رد المستشار الألماني على الخارجية الأمريكية بشأن الهجرة    مادورو: مناورات عسكرية شاملة في فنزويلا.. والتهديدات الموجهة لنا بلا أساس    الهجرة الأمريكية تراجع البطاقات الخضراء ل19 دولة مثيرة للقلق    شعبة الدواجن تحذر: انخفاض الأسعار قد يؤدي لأزمة في الشتاء القادم    بين الإبهار الصيني والمشهد الساخر الإيراني... إلى أين تتجه صناعة الروبوتات مؤخرًا؟    شعبة السيارات: نقل المعارض خارج الكتل السكنية يهدد الصناعة ويرفع الأسعار مجددًا    رام الله.. إسرائيل تفرج عن طفل أمريكي بعد 9 أشهر من اعتقاله    باختصار..أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ذعر فى شوارع إسرائيل بعد بث شاشات محطات حافلات صوت أبو عبيدة.. بابا الفاتيكان يحذّر من حرب عالمية ثالثة.. وماكرون يفتح باب التجنيد الطوعى للشباب    السنغال تؤكد استقبال الرئيس المنتهية ولايته لغينيا بيساو بعد أيام من الاضطرابات    زيلينسكى: أوكرانيا تُجهز جولة جديدة من محادثات السلام والأمن    أبو ريدة: ما يتعرض له رمضان صبحي «حاجة تحزن»    مرشح لرئاسة برشلونة يوضح موقفه من صفقة ضم هاري كيم    أبو ريدة: اللجنة الفنية للحكام تتمتع بالصلاحيات الكاملة.. ولم نتدخل في اختيار القائمة الدولية    ريال بيتيس يفوز على أوتريخت الهولندي 2-1 في الدوري الأوروبي    هاني أبو ريدة: لا ذنب لبيراميدز في أزمة منتخب كأس العرب    نوتنجهام يكستح مالمو بثلاثية نظيفة في الدوري الأوروبي    أزمة في الزمالك قبل مواجهة كايزر تشيفز بسبب وسط الملعب    غلق كلي لشارع الأهرام 3 أشهر لإنشاء محطة مترو المطبعة ضمن الخط الرابع    متحدث مجلس الوزراء: مدارس التكنولوجيا التطبيقية تركز على القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية    أشرف زكي: "النقابة فقيرة ماليًا وغنية بالقيمة.. رسالتنا حل مشاكل الفنانين"    وصول هالة صدقى للمشاركة فى مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابى    وزير الثقافة والمحافظ يشهدان ختام الدورة ال18 من ملتقى الأقصر الدولي للتصوير    أحمد السعدني: دمعت من أحداث "ولنا في الخيال حب".. وشخصيتي في الفيلم تشبهني    تعرف على شخصية كريم عبد العزيز في فيلم "الست" ل منى زكي    أسباب البرود العاطفي عند الزوجة وكيفية علاجه بحلول واقعية    فضائل يوم الجمعة.. أعمال بسيطة تفتح أبواب المغفرة والبركة    أخبار 24 ساعة.. رئيس الوزراء: لا انتشار لفيروس غامض والمتواجد حاليا تطور للأنفلونزا    أخبار كفر الشيخ اليوم.. ضبط 10 آلاف لتر سولار قبل بيعها في السوق السوداء    مديرة مدرسة تتهم والدة طالب بالاعتداء عليها فى مدينة 6 أكتوبر    وزارة الصحة توجه تحذير من حقننة البرد السحرية    الموسم الثاني من بودكاست كلام في الثقافة.. على شاشة الوثائقية قريبًا    جامعة أسيوط تعزز الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب عبر اجتماع وحدة الأبحاث    هل مصافحة المرأة حرام؟ أمين الفتوى يجيب    بعد ترشيح معزوفة اليوم السابع لجائزة الشيخ زايد.. جلال برجس ل الشروق: سعيد بالتواجد وسط كتاب مبدعين    قفلوا عليها.. سقوط طفلة من الطابق الثاني في مدرسه بالمحلة    الجدول النهائي لبقية مراحل انتخابات مجلس النواب 2025    هل الصلاة في مساجد تضم أضرحة جائزة أم لا؟ أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الخشوع جوهر الصلاة وروحها ويُحذر من هذه الأمور(فيديو)    قومي حقوق الإنسان يستقبل الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي لبحث آفاق التعاون المستقبلي    أنباء سارة لجماهير برشلونة.. بيدري يشارك مع المجموعة    هيئة الرعاية الصحية تمنح الدكتور محمد نشأت جائزة التميز الإداري خلال ملتقاها السنوي    بالأسماء.. إصابة 7 طلاب فى حادث تصادم سيارتين بأسوان    مدبولي: نتابع يوميًا تداعيات زيادة منسوب المياه    تعزيزات عسكرية للجيش السوداني في شمال كردفان.. رصد آخر التطورات    سوريا تعلن إطارا تنظيميا جديدا لإعادة تفعيل المراسلات المصرفية    رئيس جامعة بنها : اعتماد 11 برنامجا أكاديميا من هيئة ضمان جودة التعليم    مقتل سيدة بطلقات نارية في قنا    وزير الصحة يزور أكبر مجمع طبي في أوروبا بإسطنبول    الصحة: فحص أكثر من 4.5 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    اتخاذ الإجراءات القانونية ضد 4 عناصر جنائية لغسل 170 مليون جنيه من تجارة المخدرات    أوقاف الغربية تنظّم ندوة علمية بالمدارس بعنوان «حُسن الجوار في الإسلام»    غلق 32 منشأة طبية خاصة وإنذار 28 أخرى خلال حملات مكثفة بالبحيرة    وزير البترول يعقد لقاءً موسعاً مع شركات التعدين الأسترالية    وزير الانتاج الحربي يتابع سير العمل بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية    جولة إعادة مشتعلة بين كبار المرشحين واحتفالات تجتاح القرى والمراكز    د.حماد عبدالله يكتب: وظائف خالية !!    محافظ كفر الشيخ: مسار العائلة المقدسة يعكس عظمة التاريخ المصري وكنيسة العذراء تحتوي على مقتنيات نادرة    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حينما كرّم الرئيس الطبيب البطل محمود سامى قنيبر
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 04 - 2025

أحكى اليوم عن قصة من قصص بطولات وتضحيات هذا الشعب العظيم المكافح. أحكى عن تضحيات الناس العادية أبناء النيل الذين يخدمون وطنهم بلا شعارات ولا أغراض، ولكن بأفعال حقيقية تعبر عن الوفاء والاستعداد للتضحية من أجلنا جميعا، من أجل مصر وشعبها الكريم!
بطل قصتنا اليوم شاب ناجح ومكافح من محافظة كفر الشيخ، تخرج من طب القصر العينى، وتخصص فى أمراض الباطنة والحميات، تزوج لمدة 11 عاما دون إنجاب، ولكن أذن الله له أخيرا بنعمة الأولاد، فأكرمه بطفله الذى أسماه يحيى والذى فرح كثيرا لمولده، لكن لم يمهله القدر وقتا كافيا للتمتع بالنظر بمولده الذى طال انتظاره، إذ ضرب وباء كورونا مصر كما ضرب العالم كله ليزلزل أقوى اقتصاديات العالم ويتحدى أكثر الأنظمة الصحية تطورا فى العالم.
تم استدعاء العديد من الأطباء فى جميع أنحاء مصر من أجل نداء الواجب، من أجل مواجهة هذا الوحش غير المرئى، لكن لم يكن منهم صاحب قصتنا الدكتور محمود سامى قنيبر، حيث حصل د. محمود والذى كان وقتها يعمل كطبيب فى مستشفى حميات كفر الشيخ على استثناء بسبب إصابته بمرض مناعى نادر وبسبب أيضا وجود طفل رضيع قد ولد لتوه فى منزل د. محمود!
لكن وعلى عكس المتوقع، ذهب د. محمود إلى المسئولين محتجا على استبعاده ومطالبا أن يتطوع ليعمل فى مستشفيات العزل بالمحافظة! تعجب المسئولون من هذا الموقف، لدرجة أن الطبيب المسئول عن توزيع الأطباء على مستشفيات العزل بالمحافظة اعتقد أن د. محمود يمر بأزمة مالية وفى حاجة للمال ومن أجل ذلك يحتج على استبعاده، عارضا بشكل كريم مساعدته إن كان يمر بأزمة مالية دون أن يقوم بتوزيعه على مستشفيات العزل، لكن أكد له البطل صاحب قصتنا أنه بالفعل يرغب فى التطوع بسبب علمه بالظروف الصعبة فى هذه المستشفيات، وكذلك لعلمه بأن قلة من الأطباء تحاول تجنب الذهاب لمستشفيات العزل إما بسبب الخوف على أسرهم أو لأسباب أخرى قد يكون بعضها سياسيا، وأمام إلحاح بطلنا تم الاستجابة لطلبه وتم توزيعه للخدمة فى مستشفى العزل بمدينة بلطيم، ليترك طفله يحيى بعد عشرة أيام فقط من الولادة، ويصل إلى مستشفى بلطيم يوم الجمعة 2 مايو عام 2020 ويبدأ فى ممارسة عمله على الفور.
• • •
بعد أسبوع واحد فقط من وجوده بالمستشفى، جاء يوم الجمعة 9 مايو وكان هناك ضغط عمل شديد بسبب تحويل بعض الحالات الخطرة من حميات العباسية وإمبابة بالقاهرة إلى بلطيم، حكى لى د. محمود كيف كان يوم العمل هذا مرهقا للغاية وخاصة وأن ذلك كان فى أيام الشهر الكريم وكان يعمل وهو صائم، فشعر بتعب شديد قبل الإفطار بعدة ساعات، فعاد إلى مقر سكن الأطباء بالقرب من المستشفى ليدخل فى نوبة دوار وصداع وهزال شديد، فخلد إلى النوم قليلا ليوقظه الطبيب الذى كان يقيم معه فى السكن لتناول الإفطار، إلا أنه ظل يعانى من تعب شديد حتى تم نقله إلى مستشفى الصدر فى كفر الشيخ هذه الليلة ليستيقظ فى اليوم الثانى 10 مايو ليجد نفسه فى ظلام دامس!
يقول دكتور محمود الذى أعرفه كصديق ومتابع شخصى لمقالاتى المتواضعة فى جريدة الشروق منذ عام 2012 فى مكالمة تليفونية معى، أنه اعتقد أن هذا هو الموت! فقد أخذ يستذكر بصعوبة ما حدث فى اليوم السابق، واستنتج أنه ميت لأن الدنيا ظلام دامس رغم أنه يسمع بعض الأصوات من بعيد، لكن بعد دقائق، اكتشف الحقيقة المرة، لقد فقد بصره بسبب العدوى، نعم لم يكن هذا كابوسا ولا موتا، ولكنها حقيقة!
بعد رحلة إلى عدة مستشفيات استقر به الحال فى المركز الطبى العالمى الذى أبلغه الأطباء المتخصصون به بأن عصب البصر قد تدمر تماما فى عينه اليسرى وبنسبة 90٪ فى عينه اليمنى وأن الأمل فى عودة الإبصار شبه مستحيل! عاش د. محمود أياما صعبة وعاد أخيرا إلى بيته ليسمع ابنه يحيى دون أن يكون قادرا على رؤيته، فلم يمهله القدر سوى عدة أيام لرؤية الطفل بعد ولادته، ثم كان ما كان!
تعرض د. محمود لأيام عصيبة ولولا وقوف زوجته وأقاربه وأصدقائه معه لكان انتحر، وقد فكرا جديا فى ذلك، ولكن ألهمه الله الصبر على الابتلاء وشعر أنه يجب ألا يستسلم من أجل صغيره الرضيع!
• • •
كانت مكافأة صبره أن رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى وبعد أن علم بقصته، طلب فورا مقابلة د. محمود ليكرمه فى احتفال كبير فى مارس عام 2021! يقول بطلنا إن سعادة غامرة انتابته لأنه شعر أن رأس الدولة المصرية ورمزها يكرمه مما أشعر طبيبنا بأن نظره لم يذهب هباء! سأل الرئيس السيسى د. محمود أثناء التكريم، عما يريده، فأجاب بأنه يكفى ما لدى الرئيس من مسئوليات، فطالبه الرئيس ثانية بأن يطلب ما يريد، يقول دكتور محمود شعرت أن حب الرئيس وتقديره لى من القلب فكررت بأننى لا أريد شيئا، ولكن أصر الرئيس الذى فى النهاية أعطى توجيهات واضحة لوزارة الصحة ولكل الجهات المسئولة بتوفير عمل يلائم ظروف د. محمود الصحية الجديدة بالإضافة إلى توفير معاش أو مبلغ شهرى يليق به، كما كانت توجيهات الرئيس واضحة بحصول د. محمود على أى تدريبات مناسبة ليعمل فى مجال جديد.
ترك لقاء الرئيس وحفاوته وتواضعه وحرصه على إعطاء بطلنا دفعة لبداية مرحلة جديدة فى الحياة أملا كبيرا لديه، وبعد انتهاء التكريم، اهتم المسئولون بالفعل فى وزارة الصحة وفى محافظة كفر الشيخ وأعطوه الكثير من الوعود منها المعاش الشهرى، ومنها تعيينه فى إدارة المشاركة المجتمعية فى ديوان وزارة الصحة بالإضافة إلى هاتف ذكى متخصص لمساعدة المكفوفين على الكتابة ليلائم عمله الجديد، مع توفير منحة تعليمية فى الجامعة الأمريكية لدراسة إدارة الأعمال أو الإعلام، وقد اختار بطلنا الإعلام، كما وعدته المحافظة بشقة بإيجار رمزى.
بسبب التعقيدات البيروقراطية من ناحية، وحدوث بعض التغييرات الوزارية من ناحية أخرى، تباطأ المسئولون فى تنفيذ توجيهات الرئيس، وبدأ ينتاب بطلنا الشعور باليأس مجددا، كما بدأ يشعر بنوبات هلع متعددة، حاول بمساعدة الأصدقاء المخلصين البحث عن تخصص طبى مختلف قد يساعده على العمل فى ظل ظروفه الصحية الجديدة، فقد حاول فتح عيادة خاصة ليساعده فيها طبيب حديث التخرج لكن تعثر المشروع لأسباب لوجستية ومادية، فحاول فى أكثر من تخصص آخر لكن للأسف كان من الصعب لطبيب غير مبصر أن يمارس عمله فيها بطريقة سليمة، فتملك الإحباط مجددا من بطلنا، قبل أن تنفتح فرص جديدة أمامه عندما استضافه الإعلامى الراحل المرحوم وائل الإبراشى فى برنامجه، وفى نفس الوقت وبالجهود الذاتية تعلم د. محمود الكتابة باستخدام برامج مخصصة للمكفوفين على الهواتف الذكية، ونتيجة لعودة الأضواء مجددا لحالة ووضع د. محمود فقد تم أخيرا تنفيذ بعض توجيهات الرئيس، فحصل بطلنا على شقة بإيجار رمزى، كما حصل على معاش شهرى، لكن لم توفر له وزارة الصحة بعد عملا فى الديوان كما تم وعده، ولم يحصل على أى منح تعليمية أو تدريبية لتؤهله للعمل الجديد المنتظر!
• • •
يقول د. محمود إنه يحب وطنه ولا يمكن أبدا أن يكفر بهذا الوطن، كما يقول إنه يريد لابنه أن يكبر وهو محب للوطن، لكن فى نفس الوقت فإن الحصول على المعاش غير كاف وخصوصا وهو يجلس فى المنزل بلا أى عمل! يقول بشكل مؤثر إنه لا يريد أن ينتهى به الأمر فيما أسماه «قهوة الرجال المنسيين» حيث أصبح عاطلا بلا عمل ولا تدريب وبمعاش بسيط يكفل بالكاد احتياجاته، صحيح أنه فقد بصره، لكنه لم يفقد أبدا طاقته ولا شغفه!
يقول بطلنا إنه لا يريد أبدا اختصام المسئولين فى الوزارة أو المحافظة أو فى أى مكان، ولكنه يأمل أن يقوموا فقط بتنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية، فلا يمكن لرئيس دولة أمام كل مسئولياته الجسيمة فيما يخص الملفات الداخلية والخارجية للبلاد أن يتابع إجراءات بيروقراطية! فلديه من الحمل ما يكفى، كل ما يأمله طبيبنا العظيم أن يحصل على العمل فى ديوان الوزارة أو مكان آخر يناسب وضعه الصحى وخصوصا وأن نسبة ال 5٪ المنصوص عليها دستوريا والخاصة بأصحاب الهمم تنطبق عليه، كما يأمل أن يحصل على المنحة التعليمية التى وعده بها المسئولون فى وزارة الصحة، لأنه يأمل فى العمل فى مجال الإعلام والعلاقات العامة.
• • •
هل ما يطلبه بطلنا كثير؟ لا أظن أبدا وأنتظر من المسئولين فى وزارة الصحة أو نوابنا فى مجلسى الشعب والشيوخ أو رجال أعمالنا الوطنيين وما أكثرهم أن يلتفتوا لقصة ومطالب د. محمود سامى قنيبر فهذا أقل واجب نقدمه لبطل ضحى من أجل وطنه!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.