الدعوة إلى الإضراب العام فى 6 أبريل يمكن أن تقرأ من أكثر من زاوية. فبوسع «الموالين» أن يعلنوا أن الإضراب فشل. ويستطيع المعارضون أن يقولوا إنه حقق نجاحا نسبيا. وأن صدى دعوتهم تردد فى أكثر من بقعة فى أنحاء مصر. أما الواقفون فى الوسط فلم يكن غريبا أن تعتريهم الدهشة وتتملكهم الحيرة، حين عمدوا إلى طرح الأسئلة حول الدوافع والأهداف والجدوى. هذا التباين فى القراءات له مسوغاته. فالموالون يستندون إلى حالة الشارع المصرى فى ذلك اليوم، الذى لم ير فيه أثر واضح لدعوة الإضراب. والمعارضون لهم أن يستدلوا بما جرى فى الجامعات وبالتجمعات التى ظهرت فى أكثر من مكان رغم كثافة الحشود الأمنية وحملات الاعتقال التى طالت أعدادا من المنظمين فى القاهرة والدلتا. والوسطيون بين الفريقين يعذرون إذا ما وقعوا فريسة الحيرة، حين يجدون أن مصر أصبحت تشهد كل أسبوع إضرابا من جهة ما، ولم يفهموا لماذا يعمم بالإضراب فى يوم بذاته، دون غيره من الأيام. فى هذه الأجواء ينبغى ألا نغفل عدة عوامل أحسبها مهمة فى تقييم ما جرى فى ذلك اليوم، على رأسها أن فى مصر فائضا من الغضب، لم تعن الحكومة بالتعامل مع أسبابه، بقدر ما فشلت القوى السياسية والمجتمعية فى استثماره على نحو إيجابى وفعال. بكلام آخر، فإن كل فئة فى مصر لديها أسبابها التى تدفعها إلى الغضب والاحتجاج بأية صورة من الصور. وذلك ما يفسر الإضرابات شبه اليومية التى تشهدها البلاد. وهو ما يفسر أيضا أن الدعوة إلى الإضراب مثلا لقيت هذه المرة استجابة بين شباب طنطا وكفر الشيخ، فى حين أن صداها فى القاهرة عادة ما يكون أقوى من أى مكان آخر للأسباب التى نعرفها. لقد وجدنا أن الطلاب غاضبون بسبب ارتفاع أسعار الكتب الجامعية، والنوبيون غاضبون بسبب المظالم التى لحقت بهم بعد إغراق بلادهم وتهجيرهم، والمدونون غاضبون لزملائهم الذين تم اعتقالهم، والمهنيون غاضبون بسبب تدنى أجورهم، والمثقفون غاضبون احتجاجا على الفساد والظلم والقمع البوليسى. والموظفون غاضبون بسبب «الكادر». وهناك آخرون غاضبون بسبب الغلاء الذى أحال حياتهم جحيما، أو بسبب البطالة التى ملأتهم بالسخط على كل ما هو قائم.. إلخ. الخلاصة أننا أصبحنا نعيش فى مجتمع مسكون بالغضب الذى شغلت الحكومة بقمعه بأكثر ما شغلت باحتوائه وعلاج أسبابه. شجعها على التمادى فى سياسة القمع أن الغاضبين لم يتحولوا إلى قوة ضغط حقيقية، لأنهم فئات وشراذم، من السهل الاستفراد بكل واحدة منها و«تأديبها»، دون أن يكون لذلك صدى من أى نوع. إن مشكلة الدعوة إلى إضراب 6 أبريل أنها عبرت حقا عن غضب المجتمع المصرى، إلا أن ذلك التعبير اتسم بالفوضى وسوء التنظيم، حتى صرنا بإزاء جسم ينتفض غضبا لكنه لا رأس له. وبالمناسبة فإن هذه الثغرة تحديدا تمثل أحد «النجاحات» التى حققتها السياسة الأمنية، التى نجحت فى إفراغ الحياة السياسية من مضمونها، ومن ثم ضرب الإجماع الوطنى حول أى قضية. وكانت النتيجة أن البلد امتلأ بالأحزاب السياسية «24 حزبا» فى حين افتقد المصريون حزبا شرعيا يعبر حقا عن مشاعر الأغلبية. والحزب الوطنى الذى احتكر السلطة كما احتكر الأغلبية فى مجلس الشعب أصبح معبرا عن الحكومة بأكثر من تعبيره عن المجتمع. إن التشرذم الذى شهدناه فى يوم 6 أبريل ينطبق عليه بيت الشعر الذى قال فيه أحمد شوقى: صوت الشعوب من الزئير مجمعا فإذا تفرق كان بعض نباح.