وزير التعليم يبحث مع مدير مكتب التربية العربي لدول الخليج تعزيز التعاون التربوي    جامعة حلوان تستقبل وفد «مستقبل الأرض بأفريقيا» و«البحوث الوطنية» (تفاصيل)    محافظ قنا يبحث مع نواب مجلسي الشيوخ والنواب ملفات التنمية وتعزيز التعاون المشترك    التعليم العالي:مصر والجزائر تتعاونان في الأبحاث البترولية والتنمية المستدامة    وزير الاتصالات: إتاحة 180 خدمة حكومية عبر منصة مصر الرقمية    اختتام فعاليات مؤتمر تنظيم الاتصالات لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بالقاهرة    أخبار الكويت اليوم.. وزير الدفاع: تدشين الاستراتيجية الدفاعية 2025 - 2030    لدخول السوق الرئيسي.. بدء اكتتاب زيادة رأسمال بريمير هيلثكير في البورصة    أوكرانيا تتهم موسكو بانتهاك الهدنة الروسية أكثر من 700 مرة    تقرير: ضغوط أمريكية على المنظمات الإنسانية لدعم خطة المساعدات الإسرائيلية بشأن غزة    قائد نيوكاسل يطالب بالدعم الجماهيري أمام تشيلسي    بيسيرو يخرج عن صمته: "الزمالك رقم 6 في مصر"    رغم اهتمام الهلال السعودي.. ماركو سيلفا سعيد في فولهام    نيوم يدخل على خط المنافسة لضم سعود عبد الحميد.. والاتحاد يتصدر السباق    السجن 13 عاما لمتهم بترويع شاب بكلاب شرسة والتعدي عليه في الإسكندرية    إقبال متوسط على شواطئ الإسكندرية للهروب من ارتفاع درجات الحرارة الشديدة    موعد بداية ذي الحجة 1446.. متى تحل وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر؟    سهير رمزي تتصدر "التريند".. ما علاقة ياسمين صبري؟    لكل عريس وعروسة.. 10 نصائح من سماح عبد الفتاح تجعل حياتكم الزوجية سعيدة    «لو صاحبك من الأبراج دي أوعى تحكيله سرك».. أبراج لا تعرف كتم الاسرار    "محمد الفاتح".. دراما تاريخية تُعيد أمجاد الفتوحات على الشاشة التركية    جامعة كفر الشيخ تطلق قافلة طبية توعوية شاملة لقرية الرصيف    وزارة الصحة تنظم مؤتمرا عالميا لتشخيص وعلاج الربو الشعبى ومكافحة التدخين    مصر أكتوبر: نثمن تحرك الحكومة لمعالجة الإيجار القديم    16 أستاذ جامعيا يتقدمون لرئاسة جامعة بني سويف    غموض حول اختفاء فتاة ببنها.. والأسرة تناشد الأمن مساعدتها في العودة    الفنان محمد عبد السيد يعلن وفاة والده    بيتر ميمي يروج ل"المشروع X" ويعلق: "مختلف جدًا"    في 11 ثانية.. فقط من يتمتع برؤية حادة يعثر على القلم المخفي    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    أزعجتهم خلال علاقة محرمة.. سيدة وعشيقها يقتلان رضيعة في الهرم    رفع درجة الاستعداد بمدارس البحيرة استعدادا لاستقبال امتحانات الفصل الدراسي الثاني    مطار مرسى مطروح الدولي يستقبل أولى رحلات الشارتر من التشيك    تصاعد دخان أسود من الفاتيكان في اليوم الثاني لمجمع الكرادلة المغلق |فيديو    كرة يد - الاتحاد يكرم باستور علي هامش مواجهة مصر الودية ضد البرازيل    الهلال السعودي يرصد 160 مليون يورو لضم ثنائي ليفربول    الكرملين: الحوار بين روسيا والولايات المتحدة مستمر    عضو بالنواب: مصر تتحرك بثبات ومسؤولية لرفع المعاناة عن الفلسطينيين    وزير قطاع الأعمال يبحث مع سفير إندونيسيا فرص التعاون الاقتصادي والاستثماري    محافظ الفيوم يتابع أنشطة فرع الثقافة في أبريل    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    بغرض السرقة.. الإعدام شنقًا للمتهمين بقتل شاب في قنا    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    أطعمة فائقة التصنيع مرتبطة بزيادة الإصابة بباركنسون    مراكب وورد ومسيرات طلابية في احتفالات العيد القومي لمحافظة دمياط    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    اختناق 4 أشخاص في حريق بمكبس كراتين خردة بسوهاج    وزير الصحة يستقبل نقيب التمريض لبحث تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    أمين الفتوى يكشف عن 3 حالات لا يجوز فيها الزواج: ظلم وحرام شرعًا    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    الكرملين: محادثات بوتين وشي جين بينج في موسكو ستكون مطولة ومتعددة الصيغ    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    اليوم.. «محامين المنيا» تعلن الإضراب عن محاكم الاستئناف رفضًا لرسوم التقاضي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حينما كرّم الرئيس الطبيب البطل محمود سامى قنيبر
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 04 - 2025

أحكى اليوم عن قصة من قصص بطولات وتضحيات هذا الشعب العظيم المكافح. أحكى عن تضحيات الناس العادية أبناء النيل الذين يخدمون وطنهم بلا شعارات ولا أغراض، ولكن بأفعال حقيقية تعبر عن الوفاء والاستعداد للتضحية من أجلنا جميعا، من أجل مصر وشعبها الكريم!
بطل قصتنا اليوم شاب ناجح ومكافح من محافظة كفر الشيخ، تخرج من طب القصر العينى، وتخصص فى أمراض الباطنة والحميات، تزوج لمدة 11 عاما دون إنجاب، ولكن أذن الله له أخيرا بنعمة الأولاد، فأكرمه بطفله الذى أسماه يحيى والذى فرح كثيرا لمولده، لكن لم يمهله القدر وقتا كافيا للتمتع بالنظر بمولده الذى طال انتظاره، إذ ضرب وباء كورونا مصر كما ضرب العالم كله ليزلزل أقوى اقتصاديات العالم ويتحدى أكثر الأنظمة الصحية تطورا فى العالم.
تم استدعاء العديد من الأطباء فى جميع أنحاء مصر من أجل نداء الواجب، من أجل مواجهة هذا الوحش غير المرئى، لكن لم يكن منهم صاحب قصتنا الدكتور محمود سامى قنيبر، حيث حصل د. محمود والذى كان وقتها يعمل كطبيب فى مستشفى حميات كفر الشيخ على استثناء بسبب إصابته بمرض مناعى نادر وبسبب أيضا وجود طفل رضيع قد ولد لتوه فى منزل د. محمود!
لكن وعلى عكس المتوقع، ذهب د. محمود إلى المسئولين محتجا على استبعاده ومطالبا أن يتطوع ليعمل فى مستشفيات العزل بالمحافظة! تعجب المسئولون من هذا الموقف، لدرجة أن الطبيب المسئول عن توزيع الأطباء على مستشفيات العزل بالمحافظة اعتقد أن د. محمود يمر بأزمة مالية وفى حاجة للمال ومن أجل ذلك يحتج على استبعاده، عارضا بشكل كريم مساعدته إن كان يمر بأزمة مالية دون أن يقوم بتوزيعه على مستشفيات العزل، لكن أكد له البطل صاحب قصتنا أنه بالفعل يرغب فى التطوع بسبب علمه بالظروف الصعبة فى هذه المستشفيات، وكذلك لعلمه بأن قلة من الأطباء تحاول تجنب الذهاب لمستشفيات العزل إما بسبب الخوف على أسرهم أو لأسباب أخرى قد يكون بعضها سياسيا، وأمام إلحاح بطلنا تم الاستجابة لطلبه وتم توزيعه للخدمة فى مستشفى العزل بمدينة بلطيم، ليترك طفله يحيى بعد عشرة أيام فقط من الولادة، ويصل إلى مستشفى بلطيم يوم الجمعة 2 مايو عام 2020 ويبدأ فى ممارسة عمله على الفور.
• • •
بعد أسبوع واحد فقط من وجوده بالمستشفى، جاء يوم الجمعة 9 مايو وكان هناك ضغط عمل شديد بسبب تحويل بعض الحالات الخطرة من حميات العباسية وإمبابة بالقاهرة إلى بلطيم، حكى لى د. محمود كيف كان يوم العمل هذا مرهقا للغاية وخاصة وأن ذلك كان فى أيام الشهر الكريم وكان يعمل وهو صائم، فشعر بتعب شديد قبل الإفطار بعدة ساعات، فعاد إلى مقر سكن الأطباء بالقرب من المستشفى ليدخل فى نوبة دوار وصداع وهزال شديد، فخلد إلى النوم قليلا ليوقظه الطبيب الذى كان يقيم معه فى السكن لتناول الإفطار، إلا أنه ظل يعانى من تعب شديد حتى تم نقله إلى مستشفى الصدر فى كفر الشيخ هذه الليلة ليستيقظ فى اليوم الثانى 10 مايو ليجد نفسه فى ظلام دامس!
يقول دكتور محمود الذى أعرفه كصديق ومتابع شخصى لمقالاتى المتواضعة فى جريدة الشروق منذ عام 2012 فى مكالمة تليفونية معى، أنه اعتقد أن هذا هو الموت! فقد أخذ يستذكر بصعوبة ما حدث فى اليوم السابق، واستنتج أنه ميت لأن الدنيا ظلام دامس رغم أنه يسمع بعض الأصوات من بعيد، لكن بعد دقائق، اكتشف الحقيقة المرة، لقد فقد بصره بسبب العدوى، نعم لم يكن هذا كابوسا ولا موتا، ولكنها حقيقة!
بعد رحلة إلى عدة مستشفيات استقر به الحال فى المركز الطبى العالمى الذى أبلغه الأطباء المتخصصون به بأن عصب البصر قد تدمر تماما فى عينه اليسرى وبنسبة 90٪ فى عينه اليمنى وأن الأمل فى عودة الإبصار شبه مستحيل! عاش د. محمود أياما صعبة وعاد أخيرا إلى بيته ليسمع ابنه يحيى دون أن يكون قادرا على رؤيته، فلم يمهله القدر سوى عدة أيام لرؤية الطفل بعد ولادته، ثم كان ما كان!
تعرض د. محمود لأيام عصيبة ولولا وقوف زوجته وأقاربه وأصدقائه معه لكان انتحر، وقد فكرا جديا فى ذلك، ولكن ألهمه الله الصبر على الابتلاء وشعر أنه يجب ألا يستسلم من أجل صغيره الرضيع!
• • •
كانت مكافأة صبره أن رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى وبعد أن علم بقصته، طلب فورا مقابلة د. محمود ليكرمه فى احتفال كبير فى مارس عام 2021! يقول بطلنا إن سعادة غامرة انتابته لأنه شعر أن رأس الدولة المصرية ورمزها يكرمه مما أشعر طبيبنا بأن نظره لم يذهب هباء! سأل الرئيس السيسى د. محمود أثناء التكريم، عما يريده، فأجاب بأنه يكفى ما لدى الرئيس من مسئوليات، فطالبه الرئيس ثانية بأن يطلب ما يريد، يقول دكتور محمود شعرت أن حب الرئيس وتقديره لى من القلب فكررت بأننى لا أريد شيئا، ولكن أصر الرئيس الذى فى النهاية أعطى توجيهات واضحة لوزارة الصحة ولكل الجهات المسئولة بتوفير عمل يلائم ظروف د. محمود الصحية الجديدة بالإضافة إلى توفير معاش أو مبلغ شهرى يليق به، كما كانت توجيهات الرئيس واضحة بحصول د. محمود على أى تدريبات مناسبة ليعمل فى مجال جديد.
ترك لقاء الرئيس وحفاوته وتواضعه وحرصه على إعطاء بطلنا دفعة لبداية مرحلة جديدة فى الحياة أملا كبيرا لديه، وبعد انتهاء التكريم، اهتم المسئولون بالفعل فى وزارة الصحة وفى محافظة كفر الشيخ وأعطوه الكثير من الوعود منها المعاش الشهرى، ومنها تعيينه فى إدارة المشاركة المجتمعية فى ديوان وزارة الصحة بالإضافة إلى هاتف ذكى متخصص لمساعدة المكفوفين على الكتابة ليلائم عمله الجديد، مع توفير منحة تعليمية فى الجامعة الأمريكية لدراسة إدارة الأعمال أو الإعلام، وقد اختار بطلنا الإعلام، كما وعدته المحافظة بشقة بإيجار رمزى.
بسبب التعقيدات البيروقراطية من ناحية، وحدوث بعض التغييرات الوزارية من ناحية أخرى، تباطأ المسئولون فى تنفيذ توجيهات الرئيس، وبدأ ينتاب بطلنا الشعور باليأس مجددا، كما بدأ يشعر بنوبات هلع متعددة، حاول بمساعدة الأصدقاء المخلصين البحث عن تخصص طبى مختلف قد يساعده على العمل فى ظل ظروفه الصحية الجديدة، فقد حاول فتح عيادة خاصة ليساعده فيها طبيب حديث التخرج لكن تعثر المشروع لأسباب لوجستية ومادية، فحاول فى أكثر من تخصص آخر لكن للأسف كان من الصعب لطبيب غير مبصر أن يمارس عمله فيها بطريقة سليمة، فتملك الإحباط مجددا من بطلنا، قبل أن تنفتح فرص جديدة أمامه عندما استضافه الإعلامى الراحل المرحوم وائل الإبراشى فى برنامجه، وفى نفس الوقت وبالجهود الذاتية تعلم د. محمود الكتابة باستخدام برامج مخصصة للمكفوفين على الهواتف الذكية، ونتيجة لعودة الأضواء مجددا لحالة ووضع د. محمود فقد تم أخيرا تنفيذ بعض توجيهات الرئيس، فحصل بطلنا على شقة بإيجار رمزى، كما حصل على معاش شهرى، لكن لم توفر له وزارة الصحة بعد عملا فى الديوان كما تم وعده، ولم يحصل على أى منح تعليمية أو تدريبية لتؤهله للعمل الجديد المنتظر!
• • •
يقول د. محمود إنه يحب وطنه ولا يمكن أبدا أن يكفر بهذا الوطن، كما يقول إنه يريد لابنه أن يكبر وهو محب للوطن، لكن فى نفس الوقت فإن الحصول على المعاش غير كاف وخصوصا وهو يجلس فى المنزل بلا أى عمل! يقول بشكل مؤثر إنه لا يريد أن ينتهى به الأمر فيما أسماه «قهوة الرجال المنسيين» حيث أصبح عاطلا بلا عمل ولا تدريب وبمعاش بسيط يكفل بالكاد احتياجاته، صحيح أنه فقد بصره، لكنه لم يفقد أبدا طاقته ولا شغفه!
يقول بطلنا إنه لا يريد أبدا اختصام المسئولين فى الوزارة أو المحافظة أو فى أى مكان، ولكنه يأمل أن يقوموا فقط بتنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية، فلا يمكن لرئيس دولة أمام كل مسئولياته الجسيمة فيما يخص الملفات الداخلية والخارجية للبلاد أن يتابع إجراءات بيروقراطية! فلديه من الحمل ما يكفى، كل ما يأمله طبيبنا العظيم أن يحصل على العمل فى ديوان الوزارة أو مكان آخر يناسب وضعه الصحى وخصوصا وأن نسبة ال 5٪ المنصوص عليها دستوريا والخاصة بأصحاب الهمم تنطبق عليه، كما يأمل أن يحصل على المنحة التعليمية التى وعده بها المسئولون فى وزارة الصحة، لأنه يأمل فى العمل فى مجال الإعلام والعلاقات العامة.
• • •
هل ما يطلبه بطلنا كثير؟ لا أظن أبدا وأنتظر من المسئولين فى وزارة الصحة أو نوابنا فى مجلسى الشعب والشيوخ أو رجال أعمالنا الوطنيين وما أكثرهم أن يلتفتوا لقصة ومطالب د. محمود سامى قنيبر فهذا أقل واجب نقدمه لبطل ضحى من أجل وطنه!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.