لأول وهلة، بدا الأمر مفاجئا ومثيرا للدهشة. بغير مقدمات ظهر وزير التربية والتعليم مع مفتى مصر فى مؤتمر صحفى، وأعلنا عن «انقلاب» فى مناهج التربية الدينية، وفى «البيان الأول» انتقدا المناهج بحجة أن فيها ما يحض على التطرف والعنف، وقالا إن كتابا جديدا عن «الأخلاق» سيدرس للجميع، ويكون مقبولا من جانب مختلف النحل. وإن المناهج الجديدة سيتم العمل بها من العام الدراسى المقبل (20011 2012). كانت تلك هى المفاجأة، أما الدهشة فلها أكثر من وجه. فهذا وزير للتعليم تسلم منصبه منذ أقل من أربعة أشهر، ولا نعرف ماذا أخذ عن أبيه وزير الداخلية الأسبق، لكن ممارساته دللت على وفائه له. وقد عرفنا عن الأب أنه حاد فى التعبير وأنه من أهل الاندفاعات وليس الانقلابات ولذلك استغربنا من الوزير الابن أن يعلن بعد تلك الأشهر القليلة أن مناهج التربية الدينية سوف تتغير من السنة الأولى الابتدائية إلى الثالثة الثانوية ابتداء من العام الدراسى المقبل (هل يضمن البقاء فى منصبه إلى ذلك الأجل؟). من أوجه الدهشة الأخرى أن وزير التعليم خاطب المفتى باعتباره جهة اختصاص فى الموضوع، والرجل له علمه وقبوله وشعبيته لا ريب، لكنه مختص بالافتاء وليس بالتعليم، ثم إنه يتبع وزارة العدل التى لا نعرف لها صلة بالموضوع. ولأن الأزهر هو المؤسسة الدعوية والتعليمية المختصة بالشأن الدينى وله جامعته ومعاهده ومرجعيته المعتبرة، فقد استغربت غيابه عن المشهد. وفسرت ذلك بأحد احتمالين، أحدهما أن تكون للوزير مشكلة مع الأزهر، دفعته لأن يدير ظهره له ويخاطب «عمامة» أخرى، أو أن الأمر التبس عليه وأخطأ فى العنوان، خصوصا أن مبنى مشيخة الأزهر مجاور لدار الإفتاء. لا أخفى أننى استربت فى العملية، إذ ذكرتنى بالحملة الأمريكية على مناهج التعليم الدينى فى أعقاب أحداث الحادى عشر من سبتمبر، التى انطلقت من أن ذلك التعليم يحض على التطرف والعنف والإرهاب. ودعت إلى إعادة تشكيل العقل المسلم، من خلال إعادة النظر فى كتب ومدارس التعليم الدينى وتجديد الخطاب الدينى. وهى الدعوة التى ظاهرها الرحمة. لأن أحدا لا يستطيع أن يعترض على التطوير المنشود، فضلا عن أن مناهج التعليم وكتبه تحتاج بالفعل إلى ذلك التطوير. لكن حين يتحقق ذلك عبر توجيه أو أوامر أمريكية فإن البراءة تنتفى منه على الفور. لا يقل عن ذلك أهمية أن إطلاق دعوة التطوير فى الوقت الراهن يبعث على الشك، لأننا نعيش أجواء، اشتدت فيها حملة رموز الكارهين والمتعصبين التى استهدفت ملاحقة الإسلام ومطاردته فى مظانه المختلفة. من نص المادة الثانية للدستور إلى حضوره فى حياة الناس العاديين، مرورا بمناهج التعليم، التى طالب البعض بحذف الآيات القرآنية منها. وهى الحملة التى ردت على شعار الإسلام هو الحل، بالترويج لشعار يدعى ضمنا أن الإسلام هو المشكلة! حين تحريت الأمر تكشفت الحقيقة. إذ قيل لى إن الوزير أخطأ العنوان حقا، وأن العملية ليست جديدة، ولا علاقة لها بمكافحة التطرف أو العنف. وإنما كانت مأخوذة على محمل الجد منذ عدة سنوات. إذ شكلت لجنة لهذا الغرض برئاسة الدكتور أحمد الطيب (شيخ الأزهر الحالى) حين كان رئيسا لجامعة الأزهر، وكان المفتى الدكتور على جمعة من أعضائها ضمن آخرين من العلماء والباحثين، وقد أنجزت اللجنة مهمتها وقدمت مشروعها للتطوير إلى وزير التعليم آنذاك الدكتور أحمد جمال الدين (فى عام 2004)، ولكن الوزير تغير فتوقف المشروع. ولم يتابعه الوزير الجديد، وحين جاء بعده الدكتور بدر أحياه مرة أخرى، لكنه لم ينبه إلى الجهد الذى سبقه، فلجأ إلى المفتى وكان ما كان. ولم يكن اتجاه الوزير إلى العنوان الغلط هو المشكلة الوحيدة، لكن المشكلة الأكبر أن كل الجهد الذى بذل من قبل تاه وجارى البحث عنه. معلوماتى أن اتصالات رفيعة تمت أمس الأول لتصويب العملية، تم الاتفاق خلالها على إسناد مهمة التطوير إلى الأزهر، وأن الموضوع سيناقش اليوم فى اجتماع مجمع البحوث الإسلامية برئاسة شيخ الأزهر لتحديد الاختصاص ووضع ضوابط النهوض بمناهج التربية الدينية، بحيث تحقق طموحات الغيورين لا أمنيات الكارهين والكائدين.