لم تكن البداية مطمئنة بأى حال من الأحوال، فقد اختارت إدارة مهرجان كان السينمائى أن تكون ضربة البداية لعروض المسابقة الرسمية من خلال الفيلم الفرنسى «جولة» أو (Tournee) للمخرج الفرنسى «ماتيو آمالريك»، الذى شارك أيضا فى كتابته ولعب بطولته إلى جانب عدد من الفتيات اللاتى يلعبن أدوارهن الحقيقية فى الحياة. بدأ المهرجان بهذا الفيلم الذى لاقى تحية ضعيفة جدا من الحضور بعد انتهاء عرضه قد يكون من ورائه حكمة من إدارة المهرجان فلربما أرادوا التخلص منه فى البدايات الأولى للدورة وإفساح المجال للأفلام الأكثر قوة. تلك مجرد أمنية خرجت منها بعد انتهائى من مشاهدة الفيلم ممنيا نفسى بأن يكون التدرج فى مستوى قوة الأفلام هو معيار ترتيب عرضها فى الدورة. يدور الفيلم حول منتج فنى فرنسى يعيش بين فرنسا والولايات المتحدة يقوم باصطحاب فرقة أمريكية تقدم فن «البريليسك الجديد» فى جولة فنية بعدة مدن فرنسية. وللتوضيح فهذا الفن ليس سوى رقص تعرى يُقدم فى صورة استعراضات موسيقية وتابلوهات فنية يغلب عليها الجانب الجمالى أكثر من الإثارة الجنسية. الفيلم يخلط بين الوثائقى والروائى، حيث تم اختيار فرقة أمريكية حقيقية تقدم هذا الفن وتم تنظيم حفلات حقيقية لها بحضور جمهور مهتم بهذه العروض بعدة مدن فرنسية صغيرة وتم تصوير هذه الحفلات وردود فعل الجمهور، بالإضافة إلى تصوير حياة فتيات الفريق الأمريكى داخل الفنادق المختلفة التى أقمن بها فعليا خلال تلك الجولة. تم دمج هذا كله بخط درامى ضعيف ورتيب يدور حول مشكلات المنتج الفرنسى فى إيجاد مسرح بباريس لاستقبال حفلة أخرى للفريق الأمريكى ليوفى بوعده لهن بزيارة العاصمة الفرنسية. ويتضح من هنا الخلافات العديدة للمنتج (بطل الفيلم) مع معظم مالكى المسارح بسبب شخصيته الكريهة. الجانب الإنسانى لهذا المنتج يظهر فى علاقته بطفليه الصغيرين اللذين يعيشان مع والدتهما بعد انفصالها عن والدهما واستغلال الوالد لزيارة العمل هذه لوطنه الأم لقضاء وقت مع ابنيه حتى ولو كان هذا الوقت فى كباريهات ومسارح باريس وحتى لو أدى انشغاله الشديد بتلبية حاجات الفريق والعرض إلى فقد أحد الأبناء للطريق فى أثناء انشغال والده وقضاء الليلة فى قسم البوليس بعد العثور عليه تائها دون حمله لتحقيق شخصية. الفيلم بصفة عامة تائه المعالم فلم يستغل الإبهار الذى كان يمكن إخراجه من هذه الاستعراضات الفنية بشكل كافٍ، كما أنه لم يقدم بناء دراميا ممتعا يكسر القالب الوثائقى الجامد المسيطر. ربما كان أصدق ما خرجت به فى أثناء مشاهدتى لفيلم «جولة»، السؤال الذى طرحته إحدى فريق «البريليسك» على المنتج فى نهاية العمل وهى توبخه «ما الذى جاء بنا هنا؟ أنحن بفرنسا من أجل العرض أم لكى تلتقى بأبنائك».. فمع نهاية العرض وجدتنى أتوجه بنفس هذا السؤال وبنفس صيغة التوبيخ ولكن إلى الفيلم نفسه «ما الذى جاء بك هنا؟.. إلى المسابقة الرسمية ل«كان». لماذا «بيرلسكونى»؟ من حسن الحظ أن صباح اليوم التالى الخميس شهد عرض فيلم آخر عن التعرى أيضا ولكن ليس التعرى الجسدى بقدر ما هو التعرية السياسية والفضح للفساد. ففى إطار قسم «عروض خاصة» عرض الفيلم الإيطالى المثير للجدل «دراكيلا إيطاليا ترتجف» (أوDraquila - Italy Trembles ) للمخرجة «سابينا جوزانتى». الفيلم مصنوع على شاكلة أفلام المخرج الأمريكى «مايكل مور» فهو ذو طابع وثائقى ساخر يحقق فى الفظائع التى ترتكبها الحكومات فى حقوق شعوبها وتفضح تلك الممارسات بلقاءات مع الضحايا وتركيز الضوء على سقطات المسئولين. يتناول الفيلم الكوارث التى ارتكبها رئيس الوزراء الإيطالى «سيلفيو بيرلسكونى» وحكومته بعد الزلزال الذى ضرب مدينة «لاكويلا» الإيطالية عام 2009 وتتساءل مخرجة العمل عن سبب اختيار هذا الرجل لتولى مسئولية حكم إيطاليا واستمراره فى هذا المنصب رغم خطاياه المتكررة. مدينة تحت الحصار الفيلم ينتقل بسلاسة بين مختلف المصائب التى ارتكبتها تلك الحكومة بدءا من إعلان هذه المدينة الإيطالية منطقة مهجورة وتهجير جميع ساكنيها جبريا إلى مخيمات شبه عسكرية أو إلى فنادق معزولة مع تقييد حركة هؤلاء المنكوبين ومنع وصول وسائل الإعلام إليهم والاستماع لشكواهم. ويوضح الفيلم استغلال «بيرلسكونى» لهذه الأزمة فى تحقيق مكاسب مالية كبيرة ببناء مدينة معمارية جديدة بدلا من المنازل التى أصيبت بأضرار من جراء الزلزال وذلك بتكلفة مالية مغالى فيها، ورغم إمكانية إصلاح الكثير من تلك البنايات المصابة. ويتهم الفيلم الحكومة الإيطالية بانتهاك جميع القوانين باستغلال هذه الكارثة الطبيعية من أجل إحكام سلطاتها المطلقة على إيطاليا وجعل البلد ملكا خاصا ل«بيرلسكونى»، وذلك بإعطاء سلطة الحماية المدنية الإيطالية حرية كبيرة فى التصرف فى مصير المواطنين فى ظل هذه الأزمة ثم التمادى بتغيير الدستور للسماح بسلطة الحماية المدنية باتخاذ تدابير ضد القوانين العامة للبلاد ليس فقط فى حالة وجود كارثة طارئة ولكن عند وجود أى حدث كبير، دون إعطاء تفسير واضح بطبيعة الحال لمعنى الأحداث الكبيرة. تغيير استغلته الحكومة الإيطالية على أكمل وجه بحيث أصبحت الحماية المدنية مسئولة مسئولية كاملة إن أرادت عن أى تظاهرة تحدث بالبلاد. تناول الفيلم هذا الفساد بشكل به جانب كبير من الموضوعية (التى ربما تفتقدها كثيرا أفلام مايكل موور) فقد حرصت المخرجة على عرض أراء بعض المواطنين الذين تحمسوا فى وقت ما إلى سياسات «بيرلسكونى» المعالجة لكارثة الزلزال ظنا منهم بأن تلك التدابير فى صالح المواطن. ولكن ولتأكيد سذاجة هذا الاعتقاد الخاطئ لهم حرصت المخرجة على الالتقاء بنفس هؤلاء المخدوعين مرة أخرى بعد مرور فترة من الزمن وانكشاف مخطط الحكومة الإيطالية وخداعهم لهؤلاء البسطاء لتجد أن رؤيتهم قد اختلفت تماما. «سابينا» ركزت أيضا على كشف الصلة المريبة التى تربط بين «بيرلسكونى» والمافيا الإيطالية فى محاولة لفهم كيفية تكوين رئيس الوزراء الإيطالى لثورته المتضخمة، كما قامت بفضح استهتار الحكومة الإيطالية بحماية أهالى «لاكويلا» من كارثة الزلزال بل عرضت مقاطع لمكالمات هاتفية بين أعضاء الحكومة يسخرون من تلك الكارثة ويطلبون عدم تعجل إنقاذ الضحايا لما فيه من مصلحة اقتصادية لهم.