انتشرت قبل أسابيع دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي بهاشتاج «حق ماما منال لازم يرجع»، مصحوبة بعشرات مقاطع الفيديو لثلاث بنات يتحدثن عن أمهن التي قتلت على يد والدهن، ويطالبن بإعدام الأب. صدر حكم المحكمة، في منتصف مايو الماضي، بالحبس سبع سنوات للزوج الذي قتل زوجته أثناء نوبة من نوبات الضرب المتكررة المعتادة، خلال رحلة الزواج التي استمرت عشرين عامًا انتهت و«دم ماما مغرق البيت كله» كما تصف إحدى بناتها. العنف في أرقام كانت منال من النساء المتزوجات اللاتي تتعرضن للعنف من جانب الزوج، التي تصل نسبتهم إلى 31%، وفقًا للمسح الصحي للأسرة المصرية الذي أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2021. بموجب هذا المسح واجهت واحدة من كل ثلاث سيدات أحد أشكال العنف من الزوج، سواء كان عنفًا جسديًا أو جنسيًا أو نفسيًا، خلال الاثني عشر شهرًا السابقة للمسح، وهو رقم يعكس عمق الأزمة واتساعها، لا سيما أن أغلب النساء لا يطلبن المساعدة أو لا يتم تسجيل هذه الوقائع رسميًا. يكشف المسح أن نحو 36% من النساء اللاتي تعرضن للعنف الجسدي أصبن بإصابات، تتراوح بين الجروح والكدمات وحتى الكسور، ما يؤكد أن «الضرب المعتاد» واقع دموي ومتكرر في حياة نحو ثلث النساء المتزوجات. لا يقتصر العنف الذي تتعرض له النساء في مصر على النساء المتزوجات فقط، بل يمتد إلى أشكال مختلفة ومتعددة، فيسجل تقرير مرصد جرائم العنف ضد النساء والفتيات في مصر لعام 2024 الصادر عن مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، 1195 جريمة عنف خلال هذه الفترة، منهم 540 جريمة ضد النساء والفتيات تقع من جانب أفراد الأسرة، كما رصد التقرير 261 جريمة قتل لنساء وفتيات خلال عام 2024 نتيجة لعنف أسري على يد أحد أفراد الأسرة أو الزوج أو الشريك. هذه الأرقام ليست مجرد أعداد تحصيها التقارير، لكنها قصص حقيقية لنساء وفتيات تعرضن لأشد أنواع الألم والمعاناة داخل بيوتهن وأسرهن، المكان الذي يفترض أن يكون ملاذًا للأمان والدعم. يمثل كل رقم في هذه التقارير حياة انطفأت، ومستقبل تحطم، بسبب العنف الذي أودى بهن أو جرحهن جسديًا ونفسيًا، أو تظل آثار الصدمة عالقة في وجدان الضحية التي نجت بحياتها لكن ندبات الروح ما زالت تؤلمها. القانون الغائب يظل القانون عاجزًا عن التعامل مع هذه الظاهرة، رغم أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة أكدت ضرورة وجود تشريع شامل يواجه كافة أشكال العنف ضد المرأة، كما أعد المجلس القومي للمرأة مقترحًا لقانون عام 2012، وكذلك قدمت بعض منظمات المجتمع المدني مقترحات لقوانين. كما حددت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عددًا من التحديات بشأن حقوق المرأة، من بينها زيادة معدلات العنف خاصة العنف المنزلي، وغياب قانون شامل لمواجهة العنف ضد المرأة فضلًا عن الحاجة إلى تعزيز الإطار التشريعي، والإجرائي لمنع زواج الأطفال، والزواج القسري، والمؤقت. انتهت مدة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة في 2020، وتنتهي مدة عمل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في 2026، بينما ما زالت المنظومة التشريعية خالية من هذه القوانين التي أكدت الاستراتيجية أهميتها. عدد بلا مدد تستمر حال الفراغ التشريعي، رغم وجود أكبر نسبة تمثيل للنساء في مجلس النواب الحالي، وكشفت دراسة «عدد بلا مدد» التي أصدرتها مؤسسة قضايا المرأة المصرية قبل أيام جمود محاولات البرلمان في الخروج بتشريع موحد لمناهضة العنف أو مشروع قانون تجريم تزويج الأطفال. رغم تكرار تقديم بعض النائبات مشروعات قوانين لمناهضة العنف سواء في الفصل التشريعي السابق (2016-2021) أو الفصل التشريعي الحالي الذي بدأ في يناير 2021، ما زالت هذه المشروعات لا تحظى بأولوية لدى مجلس النواب ولم تأخذ دورها في مناقشات اللجان النوعية في البرلمان للموافقة عليها ومناقشتها في الجلسات العامة لإقرارها. تتوقف الدراسة التي تتناول تقييم أداء النائبات وتفاعل البرلمان مع قضايا النساء خلال الفترة من يناير 2021 حتى يوليو 2024، أمام مفارقة رئيسية بشأن مجلس النواب الذي يشهد أعلى نسبة تمثيل نسائي في تاريخ البرلمان المصري، بعد تطبيق نظام الكوتة الدستورية بنسبة 25% من المقاعد، وفي الوقت نفسه عدم تأثير هذه الكتلة على تحريك عدد من الملفات التي تتعلق بحقوق النساء، ومنها قانون موحد لمواجهة العنف ومواجهة تزويج الأطفال. في انتظار المدد يغيب التعامل البرلماني مع هذه الملفات المجتمعية الملحة، رغم وجود خطاب سياسي من رئيس الجمهورية داعم لحقوق النساء، كان يمكن البناء عليه واستثماره والعمل المشترك مع المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي لحقوق الإنسان للخروج بقوانين تتعامل مع ظواهر العنف المختلفة، خاصة مع التكلفة الاقتصادية لمعالجة ظاهرة العنف ضد المرأة التي تصل إلى 8 مليارات جنيه، بحسب نتائج مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2015. في ظل هذا الجمود البرلماني، تتفاقم المعاناة التي لا تقتصر على الضحايا فقط، بل تمتد لتشمل عائلاتهم والمجتمع بأسره، حيث يتحول العنف إلى ظاهرة مهددة للنسيج الاجتماعي، حتى وإن تظاهر بتطبيعه مع العنف وقبوله له. قتلت منال لكن ما زالت آلاف النساء من اللاتي يتعرضن للعنف في انتظار المدد، عبر قرار سياسي حاسم، وأدوات تشريعية فعالة تلزم الدولة بحماية النساء وتوفير بيئة آمنة لهن. فبدون دعم جاد من المؤسسات وفرض قوانين صارمة، ستظل دوامة العنف تسحب مزيدًا من الضحايا وتستمر المعاناة.. فهل يأتي المدد من مجلس النواب؟