شاب من مركز "قوص بقنا" يُعلن اعتناقه الإسلام: "قراري نابع من قناعة تامة وأشعر براحة لم أعرفها من قبل"    جهاز تنمية المشروعات يمد معرض تراثنا حتي السبت 20 ديسمبر    القبض على التيك توكر نورهان حفظي لتنفيذ عقوبة الحبس    تحرش لفظي بإعلامية يتسبب في وقوع حادث تصادم بالطريق الصحراوي في الجيزة    محافظ المنيا يعلن افتتاح 4 مساجد في 4 مراكز ضمن خطة وزارة الأوقاف لتطوير بيوت الله    فظللت أستغفر الله منها ثلاثين سنة.. موضوع خطبة الجمعة اليوم بمساجد الجمهورية    هدير الحضري: فوزي بجائزة مراسلي الأمم المتحدة لقضايا المناخ نقطة أمل ورسالة تشجيع    لقاء السحاب بين أم كلثوم وعبد الوهاب فى الأوبرا    عبدالعاطي: نسعى مع شركاء اتفاق السلام في غزة إلى الانتقال للمرحلة الثانية بأقرب وقت    ترامب يترك خيار الحرب مع فنزويلا مطروحاً على الطاولة    الأردن يرحب بإلغاء عقوبات "قيصر" ويؤكد دعمه لجهود إعادة البناء في سوريا    الإصابة تبعد حسام عوار عن منتخب الجزائر في أمم أفريقيا وعبدلي يعوض غيابه    جوارديولا يعلن غياب 4 لاعبين عن السيتي أمام وست هام    اكتمال النصاب القانوني للجمعية العمومية لنادي الجزيرة    10 يناير موعد الإعلان عن نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025    رئيس الوزراء: مصر ستبقى إلى جانب لبنان في مسيرتها نحو التعافي والاستقرار    تحرير 1079 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    الداخلية توضح حقيقة السير عكس الاتجاه بطريق قنا - الأقصر الغربي    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ووزيرة التنمية المحلية ومحافظ سوهاج يتفقدون ممشى كورنيش النيل    لقاء أدبي بفرع ثقافة الإسماعيلية حول أسس كتابة القصة القصيرة    وائل كفوري يمر بلحظات رعب بعد عطل مفاجى في طائرته    المهندس أشرف الجزايرلي: 12 مليار دولار صادرات أغذية متوقعة بنهاية 2025    وزير الصحة يلتقي الأطباء وأطقم التمريض المصريين العاملين في ليبيا    الصحة: تنفيذ برنامج تدريبي لرفع كفاءة فرق مكافحة العدوى بمستشفيات ومراكز الصحة النفسية    لمربي الثروة الحيوانية والداجنة .. 20 توصية لمواجهة التقلبات الجوية الباردة    انطلاق مبادرة لياقة بدنية في مراكز شباب دمياط    بوتين لزيلينسكي: ما دمت على عتبة الباب لماذا لا تدخل؟ الرئيس الروسي يسخر من نظيره الأوكراني    جامعة عين شمس تواصل دعم الصناعة الوطنية من خلال معرض الشركات المصرية    عماد أبو غازي: «أرشيف الظل» ضرورة بحثية فرضتها قيود الوثائق الرسمية.. واستضافة الشيخ إمام في آداب القاهرة 1968 غيرت مساره الجماهيري    توصيات ندوة أكاديمية الشرطة حول الدور التكاملي لمؤسسات الدولة في مواجهة الأزمات والكوارث    حماس: محادثات ميامي لن تفضي لوقف خروقات إسرائيل للهدنة    يبدأ رسميًا 21 ديسمبر.. الأرصاد تكشف ملامح شتاء 2025 في مصر    "تموين المنوفية" يضبط 70 ألف بيضة فاسدة قبل طرحها بالأسواق في السادات    النتائج المبدئية للحصر العددي لأصوات الناخبين في جولة الإعادة بدوائر كفر الشيخ الأربعة    نيجيريا الأعلى وتونس وصيفًا.. القيمة التسويقية لمنتخبات المجموعة الثالثة بأمم إفريقيا 2025    أحمد شيبة ينتهي من تسجيل أغنية جديدة لطرحها في رأس السنة    ندوة تناقش 3 تجارب سينمائية ضمن مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    عبد الغفار يبحث مع وزير الصحة الموريتاني نقل التجربة المصرية في التأمين الشامل    فضل قراءة سورة الكهف.....لا تتركها يوم الجمعه وستنعم بالبركات    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابه    نواف سلام: العلاقة بين مصر ولبنان أكثر من تبادل مصالح إنها تكامل في الرؤية وتفاعل في المسار وتاريخ مشترك    سلام: العلاقة بين مصر ولبنان تشمل تفاعلا في المسار واتفاقا في الرؤى    ضبط 20 متهمًا أثاروا الشغب بعد إعلان نتيجة الانتخابات بالإسماعيلية    رئيس هيئة الرعاية الصحية يشهد ختام مشروع منحة FEXTE الفرنسية    وزيرة التخطيط تختتم الحوار المجتمعي حول «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية»    الزمالك في معسكر مغلق اليوم استعداداً للقاء حرس الحدود    اليوم.. الأهلي يواجه الجزيرة في دوري سيدات اليد    "الوزراء": الحكومة تمنح تيسيرات لزيادة عدد الغرف الفندقية وتحويل بعض المنشآت السكنية    وفاة طبيب متأثراً بإصابته إثر طلق ناري أثناء مشاركته بقافلة طبية في قنا    تعرف على مسرحيات مبادرة "100 ليلة عرض" في الإسكندرية    زراعة سوهاج: حملة إزالة فورية للمخلفات الزراعية بقرية الطليحات لمركز جهينة    أطعمة تقوي المناعة.. كيف يساعد الغذاء الجسم على مواجهة الإنفلونزا؟    الدفاع الروسية: قواتنا سيطرت على 4 بلدات أوكرانية خلال الأيام الماضية    الداخلية تضبط 20 شخصا من أنصار مرشحين بسبب التشاجر فى الإسماعيلية    أبو الغيط يرحب بانتخاب برهم صالح مفوضًا ساميًا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة    جامعة السوربون تكرم الدكتور الخشت بعد محاضرة تعيد فتح سؤال العقل والعلم    المنتخب يخوض أولى تدريباته بمدينة أكادير المغربية استعدادا لأمم إفريقيا    هل يجوز للمرأة صلاة الجمعة في المسجد.. توضيح الفقهاء اليوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تخيلات
نشر في الشروق الجديد يوم 06 - 05 - 2010

مع التقدم المذهل فى وسائل التكنولوجيا الحديثة تزداد مساحة العالم التخيلى اتساعا ويكتسب أرضا جديدة فى مجال بعد الآخر. مبررات الدخول إلى هذا العالم كثيرة، منها خفض التكلفة وتقليل درجة المخاطرة، وهذا على سبيل المثال هو المنطق الذى تستند عليه كل تجارب القيادة التخيلية والطيران التخيلى، تلك التجارب التى كان من ثمارها تطورات بحجم أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 حيث تدرب المنفذون فى هذا العالم المفترض.
كذلك فإن العالم التخيلى يسمح بدرجة عالية من المتعة والإثارة يقبل عليها الجيل الجديد الذى يتمرس على قائمة طويلة من الألعاب من نوع ال wiiوالplay station فيغامر بها ومعها ويرتاد من خلالها فضاءات رحبة تعوضه عن ضيق الأوطان وقيودها. والعالم التخيلى يجمع أناسا من كل القارات فيلتقون ويتفاعلون ويعقدون الصفقات وهم فى بلدانهم لم يبارحوها ولا تصافحت أياديهم من قبل.
والعالم التخيلى يمتد أيضا إلى مجال السياسة حيث يظهر فاعلون يصوتون عبر الإنترنت يحركون الجماهير ويملأون الدنيا ويشغلون الناس لكنهم بالنسبة للممسكين بالسلطة كأنهم لا وجود لهم. وهذا هو المعنى الذى عَبّر عنه الدكتور محمد البرادعى عندما وصف وضعه بالنسبة للنظام السياسى المصرى بأنه وضع تخيلى، أى كأن لم يكن.
مَلَكت على كيانى فكرة هذا العالم التخيلى، أو الخائلى كما يحلو للبعض أن يسميه، وأنا أتأمل مليا فيما آل إليه حال إعداد بعض الرسائل العلمية ومناقشتها فى عددٍ من الكليات والجامعات المصرية. دققت فى الأمر من واقع تجربة عمرها يمتد إلى عقود ثلاثة فوجدت أن بعض أطراف هذه الظاهرة باتوا يلعبون أدوارا تخيلية يكون نتاجها الملموس عبارة عن رسالة ماجستير هنا أو رسالة دكتوراه هناك.
أول أطراف هذه الظاهرة هو الطالب نفسه الذى يفترض أنه يعد أطروحة علمية حول موضوع يشغله أو يكون موضع اهتمام عام، لكنه من الناحية الفعلية لا يؤدى هذا الدور بل يتخيل أنه يؤديه.
هو لا يؤديه عندما يختار موضوعا يقل فيه إسهامه بسبب التداخل مع موضوعات أخرى مشابهة، فقط يغير المدة الزمنية فيمدها عاما أو عامين، أو يغير المنهج أو زاوية النظر فيُنسب العمل له وهو ليس كذلك. وهو لا يؤدى دوره لأنه يعتمد فى مادته العلمية على ما تنشره المواقع الإلكترونية من أبحاث فيقوم بعملية قص ولصق تنتج دراسة متكاملة لكنها بلا روح ولا شخصية لأنها فى واقع الأمر تكون عبارة عن تجميع لآراء مختلفة لمؤلفين ذوى اتجاهات مختلفة، ولهذا فإن من الشائع جدا أن تجد فى الرسالة نفسها الرأى ونقيضه أما رأى صاحب الرسالة فلا. هنا أيضا ينسب العمل للباحث مع أنه فى الحقيقة لم يفعل إلا أن أعاد تركيب مفردات الدراسة كما يتم تركيب جزئيات أى لغز أو puzzle.
وفى حالات محدودة قد يكون الباحث ميسور الحال فيلجأ للاستعانة «بصديق» ويعهد إليه بمهمة إعداد الدراسة فيكون هذا الأخير هو الجندى المجهول الذى قد تراه فى قاعة المناقشة جالسا فى الصفوف الخلفية، لكن الشكر لا يوجه إليه فى متن الرسالة ولا تشمله عبارات الإهداء ولا يظهر فى أى كادر مع الطالب ومعارفه.
الطرف الثانى هو الأستاذ نفسه الذى يختاره الطالب عادة لأسباب أبرزها تخصصه فى الموضوع وسمعته العلمية الرفيعة. مثل هذه الفئة من الأساتذة تتشعب ارتباطاتها داخل الحقل الأكاديمى وخارجه فيضيق وقتها عادة عن مهمة الإشراف ثقيلة العبء ضعيفة المردود. ومع ذلك فإن الموضوع قد يغرى الأستاذ كما قد يغريه الوضع الاجتماعى وربما السياسى للطالب نفسه فيقبل الإشراف ويلتحق بالعالم التخيلى. وفى هذه الحالة قد يعهد الأستاذ إلى معيد أو مدرس مساعد بقراءة أطروحة الطالب إما فى صورتها الأولية التى تحتاج جهدا كبيرا لتنقيحها، وإما فى نسخها المتتالية. من جانبه يقوم المعيد بإعداد تقرير مفصل عن الرسالة ويرفعه إلى الأستاذ الذى يتبناه مع بعض إضافات ويُكَون رأيا فى العمل بالسلب أو الإيجاب. وكما كان البحث تخيليا يكون الإشراف على الطالب من النوع نفسه أى تخيلى.
الطرف الثالث والأخير يمثله الحضور الذى يأتى لمشاركة الطالب فرحته فى يوم المناقشة. من المعلوم أن لجنة المناقشة لا تنعقد إلا فى حال الإقرار بصلاحية الرسالة، وهذا يعنى أنه عندما يأتى الأهل والرفاق إلى القاعة فإنهم يكونون مطمئنين فى الحد الأدنى على إجازة رسالة الطالب. لكن واقع الأمر فإنهم لا ينتظرون هذا الحد الأدنى فسلال الورود المنتشرة فى الأرجاء، وكاميرات التصوير والفيديو التى تسجل سكنات الطالب وأعضاء لجنة المناقشة، وعلب الحلوى والعصائر وفى بعض الأحيان الموائد الممتدة خارج القاعة، جميعها مظاهر تستبق النتيجة وتراهن بما يشبه اليقين على الحد الأعلى.
كثير من مداولات لجان المناقشة تشهد جدلا بين أطراف اللجنة عادة ما ينتهى إلى منح التقدير الأفضل. تسود اعتبارات المجاملة، والربط بين تقدير الرسالة وسمعة الأستاذ المشرف وأحيانا أهمية الموضوع أو الجهد المبذول من الطالب فتكون النتيجة هى امتياز أو مرتبة الشرف الأولى.
يتعانق الحضور فى حرارة، وتلمع الدموع فى المآقى، وتبرق فلاشات الكاميرات، وتنتاب الجميع مفاجأة تخيلية وإن تكن النتيجة تسربت مسبقا من الكنترول! بعد شهور تخلو درجة جامعية أو درجة حكومية فيعين فيها صاحب الرسالة ويتخيل أنه يقوم بدور معتبر فى إعداد النشء أو خدمة المواطنين وهو فعليا لا يقوم، وهكذا دواليك.
فى مقدمة بعض الأفلام السينمائية نصادف العبارة التالية «أحداث هذا الفيلم من صنع خيال المؤلف، وكل تشابه فى الأسماء والوقائع هو من قبيل المصادفة البحتة»، وأنا بدورى أقتبس هذه العبارة وأقول إن المقال بأحداثه وأشخاصه محض افتراض أعتذر مسبقا إن كان فيه ما يشبه الواقع أو يماثله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.