باسل رحمي: جهاز تنمية المشروعات يحرص على إعداد جيل واعد من صغار رواد الأعمال وتشجيع المبتكرين منهم    عاجل- مدبولي يستقل الأتوبيس الترددي لمتابعة التشغيل التجريبي للمرحلة الأولى    السكك الحديدية: تأخر القطارات على بعض الخطوط لإجراء أعمال تطوير في إطار المشروعات القومية    عاجل - السيسي يصل بغداد للمشاركة في القمة العربية ال34 ويستعد لإلقاء كلمة مصر    سبع دول أوروبية تطالب إسرائيل برفع الحصار عن غزة    مسئول أممي: الأمم المتحدة لديها القدرة لتقديم المساعدات في غزة    بوتين يدعو إلى أول قمة روسية - عربية أكتوبر المقبل    النصر يفشل في التأهل إلى دوري أبطال آسيا للنخبة    أخبار الطقس في الإمارات.. أجواء حارة ومستقرة وسط سطوع قوي للشمس    ناقدة فنية: عادل إمام حالة استثنائية في تاريخ الفن المصري والعربي    في عيد ميلاده ال85.. كيف غيّر المسرح الجامعي مصير عادل إمام من الزراعة إلى الزعامة؟    غدا.. غلق باب التظلمات بإعلان المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين 5"    الأرجنتين تعلق استيراد الدجاج البرازيلي بعد تفشي إنفلونزا الطيور    مسئول سعودي: برنامج تعزيز الأمن السيبراني لموسم الحج يهدف لتحسين الخدمات لضيوف الرحمن    فيفا يحسم قضية بوبيندزا والزمالك    وزير الري يتابع حالة مجرى نهر النيل وفرعيه وإزالة التعديات    أخبار الحوادث| سيارة ملاكي تقتحم محل ملابس في الدقي وحريق مصنع ب 6 أكتوبر    مصرع شخص وإصابة 16 فى انقلاب سيارة على طريق وصلة أبو سلطان بالإسماعيلية    المدارس تبدأ امتحانات نهاية العام فى المواد غير المضافة لصفوف النقل    السكة الحديد تعلن مواعيد إتاحة حجز تذاكر قطارات عيد الأضحى    المرور اليوم.. سيولة مرورية بالقاهرة والجيزة    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية في شمال سيناء    ترامب: اتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان منع اندلاع حرب نووية    وزير الثقافة يعلن فتح المتاحف مجانا للجمهور احتفاءً باليوم العالمي للمتاحف    متحدث "الحكومة العراقية": القمم العربية أصبحت منصة لتقريب وجهات النظر    دار الإفتاء المصرية: الأضحية شعيرة ولا يمكن استبدالها بالصدقات    متحدث "الحكومة العراقية": القمم العربية أصبحت منصة لتقريب وجهات النظر ومواجهة الانقسامات    الرعاية الصحية تعلن نجاح استئصال ورم ضخم بالوجه والفك بمجمع الإسماعيلية الطبى    قصر العينى تحتفل بمرور 80 عاما على تأسيس قسم جراحة المسالك    اليوم.. نظر محاكمة 37 متهما ب"خلية التجمع"    "فن وإبداع".. معرض فني نتاج ورش قصور الثقافة بالمنيا    اللقب مصرى.. مصطفى عسل يتأهل لمواجهة على فرج فى نهائي بطولة العالم للاسكواش    محام: أحكام الشريعة الإسلامية تسري على المسيحيين في هذه الحالة    مستقبل وطن المنيا يُطلق مبادرة "طلاب فائقين من أجل مصر".. صور    نقيب العلاج الطبيعي: إحالة خريجي التربية الرياضية للنيابة حال ممارسة الطب    اليوم، انقطاع مياه الشرب عن مدينة الفيوم بالكامل لمدة 6 ساعات    قافلة دعوية ل«الأزهر» و«الأوقاف» و«الإفتاء» إلى شمال سيناء    أزمة «محمود وبوسي» تُجدد الجدل حول «الطلاق الشفهي»    مقتل عنصر أمن خلال محاولة اقتحام لمقر الحكومة الليبية في طرابلس    بقصة شعر جديدة، كاظم الساهر يحيي اليوم حفل دبي والإعلان عن عرض ثان بعد نفاد التذاكر    اليوم.. نظر استئناف سيدة وعشيقها في اتهامهما بقتل زوجها بالبدرشين    وزير التعليم العالى يستقبل الجراح العالمى مجدى يعقوب    «المشاط» أمام «الأوروبى لإعادة الإعمار»: ملتزمون بإفساح المجال للقطاع الخاص    اجتماع لحزب الاتحاد في سوهاج استعدادا للاستحقاقات الدستورية المقبلة    «ماحدش يقرب من الأهلي».. تعليق غاضب من عمرو أديب بعد قرار التظلمات    حزب الجيل: توجيهات السيسي بتطوير التعليم تُعزز من جودة حياة المواطن    وليد دعبس: مواجهة مودرن سبورت للإسماعيلي كانت مصيرية    ترامب يهاجم المحكمة العليا.. لن تسمح لنا بإخراج المجرمين    غزل المحلة يطيح ب بابافاسيليو بعد ربعاية الجونة في الدوري    شقيقة سعاد حسني ترد على خطاب عبد الحليم حافظ وتكشف مفاجأة    ما حكم من مات غنيا ولم يؤد فريضة الحج؟.. الإفتاء توضح    جوميز: شعرنا بأن هناك من سرق تعبنا أمام الهلال    "موديز" تخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة إلى AA1 مع نظرة مستقبلية مستقرة    أموريم: شيء واحد كان ينقصنا أمام تشيلسي.. وهذه خطة نهائي الدوري الأوروبي    رئيسا «المحطات النووية» و«آتوم ستروي إكسبورت» يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    انطلاق الدورة الثانية لمهرجان SITFY-POLAND للمونودراما    قبل الامتحانات.. 5 خطوات فعالة لتنظيم مذاكرتك والتفوق في الامتحانات: «تغلب على التوتر»    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لا نُنْجِب مثيلًا للشَيْخ محمد عبده؟
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 05 - 2010

أعود للتفكير بين الحين والآخر، فى أسباب التدهور الذى أصاب الخطاب الدينى فى مصر. فكلما قابلت مثلا من أمثلة التفسير اللا عقلانى للدين (أى تفسير لا يمكن أن يقبله العقل)، أدق أمثلة السلوك الذى يتناقض مع ظاهرة الورع مع باطنه اللا أخلاقى، أو التمسك بالشكل على حساب الجوهر،
وإبراء الثقة بالقيام بما يطلبه الدين من الشعائر المادية مع إهمال ما يطلبه الدين من فضائل الخلق، أعود إلى التساؤل: لماذا كان لدينا منذ أكثر من قرن من الزمان، داعية دينى عظيم هو الشيخ محمد عبده، كان يؤكد على العكس بالضبط، فيجعل اتباع المبادئ الأخلاقية التى يحض عليها الدين فى منزلة أعلى من القيام بالشعائر المادية، ولا يستطيع عصرنا هذا أن ينتج رجلا مثله، أو حتى يقاربه فى الحكمة والترفع عن الصغائر، وفى التفسير الرشيد للدين؟
عدت أقرأ فى بعض كتاباته فوجدت من بينها الفقرة التالية:
«إن المسلمين ضيّعوا دينهم، واشتغلوا بالألفاظ وخدمتها، وتركوا كل ما فيه من المحاسن والفضائل».. قالوا: «النية فى الصلاة، أن يقصد الإنسان فعل هذه الصلاة دون غيرها»، وفسّروا قوله صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات» بهذا. وإنما قصد الفعل عند مباشرته طبيعى، فإننى إذا قمت أمشى، لا أقصد بمشيى القعود.. وحاشى لله أن تفرض الشريعة الحكيمة هذا، وتجعل عليه مدار الأعمال والعبادات.. المراد بالنية فى الحديث، قصد المرء وغرضه من فعله، وهو إما وجه الله وابتغاء مرضاته «وهو النية الصحيحة» وإما غرض آخر كالرياء...» (الجزء الثالث من الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده، تحقيق محمد عمارة، دار الشروق، 1993، ص212).
تابعت القراءة، فإذا بى أجد فى كتابات الشيخ محمد عبده ومواقفه مثالا بعد آخر لقلة اهتمامه بالشكليات، ونفاذه مباشرة إلى ما يتعلق بالأخلاق. فالمهم عنده هو نظافة القلب قبل أى شىء آخر. قرأت مثلا حوارا طريفا دار بينه وبين تلميذه الموهوب الشيخ رشيد رضا، ويتعلق بحادثة زواج الشيخ على يوسف، وهى الحادثة التى شغلت الرأى العام بأسره فى مصر فى مطلع القرن الماضى.
كانت المشكلة أن الشيخ على يوسف، وهو رجل مرموق فى الصحافة والسياسة، وصاحب جريدة المؤيد، تزوج من صفية بنت الشيخ السادات، وكانت قد بلغت سن الرشد، ولكنها تزوجت دون رضاء أبيها، واعترض أبوها على الزواج، ورفع قضية بطلب فسخ عقد الزواج على أساس عدم كفاءة الزوج للزوجة، إذ يدعى الأب أن ابنته مثله شريفة من نسل النبى، والزوج ليس كذلك.
صدر الحكم بفسخ عقد الزواج على أساس عدم كفاءة الزوج، ذهب الشيخ رشيد رضا إلى أستاذه الشيخ محمد عبده وقال له إن على يوسف «غاضب منك لاعتقاده انك السبب فى صدور هذا الحكم بعدم كفاءته، لأنك صديق للقاضى الذى أصدره». كان رد الشيخ محمد عبده: «أنت تعلم أننى موافق لك فيما كتبت (أى أنه يوافق على خطأ الحكم بالتفريق بين الزوجين على أساس عدم الكفاءة»... وأما رأيى فى الشيخ على والسادات، فى شخصهما، فهو أنهما كفؤان، لكن فى الخسّة لا فى الشرف!» (137).
لفت نظرى فى هذا الحديث ليس فقط هذه الجرأة من جانب الشيخ محمد عبده فى التعبير عما يعتقده، ولكن أيضا تجاوزه للأمور الشكلية ونفاذه مباشرة إلى التقييم الأخلاقى. فالمهم ليس نسبك أو أصلك، ولكن المهم هو أخلاقك.
تصادف أن قرأت فى نفس الأسبوع مقالا رائعا فى جريدة «الشروق» لأستاذ قدير هو الدكتور رشيد العنانى، أستاذ الأدب العربى فى جامعة إكستر البريطانية، وصاحب كتابين مهمين عن أدب نجيب محفوظ، حصلا على ثناء الأستاذ نجيب نفسه ورضاه.
كان موضوع المقال الكاتبة الشهيرة مى زيادة (1886 1941)، والتى وصفها بحق «بالكاتبة اللبنانية المصرية»، إذ إنها لبنانية مسيحية بحكم المولد، ومصرية بحكم المناخ الثقافى الذى تأثرت به وأثرت فيه كان هذا فى العقود الأولى من القرن الماضى، أى تلك الفترة الزاهرة من تاريخ مصر الثقافى والتى لمعت فيها أسماء مبهرة، منها الشيخ محمد عبده نفسه، ومنها قاسم أمين ولطفى السيد وطه حسين وعباس العقاد... إلخ.
كتب الدكتور العنانى هذا المقال بمناسبة ظهور كتاب (عن دار نوفل اللبنانية) بعنوان (مى زيادة كتابات منسية) ويقع المجلد فى نحو ألف صفحة، ويضم 170 مقالة للآنسة مى (وهو الاسم الذى اشتهرت به فى مصر)، نشرت لأول مرة فى مطبوعات مصرية كالأهرام والسياسة الأسبوعية، وقامت بجمعها باحثة ومستغربة ألمانية عكفت لمدة عشر سنوات على دراسة كل كلمة كتبتها مى زيادة أو كتبت عنها.
يقول الدكتور رشيد العنانى إن تصفح هذا المجلد أثار فى نفسه المواجع والأحزان، وبعض هذه الأحزان يرجع إلى المقارنة بين ما كان عليه الخطاب الدينى منذ مائة عام فى مصر، وما أصبح عليه الآن. ويقتطف هذه الفقرة الجميلة من مقال للآنسة مى عن العلاقة بين الطوائف الدينية:
«الدين أيها السادة والسيدات، لا أختاره أنا ولا تختارونه أنتم. إننا نولد فى دين من الأيان كما يولد الواحد منا أشقر أو أسمر، طويل القامة أو قصيرها. فما قولكم فى مقاتلة أشقر اللون لجاره لأنه حنطى البشرة، قاتم العينين؟ خصومة كهذه تضحكنا وتفكهنا. وليست الخصومات الدينية دون هذه فى التفكهة وإثارة الضحك عند العقلاء».
ثم تصف فى مقالة نشرت فى جريدة الأهرام (بتاريخ 24/6/1928) زيارة قامت بها لمسجدى الرفاعى وإبراهيم أغا، فاختلط فى سمعها، صوت الأذان، بصوت أجراس الكنيسة، فتقول:
«يا صوت المؤذن، يا صوت طفولتى، طالما أيقظتنى فى البكور وأشجيتنى عند العشية.. لقد كنت أول ما انطبع فى قلبى من آيات الطرب والجمال. فى الصباح والمساء كانت تنضم إليك النواقيس الشادية، تسبح هى من ناحيتها بحمد الذى تُعَظّم أنت اسمه من ناحيتك، فتمضيان على أجنحة النسيم معربين عن عاطفة واحدة وعبادة مُثلى: عبادة الذى لا يُعبد سواه».
سألت نفسى من جديد: ما سر التدهور الذى أصاب الخطاب الدينى خلال المائة عام الماضية؟ ولم أشعر بالارتياح إلا للتفسير الآتى: النمو المذهل فى إعداد أنصاف المتعلمين. كان الشيخ محمد عبده، وكذلك الآنسة مى، يكتبان فى مجتمع ينقسم إلى أقلية صغيرة جدا من المتعلمين (ولكنهم متعلمون تعليما راقيا)، وغالبية عظمى من الأميين (ولكنهم أميون يعرفون قدر أنفسهم)، لا مطامح لهم، وليس لديهم أيضا أى ادعاءات بغير الحقيقة).
كان أفراد هذه الأقلية الصغيرة المتعلمة تعليما راقيا، يخاطبون بعضهم البعض، فيتكلمون كلاما راقيا ومتحضرا، والباقون صامتون لا يحدثون ضجيجا ولا يشوشرون. الآن لدينا ملايين من أنصاف المتعلمين الذين يمارسون إرهابا لاشك فيه ضد المثقفين والأميين على السواء. وهم الذين يسيطرون الآن على الخطاب الدينى ويطبعونه بطابعهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.