العد التنازلي يبدأ.. متى يُسمح لمرشحي الشيوخ بالدعاية ومتى يتوقفون؟    رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة يلتقي سفير مصر بالمملكة المتحدة    "مصر السلام" تُطلق خطًا ساخنًا لتلقي شكاوى المرشحين في انتخابات الشيوخ    255 درجة للقبول بالمدارس الثانوية الفنية للتمريض في شمال سيناء    بعد هبوط الأخضر.. كم سعر الدولار اليوم الأربعاء 9-7-2025 في البنوك؟    سعر الحديد مساء اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025    رسوم السحب من ماكينات ال ATM والحد الأقصى للسحب اليومي    رسميًا الآن.. رابط كراسة شروط حجز شقق الإسكان الاجتماعي الجديدة 2025 في سكن لكل المصريين 7    مدير مجمع الشفاء بغزة: القطاع الصحي يواجه «كارثة حقيقية»    «برلماني»: قمة بريكس فرصة لتوسيع الشراكات التنموية    «دعم حقوق الشعب الفلسطيني»: تصريحات نتنياهو بشأن وقف إطلاق النار «خادعة»    الإنتاج الحربي يضم مدافع وادي دجلة استعدادًا ل دوري المحترفين    غرام في الأهلي.. زيزو يشكو الزمالك.. بديل وسام أبوعلي.. ومفاجأة الرمادي| نشرة الرياضة ½ اليوم    زينة عامر وچنا عطية تتوجان بذهبية تتابع الناشئات ببطولة العالم للخماسي الحديث    بنجر على الأسفلت.. ومرور القليوبية يعيد الحركة المرورية لطبيعتها بالطريق الزراعي| صور    الداخلية تكشف ملابسات واقعة سحل كلب بالمنوفية وتضبط مرتكبها    محمد عبدالحافظ يكتب: أنا لا أسرق ولكنى اتجمل    نساء 6 أبراج هن الأكثر جاذبية على الإطلاق.. هل شريكتك منهن؟    «أصعب أدواري».. تارا عماد: تأثرت بخبرة والدتي الصحفية في تقديم «سارة» ب«just you»    مجلس الوزراء يوافق على 8 قرارات خلال اجتماعه الأسبوعى.. تعرف عليهم    الكوليرا تفتك بالسودان.. 85,531 مصاب و 2,145 حالة وفاة نقص فى المستلزمات الطبية والأدوية    إخماد حريق اشتعل بكشك فى شارع فيصل.. صور    جولة موسعة بمنطقة "القنطرة غرب الصناعية" لمتابعة المشروعات والمصانع الجارى إنشائها    تاريخ جديد بالأفعال.. لا بالأقوال    تكليف الدكتور سعد موسى بالعمل وكيلا لمركز البحوث الزراعية لشئون البحوث    عيسى السقار نجم حفل "هنا الأردن.. ومجده مستمر" في "مهرجان جرش"    مسلسل "قهوة المحطة" من الورق إلى الشاشة فى مكتبة الإسكندرية    الأزهر للفتوى الإلكترونية: الالتزام بقوانين ضبط أحوال السير والارتفاق بالطرق من الضرورات الدينية والإنسانية    كوريا الشمالية: وزير خارجية روسيا يزور بيونج يانج بعد غد    رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 بالاسم ورقم الجلوس    بالصور.. الدفع بالسفينة البرلس pms للمشاركة فى البحث عن المفقودين الثلاثة بحادث البارج أدمارين 12 بمنطقة جبل الزيت    وفاة طالب إثر إصابته بلدغة ثعبان في قنا    مصدر بالزمالك: 14 يوليو موعدًا لجلسة الاستماع في الشكوى ضد زيزو    وزير الرياضة يشارك في تدشين "عمّان عاصمة الشباب العربي 2025"    رياضة كفر الشيخ توجه الدعوة لانعقاد الجمعيات العمومية ب 22 نادى رياضى    الصفقة المستحيلة تقترب من ريال مدريد    بدايًة من 12 يوليو.. أماكن امتحانات كلية التربية الفنية في المحافظات لتأدية اختبارات القدرات لعام 2025-2026    سر لقاء أحمد السقا وزيزو بالإمارات بالتزامن مع فيلم أحمد وأحمد فى دبى    الشرع وعبدي يبحثان مستقبل سوريا برعاية أميركية ( تحليل إخباري )    أفضل دعاء للرزق بالولد وفقًا للقرآن والسنة    وكيل الأزهر: «المشروع الصيفى القرآنى» مبادرة تعزز دور الأزهر فى خدمة كتاب الله    الأزهر للفتوى: متوفين سنترال رمسيس "شهداء".. ويشيد بدور رجال الاطفاء    دراسة: حليب الإبل يعمل كمضاد لالتهاب الرئة ويثبط الربو التحسسى    صحة الوادي الجديد: جميع شبكات الاتصال تعمل بكفاءة عالية    إجراء 12 عملية قلب خلال أول يومين عمل بمستشفى طنطا الجديدة    الصحة العالمية: تطعيم فيروس الورم الحليمى البشرى يحمى من سرطان عنق الرحم..فيديو    وزير خارجية إيران: ملتزمون بتعزيز علاقاتنا مع دول المنطقة على أساس حسن الجوار والمصالح المشتركة    سقوط عنصر جنائي بتهمة النصب والتزوير بالطالبية    مرصد الأورومتوسطي: إسرائيل تخطط لاحتجاز سكان غزة قسرا في معسكر اعتقال فوق أنقاض رفح    رفع لافتة «كامل العدد».. انطلاق أولى ليالي «الملك لير» بحضور وزير الثقافة (صور)    عودة خدمات فوري إلى كفاءتها التشغيلية بعد حريق سنترال رمسيس    لاول مرة مساعد رقمى يتنبأ بالخطر بالمحطات النووية قبل وقوعه ب30 دقيقة    "قلبي ارتاح"، لطيفة تعلن موعد طرح أغاني ألبومها الجديد    «الداخلية»: ضبط مواد مخدرة داخل بؤر إجرامية بعدة محافظات بقيمة 34 مليون جنيه    وزير الصحة يبحث مع المدير الإقليمي للصحة العالمية التعاون في ملفات المبادرات والتحول الرقمي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 9-7-2025 في محافظة قنا    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. مؤشرات كليات ومعاهد دبلوم سياحة وفنادق    عاجل.. الزمالك يستهدف ضم نجم جديد من بيراميدز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتصارات نتنياهو الوهمية
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 03 - 2024

لا يمل، نتنياهو، التأكيد على تمسكه بتحقيق «النصر المطلق»، أو «الكامل»، أو «الساحق»، على حماس. ظانا إياه السبيل المثلى لبلوغ مآربه من عدوانه الحالى، والمتمثلة فى: استعادة الأسرى الإسرائيليين من خلال الضغط العسكرى المتواصل، الإجهاز على المقاومة الفلسطينية، تقويض تطلعات «محور المقاومة»، الحيلولة دون تكرار الهجمات على إسرائيل من غزة، الاحتفاظ بفرص التطبيع مع المزيد من الدول العربية والإسلامية.
وبينما يرى هزيمة حماس انتصارا للعالم الحر برمته، وليس لإسرائيل فحسب؛ يعتبر، نتنياهو، اجتياح رفح بريا، لاستئصال شأفة الحركة، شرطا أساسيا لإدراك نصره المزعوم. مؤكدا أن إبرام اتفاق هدنة وتبادل أسرى معها، سيؤدى فقط إلى تأخير موعد ذلك الاجتياح.
رغم الخسائر البشرية والمادية الهائلة، تسنى للمقاومة الفلسطينية انتزاع إنجازات مدوية. فعسكريا، بددت عملية «طوفان الأقصى» سردية الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر. كما أجهضت حلم إسرائيل فى التوسع الجغرافى على حساب الشعب الفلسطينى وأراضيه، ونالت من صدقية نظرية الأمن، التى تأسست على إثرها دولة الاحتلال عام 1948. عبر ترسيخ استراتيجيتى الردع الاستراتيجى للجيوش النظامية المحيطة، والتكتيكى لحركات المقاومة. اعتمادا على منظومة أمنية متطورة، تتكون من جيش مدجج بأحدث المنظومات التسليحية، وأجهزة أمنية واستخباراتية عتيدة كالموساد، «الشاباك»، و«أمان». ومن ثم، أخفقت إسرائيل فى أن تصبح دولة آمنة لجميع اليهود من كل أنحاء العالم كما أراد لها المشروع الصهيونى منذ أصل له، ثيودور هرتزل، فى كتابه «دولة اليهود» الصادر عام 1896. فمنذ السابع من أكتوبر الماضى، تضاعفت أعداد الهجرة المعاكسة من الأراضى المحتلة إلى الولايات المتحدة وأوروبا.
كرس الصمود الأسطورى للمقاومة الفلسطينية استراتيجية استحالة تحرير الأسرى الإسرائيليين لديها بالقوة، أو ما يسميه، نتنياهو، «الضغط العسكرى». فلقد توصلت دراسة علمية لجامعة «هارفارد» عام 2015، اعتمدت على التحليل الإحصائى، إلى أن نسبة نجاح عمليات تحرير الأسرى بالقوة لا تتجاوز 20% فقط. فيما أثبتت دراسة لجامعة «كامبريدج» عام 2017، اعتمدت على دراسة حالات متنوعة، انحسار تلك النسبة إلى 15% فقط، فيما انتهت دراسة بجامعة «أكسفورد» عام 2019 بعنوان: «تحرير الأسرى بالقوة: تحليل تكلفة الفائدة»، إلى أن الإصرار على تحرير الأسرى بالقوة، غالبا ما يؤدى إلى تصعيد النزاعات وتعاظم الخسائر البشرية.
منذ عام 1948 وحتى نوفمبر الماضى، لم تفلح دولة الاحتلال فى تحرير أسراها لدى المقاومة الفلسطينية، أو أى دولة عربية، إلا من خلال المفاوضات. فقد تمت أول صفقة تبادل مع الجبهة الشعبية عام 1979، ثم جاءت صفقة «النورس» مع الجبهة الشعبية القيادة العامة، عام 1983. وفى أكتوبر 2011، أبرمت صفقة، جلعاد شاليط، مع حركة حماس.
فى المقابل، أدى التعنت الإسرائيلى إلى إفشال صفقة مبادلة الطيار الإسرائيلى، رون أراد، الذى وقع فى الأسر عام 1986، وانقطع الاتصال نهائيا مع آسريه. وفى عام 1992، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلى، إسحاق رابين، الإفراج عن الشيخ، أحمد ياسين، مقابل إطلاق سراح الجندى، نسيم توليدانو، وبعد انتهاء مهلة كتائب القسام، التى حددت بعشرة أيام، تم قتل الجندى. وفى عام 1994، رفضت حكومة الاحتلال مطالب حركة حماس، التى قامت بأسر الجندى، نحشون فاكسمان، حتى قتل برفقة عدد من الجنود الإسرائيليين الذين حاولوا تحريره بالقوة. وفى عام 2014، أسرت حركة حماس الجنديين، أرون شاؤول، وهدار جولدن، وفى 2016، أسرت كتائب القسام، أبراهام منجستو، وهشام السيد؛ وبينما يماطل الاحتلال فى إدراك اتفاق تبادل بخصوصهم؛ يبدو مصيرهم أقرب إلى مصير، رون أراد. وخلال عدوانها الحالى على غزة، باءت محاولات إسرائيل لتحرير أسراها لدى المقاومة بالفشل.
رغم قتله عشرات الآلاف من الفلسطينيين خلال عدوانه الحالى، تكبد الاحتلال كلفة ضخمة. فعلاوة على خسائره الاقتصادية الهائلة، تؤكد المصادر الإسرائيلية أن 17% من قتلى جيشها فى غزة، والذين ناهزوا الألف، قتلوا بنيران صديقة، أو حوادث عملياتية فى الميدان. الأمر، الذى أرجعه خبراء إلى الخوف، ضعف التدريب على حرب المدن، سوء إدارة المعركة، فضلا عن شدة بأس المقاومة الفلسطينية. أما جيش الاحتلال، فيعزو ارتفاع أعداد قتلاه بنيران صديقة، إلى كثافة عدد قواته فى الميدان، طول أمد المعارك، وقسوتها، الإرهاق، عدم الانضباط العملياتى، ونقص التنسيق بين الآلاف من قوات المشاة والمدرعات وغيرها، داخل أحياء مزدحمة.
سياسيا، تلقت دولة الاحتلال صفعات دبلوماسية وقانونية مروعة. إذ شهدت القضية الفلسطينية، منذ بداية العدوان على قطاع غزة، دعما دوليا غير مسبوق. ففى نوفمبر الفائت، أوردت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، أن سيطرة مشاهد الدمار المفجع لقطاع غزة على منصات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعى، أنتجت تحولات عميقة فى الرأى العام العالمى حيال القضية الفلسطينية، وفتحت شهية المجتمع الدولى لمبدأ حل الدولتين. كما استطاعت السردية الفلسطينية فضح توحش وبربرية دولة الاحتلال، وإيقاف مسيرة التطبيع العربى الإسرائيلى. ونتيجة لجرائم الحرب البشعة، أضحت الانتهاكات والخروقات الإسرائيلية شغلا شاغلا لمحكمة العدل الدولية.
تختلف مقاييس الربح والخسارة فى الحرب غير المتماثلة، التى تخوضها المقاومة الفلسطينية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلى، عن مثيلاتها فى الحروب التقليدية بين الدول والجيوش النظامية. فبينما تشكل خسائر المقاومة أضعاف خسائر المحتل، لا يقوى الأخير على تحمل كلفة مواصلة الحرب. ولما كانت نتائج الحرب النهائية على الأرض، هى التى تحدد ملامح النصر والهزيمة، تغدو المقاومة الفلسطينية منتصرة، حينما تحتفظ بقدراتها، إرادتها القتالية، قياداتها، وهياكلها التنظيمية. فضلا عن إجبارها جيش الاحتلال على الانسحاب من المناطق التى وطأها، معلنة فشله فى فرض واقع جديد على الأرض. إضافة إلى نجاحها فى إجراء صفقة تبادل للأسرى، وفقا لشروطها، بما يمكنها من تحرير قياداتها الفاعلة، لإعطاء دفعة قوية وخبرات نضالية وازنة لسائر فصائل المقاومة. أما الاحتلال، فينتصر حينما ينجح فى كسر إرادة المقاومة، نزع سلاحها، تفكيك منظومتها العسكرية وهياكلها التنظيمية، وتصفية قادتها أو توقيفهم، أو تهجيرهم إلى الخارج. وإذا استطاع احتلال القطاع مجددا، إعادة غزة إلى وضع ما قبل العام 2005. أو تمكن من تحرير أسراه بالقوة دون الاضطرار إلى إبرام صفقة تبادل مع المقاومة، حتى وإنْ قتل بعضهم.
فى محاولة يائسة لادعاء النصر، وصف، نتنياهو، إنجازات جيش الاحتلال بغير المسبوقة، مدعيا تصفيته 20 ألفا من مقاتلى حماس، يشكلون أكثر من نصف قوتها الضاربة، وشل قدرة 18 كتيبة من أصل 24 على العمل. كما سعى، عبثا، إلى فرض شروط المنتصرين من خلال خطته لليوم التالى للعدوان. غير أن واشنطن نصحت، نتنياهو، الاستفادة من دروسها المستخلصة من حروبها فى أفغانستان والعراق. بحيث ينفذ عمليات عسكرية نوعية دقيقة، بدلا من القصف الانتقامى العشوائى واسع النطاق، الذى يستهدف الفلسطينيين الأبرياء وأعيانهم المدنية. وإلا وقع فى فخ الزهو بنصر تكتيكى، مع تلقى هزيمة استراتيجية، تتأتى من فقدان إسرائيل التعاطف والدعم الدوليين.
أمعن جيش الاحتلال فى قتل وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، تدمير الأعيان المدنية، إبادة الأخضر واليابس، وارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، شهدها ووثقها العالم أجمع. لكنه لم يدرك النصر المنشود. فلقد أظهر استطلاع للرأى، أجراه «معهد الديمقراطية الإسرائيلى»، تشكيك غالبية الإسرائيليين، فى إمكانية تحقيق «النصر الكامل» على حماس. بدورهم، استبعد مسئولون عسكريون واستخباراتيون إسرائيليون سابقون، بلوغ، نتنياهو، نصره «المطلق» على المقاومة الفلسطينية؛ مؤكدين تواضع الانجازات التى حققها جيش الاحتلال، قياسا إلى كلفتها الباهظة. ومن ثم، ناشدوا، نتنياهو، إتمام صفقة لتبادل الأسرى، تجنبا لمقتلهم. فليس أدل على إخفاقه، من عجزه عن فرض خطته لليوم التالى فى غزة، والتى تستهدف تقويض المقاومة الفلسطينية، وإجهاض حل الدولتين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.