"القومي للمرأة" يواصل متابعة مشاركة السيدات في مرحلة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    معرض للحرف اليدوية والصناعات التراثية الفيومية بنادي الزهور بالقاهرة    مدبولي: نستهدف تحقيق أعلى درجات العدالة الاجتماعية    1.6 مليار دولار قيمة صادرات قطاع الغزل والمنسوجات خلال 11 شهرا    كابول تدين اعتراف إسرائيل بأرض الصومال    هجمات بطائرات مسيرة أوكرانية تجبر مطارين بموسكو على الإغلاق لساعات    تريزيجيه: هدفنا الفوز باللقب في المغرب.. وحسام حسن مثل أعلى لكل لاعبي مصر    مواعيد وجدول مباريات اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025    تحرير مخالفات تموينية متنوعة بمركز ومدينة القنطرة غرب وأبوصوير ولجنة خدمات المستقبل    الصحة تتحرك فورا لغلق مصحة للإدمان غير مرخصة في المريوطية وتحيل القائمين عليها للنيابة    وكيل تعليم أسيوط يتفقد مدرستى 30 يونيو الرسمية والجهاد الابتدائية بحى غرب    «العيال فهمت» على مسرح ميامي احتفالًا برأس السنة وعيد الميلاد    وزير الثقافة يصل جنازة المخرج داوود عبدالسيد في كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حينما نزل الغيث ؟!    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    رئيس جامعة المنصورة يتفقد سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بكليات العلوم والحاسبات (صور)    مؤسسة التضامن للتمويل الأصغر تجدد اتفاق تمويل مع بنك البركة بقيمة 90 مليون جنيه    الداخلية تضبط شخص يوزع كروت دعائية بمحيط لجان دمنهور    الداخلية تقضي على بؤر إجرامية بالمنوفية وتضبط مخدرات بقيمة 54 مليون جنيه    بريطانيا وألمانيا توقعان صفقة أنظمة مدفعية متنقلة ب70 مليون دولار    أشرف حكيمي: كأس أمم أفريقيا ليست سهلة.. وسنقاتل للفوز على زامبيا    وصول جثمان المخرج داوود عبدالسيد إلى كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة    مي كساب تبدأ تصوير مسلسل «نون النسوة» استعدادًا لرمضان 2026    مصدر: مهلة أسبوعين لأصحاب المحال بالقاهرة لوضع صناديق القمامة قبل تحرير المحاضر    وزير قطاع الأعمال العام يبحث مستجدات التعاون مع مجموعة "طلعت مصطفى" لتطوير مشروعات فندقية    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    «المركزي» يقرر تعطيل العمل بالبنوك الخميس المقبل بمناسبة انتهاء السنة المالية    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    «ليمتلس ناتشورالز» تعزز ريادتها في مجال صحة العظام ببروتوكول تعاون مع «الجمعية المصرية لمناظير المفاصل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    الداخلية تنظم دورتين للكوادر الأمنية الأفريقية بالمركز المصري لحفظ السلام    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    الصحة: الشيخ زايد التخصصي يجري قساطر قلبية معقدة تتجاوز تكلفتها مليون جنيه على نفقة الدولة    البنك الأهلي يواجه إنبي في صراع التأهل لربع نهائي كأس مصر    أمم أفريقيا 2025.. تشكيل بوركينا فاسو المتوقع أمام الجزائر    مد غزة ب7400 طن مساعدات و42 ألف بطانية ضمن قافلة زاد العزة ال103    تحصيل حاصل| موعد والقنوات الناقلة لمباراة مصر وأنجولا في كأس أمم إفريقيا    21 مواطنًا يحصلون على جنسيات أجنبية مع الاحتفاظ بالجنسية المصرية    مصر توقع إتفاقية لإنشاء محطة متعددة الأغراض ومركز لوجستي في جيبوتي    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    أول تعليق من حمو بيكا بعد انتهاء عقوبته في قضية حيازة سلاح أبيض    كيف ينتج تنظيم الإخوان ازدواجيته.. ثم يخفيها وينكرها؟    الزمالك يخشى مفاجآت كأس مصر في اختبار أمام بلدية المحلة    2026 .. عام الأسئلة الكبرى والأمنيات المشروعة    2025.. عام المشروعات الاستثنائية    حبس مها الصغير شهر بتهمة سرقة لوحات لفنانين أوروبيين وتغريمها 10 آلاف جنيه    شريف الشربيني يشارك في اجتماع لجنة الإسكان بمجلس الشيوخ اليوم    إصابة شخصان إثر تصادم ميكروباص مع توك توك بقنا    انطلاق الانتخابات التشريعية في ميانمار    لافروف: القوات الأوروبية في أوكرانيا أهداف مشروعة للجيش الروسي    عبد الفتاح عبد المنعم: الصحافة المصرية متضامنة بشكل كامل مع الشعب الفلسطينى    نيللي كريم وداليا مصطفى تسيطران على جوجل: شائعات ونجاحات تُشعل الجدل    أمطار ورياح قوية... «الأرصاد» تدعو المواطنين للحذر في هذه المحافظات    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    الدفاع العراقية: 6 طائرات جديدة فرنسية الصنع ستصل قريبا لتعزيز القوة الجوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حدود التغول الإثيوبي في شرق إفريقيا
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 01 - 2024

يبدو أن السياسة الإثيوبية لا تعتبر نفسها دولة كبيرة وحسب، بل تعتبر نفسها دولة إقليمية مهيمنة قادرة على فرض رؤيتها ومخططاتها على الجميع، ويبدو أن ذلك مستمد من نظرة استعلائية فوقية تنظر إلى ما غيرها من دول وشعوب شرق إفريقيا على أنهم أقل منها شأنا ومكانة، لذلك فإن علاقات إثيوبيا مع دول جوارها لم تخل أبدا من الصراع طوال الأعوام والعقود السابقة، حيث تم خوض العديد من النزاعات المسلحة والحروب مع دول الجوار؛ الصومال وإريتريا والسودان.
• • •
العلاقات بين السودان وإثيوبيا والتى تشتعل وتيرتها بفعل العديد من العوامل التى يأتى فى مقدمتها المخاوف السودانية المتصاعدة بسبب السد الإثيوبى وتجاهل إثيوبيا لمخاوف السودان من آثاره السلبية الخطيرة، وانتهاجها سياسة المراوغة التفاوضية بشأنه مع السودان كأحد دولتى المصب، وتهرب إثيوبيا من تقديم أى التزامات قانونية بشأن ملء السد وتشغيله، وضمان حصة السودان التاريخية من المياه.
كذلك تجاهل إثيوبيا لمخاوف السودان من احتمال انهيار السد بعد تغيير تصميمه الأصلى والإصرار على تعليته وتجاهل حقائق الطبيعة الجيولوجية الهشة للأرض فى منطقة السد، وهو انهيار لو حدث سيكون كفيلا بإحداث دمار شامل فى مدن وبلدات السودان وتدمير سدودها وطرقها والقضاء على مجتمعاتها.
الأمر الآخر الذى يؤجج النيران هو منطقة الفشقة السودانية الزراعية الخصبة التى تعد مطمعا لإثيوبيا، رغم المعاهدات الموقعة فى عامى 1902 و1907 التى تضمنت أن تمتد حدود السودان الدولية مع إثيوبيا إلى الشرق من الفشقة، وفى عام 2008 اتفقت إثيوبيا والسودان على تسوية هذه المسألة بأسلوب الحدود الناعمة بحيث يتم إقرار هذه الحدود قانونيا بين البلدين، على أن يسمح السودان للمزارعين الإثيوبيين بزراعة الأراضى فيها على ألا يتعارض ذلك مع مصالح المزارعين السودانيين أو ينتقص من أراضيهم.
لكن يبدو أن تلك المنطقة السودانية الخصبة قد دخلت بالفعل ضمن المطامع الإثيوبية، فالحكومة الإثيوبية قد نشرت تعزيزات عسكرية فى تلك المنطقة تضم عناصر من جيشها وميليشيات من ولاية أمهرة المجاورة لإقليم الفشقة السودانى بدعوى حماية المزارعين الإثيوبيين، بل وتمت إقامة مستوطنتين للجيش وواحدة أخرى للميليشيات فى المنطقة كنوع من فرض الأمر الواقع، حيث بات المزارعون السودانيون عرضة للهجمات والتهجير.
• • •
أما عن الصومال فالتغول الإثيوبى تجاهه ممتد ومستمر منذ تم تكريسه بفعل الاستعمار الأوروبى، الذى منح قبل رحيله لإثيوبيا إرثا غير مستحق من الأراضى الصومالية من خلال خطوط الحدود التى رسمتها أيدى عتاة المستعمرين لتمنح ما لا تملك لمن لا يستحق.
حاولت الصومال استعادة أراضيها عدة مرات كان أهمها الحرب فى منتصف السبعينيات التى تمكنت فى أولها الصومال من تحرير معظم الصومال الغربى المعروف باسم إقليم أوجادين، إلا أن الولايات المتحدة سارعت بإمداد إثيوبيا بالسلاح وحولت ميزان الحرب لصالحها.
وبعد انهيار حكومة سياد برى، باتت حدود الصومال وكأنها مباحة لتوغل القوات الإثيوبية فسيطرت على مدينتى لوق وبيدوا الصوماليتين، وباتت إثيوبيا فى سياساتها تجاه الصومال وكأنها المستفيد من تردى الأوضاع فى الصومال، وتقسيم البلاد بين كيانات ودويلات يسهل التحكم فيها واستقطابها، فضلا عن تغذية الصراعات وتعميقها بين الأطراف المختلفة وإمدادها بالمال والسلاح حتى لا تقوم للصومال قائمة.
• • •
بعد استقلال إريتريا عن إثيوبيا، باتت سواحل البحر الأحمر شرق إثيوبيا وموانئ أسمرة ومصوع وعصب جميعها موانئ للدولة الإريترية، وعليه تكونت لإثيوبيا معضلة جغرافية سياسية، بتحولها إلى دولة داخلية حبيسة، وهو ما لا يتفق مع رؤيتها لنفسها كقطب إقليمى مهيمن فى شرق إفريقيا، وهى المنطقة التى تعدها مجالها الحيوى ونطاق نفوذها ومخططاتها.
حاولت إثيوبيا تجاوز تلك المعضلة بعقد اتفاقات مع الدول الإقليمية التى لديها موانئ بحرية، فسعت إلى إريتريا لاستخدام ميناء عصب، وكذلك السودان لاستخدام ميناء بورسودان، وكينيا لاستخدام مينائى مومباسا ولامو، لكن ذلك كان غير كافٍ بفعل عوامل المسافة والتكلفة فكان الملاذ المتاح هو ميناء جيبوتى.
لكن جيبوتى التى يتواجد بها العديد من التسهيلات والقواعد العسكرية البحرية الأمريكية والصينية والفرنسية وحتى اليابانية والإسبانية والإيطالية، تجعل الأمر غير مريح لمتخذ القرار الإثيوبى، فضلا عن أن مرور 90% من حجم التجارة الخارجية الإثيوبية عبر جيبوتى، جعل إثيوبيا عرضة لأى تقلبات أو أحداث فى جيبوتى، فضلا عن الرسوم التى تفرضها جيبوتى على البضائع الإثيوبية الصادرة والواردة.
والمؤسف أن أديس أبابا لجأت لحل هذه المعضلة على حساب مقديشيو واستقلال الصومال وسلامة أراضيه، فأبرمت مذكرة تفاهم مع ما يسمى بجمهورية أرض الصومال وهى جمهورية لا وجود لها ولم تعترف بها أى دولة، وهى مذكرة تتيح لإثيوبيا منفذا بحريا بطول 20 كم، واستخدام ميناء بربرة على الساحل الجنوبى لخليج عدن لمدة 50 عاما، مع تطوير الطريق البرى لممر بربرة بطول 260 كيلومترا ليصل بين بربرة والحدود الإثيوبية.
وفى المقابل، تتعهد إثيوبيا بالاعتراف رسميا بجمهورية أرض الصومال كدولة مستقلة «فى الوقت المناسب»، مع مساعدتها اقتصاديا وعسكريا وأمنيا، كل هذا بمنأى عن الدولة الصومالية والحكومة الشرعية، وكأن إثيوبيا تشجع ضمنا على تقسيم الصومال وتفكيكه واستغلال ظروفه لاقتطاع جزء من أراضيها تحت مسمى الممر البحرى إلى ميناء بربرة، وبالطبع ستتواجد القوات الإثيوبية فى تلك المنطقة لتأمين حركة البضائع والمرور منها وإليها.
• • •
حدود التغول الإثيوبى وصلت إلى مستويات خطيرة، إلى الحد الذى دفع أحد كبار المسئولين فى مقديشيو للتصريح بأن الصومال مستعدة لخوض الحرب لمنع إثيوبيا من الاعتراف بإقليم أرض الصومال الانفصالى ومنع تنفيذ الاتفاق المشبوه غير الشرعى بشأن الممر والميناء.
والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة، هو عن مدى ارتباط تلك الأحداث بما يجرى من تصعيد فى منطقة خليج عدن ومضيق باب المندب، والوجود العسكرى للعديد من الدول فى تلك المنطقة بصورة غير مسبوقة، والغموض المحيط بموقفها من التحركات الإثيوبية، فضلا عن ردود الأفعال السلبية للعديد من دول تلك المنطقة على تلك التحركات.
والأمر برمته بات يستدعى رصد الأحداث عن كثب فى تلك المنطقة ومتابعة تطوراتها، ولاسيما أن إثيوبيا رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة تواصل انتهاج تلك السياسات بإصرار، ويبدو أن هناك داعما خفيا لها أو داعمين؛ لهم أجنداتهم فى تلك المنطقة والتى تتقاطع مع الأجندة الإثيوبية وتتفق معها فى توجهاتها وتشاركها أهدافها.. وإن غدا لناظره قريب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.