرب بملء استمارة تقييم لما يراه داخل اللجنة، «من خلال إجابتهم ممكن نعمل تقييم حقيقى للانتخابات، وكدا يبقى الناخب عمل رقابة على المراقبين نفسهم». إسلام الذى يخطوا لأول مرة فى عالم السياسة، لا يعرف كثيرا عن الأحزاب ولعبة الانتخابات، يكون مجموعات من أصدقائه المقربين يعرض عليهم فكرة الرقابة، ليكون يوم الغد موعد الحصاد لمجهود أسبوع تخلى فيه عن المذاكرة.