جامعة الإسكندرية تؤكد دعم الطلاب ذوي الهمم تنفيذاً للمبادرة الرئاسية «تمكين»    التمثيل العمالي بإيطاليا ينظم الملتقى الثاني لحماية حقوق العمال المصريين    أسعار الفراخ في البورصة اليوم الثلاثاء 18 نوفمبر    لإهدار المال العام.. وزير الزراعة يحيل ملف جمعية منتجي الأرز للنيابة العامة    انطلاق منتدى دبي للمستقبل بمشاركة 2500 خبير دولي    بسبب هجوم لفظي على إسرائيل.. واشنطن تلغي زيارة قائد الجيش اللبناني    طارق العشري: عودة فتوح من أهم مكاسب دورة الإمارات.. وإمام إضافة قوية لمصر في أمم إفريقيا    العراق والإمارات في مواجهة تكسير العظام بملحق تصفيات كأس العالم    توروب ينتظر عودة اللاعبين الدوليين للأهلي    حبس عاطل بتهمة الشروع في قتل زوجته بالقطامية    مصرع 3 معلمين أسفل إطارات سيارة نقل في كفر الشيخ    اليوم، "بنات الباشا" في عرضه العالمي الأول بمهرجان القاهرة السينمائي    محافظ أسوان يتفقد مستشفى الرمد لمتابعة جودة الخدمات الطبية    مصر تُطلق أول اجتماع لوزراء صحة دول «الثماني النامية» D-8    هيئة الرعاية الصحية تعلن نجاح أول عملية استئصال جذري للكلى بالمنظار    بروكسل تحذر من أعباء تمويل أوكرانيا حال فشل اتفاق الأصول الروسية المجمدة    الصغرى بالقاهرة 17 درجة.. تعرف على حالة الطقس اليوم    كامل الوزير: طريق «مصر - تشاد» محور استراتيجى لتعزيز التواصل بين شمال ووسط أفريقيا    محافظ أسيوط: إطلاق مسابقة لمحات من الهند بمشاركة 1300 طالب وطالبة    منال عوض تترأس الاجتماع ال 69 لمجلس إدارة جهاز شئون البيئة    انتخابات مجلس النواب.. الهيئة الوطنية تعلن اليوم نتيجة المرحلة الأولى.. البنداري يوضح حالات إلغاء المرحلة الأولى بالكامل.. ويؤكد: تلقينا 88 طعنا في 70 دائرة انتخابية    باكستان: القوات الأمنية تقتل 15 إرهابيا تدعمهم الهند    وزير الصحة: دفع 39 مليون أفريقى نحو الفقر بسبب الزيادة الكارثية فى إنفاق الجيب    دراسة جديدة: جين واحد مسؤول عن بعض الأمراض النفسية    اليوم.. نظر محاكمة 3 متهمين بقضية خلية النزهة    اليوم.. الحكم في دعوى نفقة طليقة إبراهيم سعيد    جامعة عين شمس تطلق النسخة ال12 من معرض الزيوت العطرية 2025    بث مباشر.. "البوابة نيوز" تنقل قداس ذكرى تجليس البابا تواضروس الثاني    غموض في منشور مصطفى حجاج يثير قلق جمهوره    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : استقيموا يرحمكم الله !?    عندما يتحدث في أمر الأمة من لم يجفّ الحليب عن شفتيه ..بقلم/ حمزة الشوابكة    رئيس منطقة بني سويف عن أزمة ناشئي بيراميدز: قيد اللاعبين مسؤولية الأندية وليس لي علاقة    وزير التموين يتوجه إلى بيروت للمشاركة في مؤتمر "بيروت وان"    ترامب لا يستبعد عملا عسكريا ضد فنزويلا رغم بوادر انفتاح دبلوماسي    اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى اسواق محافظة المنيا.    استئناف عاطل على حكم سجنه بالمؤبد لسرقته شقة جواهرجي في عابدين اليوم    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 فى المنيا    أمريكا تمنح حاملي تذاكر مونديال 2026 أولوية في مواعيد التأشيرات    ترامب: العالم كان يسخر من أمريكا في عهد بايدن لكن الاحترام عاد الآن    ما بين لعبة "التحالف "ونظرية "العار"، قراءة في المشهد الانتخابي الساخن بدائرة شرق بأسيوط    الدكتورة رانيا المشاط: الذكاء الاصطناعي سيساهم في خلق وظائف جديدة    حازم الشناوي: بدأت من الإذاعة المدرسية ووالدي أول من اكتشف صوتي    مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العرب 2025 والقنوات الناقلة    فاروق جعفر: أتمنى أن يستعين حلمي طولان باللاعبين صغار السن في كأس العرب    تعرف على المنتخبات المتوّجة بلقب كأس العالم منذ انطلاقه عام 1930    السيطرة على حريق داخل مستودع بوتاجاز في أبيس بالإسكندرية دون إصابات    وزارة الداخلية: فيديو شخص مع فرد الشرطة مفبرك وسبق تداوله في 2022    قتلوه في ذكرى ميلاده ال20: تصفية الطالب مصطفى النجار و"الداخلية"تزعم " أنه عنصر شديد الخطورة"    عاجل – حماس: تكليف القوة الدولية بنزع سلاح المقاومة يفقدها الحياد ويحوّلها لطرف في الصراع    اتجاه لإعادة مسرحية الانتخابات لمضاعفة الغلة .. السيسي يُكذّب الداخلية ويؤكد على التزوير والرشاوى ؟!    شاهين يصنع الحلم.. والنبوي يخلده.. قراءة جديدة في "المهاجر"    شاهد.. برومو جديد ل ميد تيرم قبل عرضه على ON    اليوم عيد ميلاد الثلاثي أحمد زكى وحلمى ومنى زكى.. قصة صورة جمعتهم معاً    التأهل والثأر.. ألمانيا إلى كأس العالم بسداسية في مرمى سلوفاكيا    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة يعبد وتداهم عددًا من المنازل    الصحة ل ستوديو إكسترا: تنظيم المسئولية الطبية يخلق بيئة آمنة للفريق الصحي    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى السيد وزير التربية والتعليم: حول مناهج التربية الدينية في مجتمع متعدد الديانات (1 2)
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 05 - 2010

قرأت فى الصفحة الأولى من جريدة «الشروق» بتاريخ 4 أبريل 2010 أن د. أحمد زكى بدر، وزير التربية والتعليم، أعلن فى البرنامج التليفزيونى «قضية الأسبوع» على قناة «المحور» أن الوزارة تسعى إلى تنقية مناهج التربية الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية من الدروس التى قد تخلق الفتنة الطائفية بين الطلاب، وأنها فى هذا الشأن قد أرسلت المقررات الدينية الإسلامية والمسيحية إلى شيخ الأزهر والبابا شنودة لمراجعتها. فى هذا الشأن يسعدنى أن أتقدم إلى السيد الوزير ببعض الأفكار المستوحاة جزئيا من طريقة تعليم الدين فى مدارس بريطانيا.
مصر بلد مزدوج الديانة يعيش فيها شعب ينقسم إلى مسلمين ومسيحيين، إلا أنه على الرغم من انقسامه العقيدى هذا فإنه يتمتع بهوية مفردة ووحدة سياسية وتاريخية وجغرافية ولغوية وإدارية لا يُحصى عمرها بمئات السنين وإنما بآلافها، وحدة هى فى الواقع سابقة على المسيحية والإسلام معا. نحن إذن شعب واحد منذ قديم الزمان. كنا فى البدء وثنيين مثلنا مثل غيرنا من شعوب الحضارات القديمة ثم صارت تطورات تاريخية معينة فاعتنقنا المسيحية، ثم صارت تطورات تاريخية أخرى فاعتنق القسم الأكبر منا الإسلام، وبقى قسم آخر على عقيدته المسيحية حتى وصلنا إلى العصر الحديث على هذا الحال. ولا يدرى أحد كيف يكون حال العقائد فى مصر أو فى غيرها من بلاد العالم بعد ألف أو ألفين من السنين فكل شىء خاضع لصيرورة التاريخ.
مادمنا شعبا واحدا إذن وإن كان متعدد الأديان فإنه يتبع من ذلك أن أى لون من التربية الدينية داخل مؤسساتنا التعليمية أو خارجها لابد أن يعكس هذه الحقيقة الجوهرية، وأن يؤكد مبدأ الوحدة والتجانس، وأن يجد فى التنوع العقيدى علامة على الثراء الثقافى والامتداد الحضارى البعيد، وأن ينبذ من مقولاته الأساسية والتفصيلية أى منظور خصامى أو سجالى لهذا الواقع التعددى. وأحب أن أؤكد هنا قولى: «داخل مؤسساتنا التعليمية أو خارجها»، لأن التنسيق على أصعدة أجهزة الدولة المختلفة أمر حيوى، فما جدوى أن نلقن التلميذ فى المدرسة مبدأ التسامح وحرية الاعتقاد وأن الدين لله والوطن للجميع إن كان بعد خروجه من المدرسة سيسمع من أئمة المساجد أو قساوسة الكنائس أمورا تخالف ذلك وتنطوى على تسفيه لهذه العقيدة أو تلك، أو إن كان سيدير مفتاح التلفزيون أو الراديو ليسمع أحد الشيوخ ينعت الملايين من أبناء الأمة بالكفر والضلال ويتحدث عنهم كما لو كانوا مواطنين من الدرجة الثانية يعيشون تحت وصاية الغالبية.
كيف السبيل إذن إلى تعليم الدين فى مجتمع متعدد الديانات؟ وأى سياق منهجى يمكن أن يكفل للتعليم الدينى غرس مبادئ التسامح وتعليم المواطنين من حداثة أعمارهم احترام غيرية الآخرين بصفة عامة وأديانهم بصفة خاصة، والنظر إليها على قدم المساواة مع دينهم الخاص، وليس باعتبارها ضلالات وأباطيل تُسفَّه سرا ويُتعايش معها جهرا على مضض بحكم اضطرار المجاورة فى الوطن؟ لقد قال المهاتما غاندى ذات مرة فى عبارة شهيرة «إنى أعتبر نفسى هندوسيا ومسيحيا ومسلما ويهوديا وبوذيا وكونفوشيوسيا.» ومع إدراكى التام أن المهاتما غاندى هو المهاتما غاندى، وأن غالبية البشر تقنع بما هو دون هذا المستوى من التسامح والانفتاح على الآخر والثراء الباطنى، إلا أنى أتصور أن التربية الدينية فى مجتمع متعدد الأديان لا يمكن أن تنهض نهضة صحيحة إلا على أساس مستوحى من عبارة غاندى السالفة. بمعنى أن التلميذ المصرى، مسلما كان أو مسيحيا، يجب أن يدرس ديانته فى سياق ديانات أخرى، يجب أن يتعلم أن الدين ظاهرة حضارية واكبت حياة الإنسان على الأرض منذ فجرها الأول آخذة على عاتقها تفسير ألغاز الوجود من ناحية، وتنظيم المجتمع البشرى على أسس أخلاقية من ناحية أخرى، ويجب أن يتعلم أن الحضارات المختلفة أنتجت ديانات مختلفة، وأن الديانات انتقلت من البساطة إلى التعقيد ومن محدودية التوجه إلى قبيلة أو أمة بعينها إلى الجمهور البشرى الأوسع مع تراكم الجهد الحضارى الإنسانى وزيادة التواصل بين الأمم المختلفة.
على التلميذ المصرى إذن أن يتعلم أن إسلامه أو مسيحيته ليسا إلا جزء من مسعى بشرى يشمل أقطاب الأرض الأربعة ويرجع آلاف السنين إلى الوراء، وعليه أن يدرك أن على ظهر هذه الأرض ثمة مئات الملايين يدينون بعقيدة يُقال لها الهندوسية، ومئات آخرون من الملايين يدينون بعقيدة أخرى يقال لها البوذية، وعلى النظام التعليمى الذى يتعهد هذا التلميذ بالتنشئة أن يرسخ فى وعيه الغض أنه ليس من النافع لأحد، بل ليس من اللائق بالإنسان وبواجبات الإخاء فى البشرية، الاعتقاد بأن هؤلاء جميعا كفّار ضالون مارقون، وأن دياناتهم أضاحيك وأباطيل، وأن إسلامه وحده أو مسيحيته وحدها هى الصحيح وهى الحق المطلق، وكل أولئك البشر مآلهم جهنم وبئس المصير. ولنتأمل نحن المسلمين فى لفظة «الأديان السماوية» التى يحلو لنا أن نطلقها على الديانات المتوسطية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية!
ألا ينطوى هذا التعبير على امتهان لديانات الأرض الأخرى وعلى تحقير تضمينى لها مؤدّاه أن دياناتنا نحن هى الحق الهابط من السماء وبقية الديانات ليست إلا أباطيل أرضية؟ إنى أتطلع إلى منهج لتدريس التربية الدينية فى مدارسنا يبلغ من سماحة التوجه ورهافة الإحساس تجاه عقائد الآخرين بحيث يتحرج من استخدام عبارة مثل هذه لعلها تمر على الكثيرين دون أن تسترعى الانتباه.
فإذا ما أُحلَّ الإسلام والمسيحية محلهما بين ديانات البشر الكبرى الأخرى، ووضعا فى سياقهما التاريخى، ودُرس معهما شىء عن تعاليم الديانات الأخرى وطقوسها واحتفالاتها وفلسفاتها الأخلاقية مع التأكيد على أوجه التشابه والتلاقى وشرح أوجه الاختلاف شرحا عقلانيا يضعها فى سياقها التاريخى والحضارى والاجتماعى إذا ما اعتمدت مناهج التربية الدينية مثل هذا المنظور وتدرجت فى تدريسه من حيث المحتوى والعمق والمدى حسب المرحلة الدراسية وما يتحمله سن التلميذ ومداركه، فإنى لا أتصور إلا أن ينتج هذا عقلية متفتحة متسامحة ليس فقط دينيا وإنما تجاه كل ما هو مخالف لذاتيتنا الخاصة.
وفى مثل هذا المنهج فليس بعيدا عن التصور أن يحظى الإسلام والمسيحية (وإلى حد أقل اليهودية) بنصيب أكبر من الدرس والشرح والتوفيق باعتبارها الديانات الفاعلة فى المنطقة وباعتبار الصلة التاريخية بين ثلاثتها، ناهيك عن الصلات الراهنة. ولكن أى إسلام وأى مسيحية؟ فى تصورى أن أى منهج للتربية الدينية يدرِّس الإسلام السنى باعتباره الإسلام الأوحد لمجرد أن هذا هو المذهب السائد فى مصر هو منهج قاصر.
ماذا عن الإسلام الشيعى الذى تدين به أمة يزيد تعدادها على الأربعين مليونا وتعتبر أمة من كبريات الأمم الفاعلة فى المنطقة العربية، والذى يدين به أيضا قطاعات كبيرة من الشعوب العربية فى العراق وشرق الجزيرة العربية وغيرها؟ هل يجوز تجاهله فى المقررات المدرسية الدينية أو تصويره على أنه مذهب خارج على الإسلام الصحيح؟ بأى شرعية يمكن أن نجيز هذا التعالى على معتقدات شعوب بأسرها؟ وهل أذكركم بأن اللغة الدارجة المصرية تستخدم حتى اليوم لفظة «درزى» فى سياق السب والإهانة والاتهام بالكفر والمروق؟ أليس الدروز جزء من الشعب العربى فى بلاد الشام له كيانه واحترامه؟ على عاتق التربية الدينية فى نظرى يقع عبء تصحيح هذه التصورات الشعبية الخاطئة القائمة على الجهل الموروث وعلى نزوع البشر شبه الغريزى إلى احتقار غيرية الآخرين، ذلك النزوع الذى يجب أن يُقاوم دائما بالتعليم والتنوير. وما يصدق على تدريس الإسلام يصدق على تدريس المسيحية. فالمسيحية التى يتعلمها التلميذ المصرى لا يجب أن تقتصر على الأرثوذكسية القبطية وإنما يجب أن تمتد لتشمل الكاثوليكية والبروتستانتية وسائر المذاهب المسيحية الكبرى.. وللحديث بقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.