طالبت مارجريت شان مديرة منظمة الصحة العالمية مجموعة من الخبراء بإجراء مراجعة نقدية وصريحة بشأن تعامل المنظمة مع وباء إنفلونزا الخنازير المعروف ب«إتش 1 إن 1» وأشارت شان أمام المجموعة من الخبراء فى الاجتماع الذى يعقد لثلاثة أيام فى جنيف إلى إجراء إعادة تقييم مستقل وذى مصداقية وشفاف بشأن تعامل المنظمة الدولية مع الفيروس. وأضافت أن نتيجة المراجعة ستساعد المنظمة فى التعامل بشكل أفضل مع أى انتشار مستقبلى للأمراض. من المنتظر أن تقدم هذه المراجعة للدول الأعضاء بالمنظمة فى مايو المقبل كما سيتم نشرها العام المقبل. انتهى الخبر الذى طيرته وكالات الأنباء العالمية من جنيف مقر منظمة الصحة العالمية لكن تداعياته بلا شك لن تنتهى قريبا وقد بدأت بالفعل. «هذه هى إحدى أكبر الفضائح الطبية فى القرن الحالى». كانت تلك هى الصيحة التى أطلقها الدكتور فولنجانج فودراج رئيس لجنة الصحة فى الجمعية البرلمانية الأوروبية Wolfgana wodrag فى شهر يناير الماضى بعد أن اكتملت له الرؤية بدراسة كل المعلومات المتاحة عن كيف تصدت منظمة الصحة العالمية لإدارة أزمة إنفلونزا الخنازير فى العالم كله وعلاقة قراراتها المريبة لشركات الدواء العملاقة خاصة جلاكو شب الإنجليزية ونوفارتس وسنوفى آفانتس الفرنسية اتهم فودراج الصحة العالمية بالتواطؤ مع شركات الأدوية العملاقة إذا اعتمدت فى تصعيدها لدرجات خطورة الوباء على مجموعة من الخبراء وثيقى الصلة بشركات الأدوية انتقل بعضهم للعمل فى تلك الشركات برواتب وهمية بعد إعلان أن الإنفلونزا انتقلت إلى مرحلة الوباء. انتقل فى اتهامه للمنظمة العالمية إلى حد التشكيك فى فاعلية المصل وطريقة تحضيره وتأثيراته الجانبية الخطيرة على الإنسان. لم يكن هو الصوت الوحيد الذى ارتفع ليدين منظمة الصحة العالمية إنما انفجرت أصوات كثيرة تعلن غضبها فى مواجهة المنظمة وذهبت صحف محترمة عالميا منها من النمسا ما وصفت ما حدث بأنه مؤامرة عالمية يضطلع بها سياسيون ورجال أعمال وشركات أدوية من الولاياتالمتحدة. وكان أن اتهمت وزيرة الصحة الفنلندية حكومة الولاياتالمتحدة بأنها تسعى لإبادة ثلث سكان العالم بطريقة إجرامية ذكية يجنون من ورائها المليارات! وأنها وراء قرار المنظمة برفع درجة الخطر إلى مرحلة الوباء حتى يصبح التطعيم إجباريا وليس اختياريا. أما أكبر إخصائيى الإنفلونزا وخبرائها فى منظمة الصحة العالمية فقد طلع علينا أخيرا برأيه «إن مراحل إعلان الوباء أظهرت التباسا فيما يتعلق بالفيروس فهو ليس خطيرا للدرجة إذا ما قورن بإنفلونزا الطيور!». ثم أضاف «الواقع أن معظم التخطيط اعتمد على توفير جرعتين للفرد، بينما جرعة واحدة تكفى. وقد أسفر هذا عن تكدس الجرعات فى البلاد الغنية بينما توافرت إمكانات ضئيلة للدول الفقيرة!». بتلك البساطة يتحدث من زلزلوا العالم بوهم الوباء القادم والهلاك المنتظر الذين دفعوا دول الجنوب الفقير إلى استقطاع ميزانية خاصة من دخولهم المحدودة لشراء أدوية وأمصال واتخاذ احتياطات وقائية لا قيمة لها إذا حينما حل البلاد وجدوه قزما ضعيفا ألبسوه عباءة الإرهاب. دفع العالم ثمنا باهظا من اقتصاده وأمنه الاجتماعى وموارده ومدخراته ليدفع عن مواطنيه وهما، لم يكن له وجود إلا فى عقل من تآمروا على الإنسانية. فمن يتصدى لتلك القضية اليوم؟ كان لبلادنا أيضا نصيب فادح من الخسارة: تحولت مواردنا المتاحة لدعم قضية الخنازير على حساب قضايا الصحة التى تضرب بجذورها الشرسة فى أرضنا أمراض القلب والكبد والكلى والسكر، بل وحوادث الطرق التى سجلنا فيها أرقاما عالمية قياسية. ذبحنا الخنازير ودفناها فى الجير الحى وحددنا مواقع المقابر الجماعية وانتظرنا أن يعم البلاء صاغرين. دفعنا من ثمن الأمصال ما استطعنا تدبيره من مصادر كانت أولى بالإنفاق وانتظرنا دورنا على لائحة غير القادرين التى تعطفت بها منظمة الصحة العالمية وحينما حصلنا عليها رفض الأهالى تطعيم أبنائهم الذين انقطعوا عن الدراسة لمتابعة أخبار الإنفلونزا فى التليفزيون وأتموا العام فى منازلهم!. قرار إنشاء منظمات الأممالمتحدة والصحة العالمية واليونسيف وهيئات الإغاثة المختلفة وغيرها من المنظمات صاحبة الأسماء البراقة فى سماء الإنسان يبدأ بضرورة إرساء قواعد العدل بين البشر ومعاونتهم على تجاوز المحن. أظن أن أداء منظمة الصحة العالمية التى يتمتع موظفوها بأعلى مستوى دخل فى العالم ويتنقلون فى مقاعد الدرجة الأولى بالطائرات ويتمتعون بالإقامة فى فنادق سبعة نجوم وهم يكابدون مشقة إغاثة المنكوبين فى المناطق البعيدة أو التشاور مع رجال المال والأعمال فى الشركات العملاقة لوضع سياسة الدواء فى العالم. أظن أنه من العدل الآن أن يعاد النظر فى وجود مثل تلك المؤسسات الدولية التى هى فى الأصل منظمات تعمل لصالح الإنسانية. إعادة النظر فى وجود تلك المؤسسات وقوانينها الأساسية مطلب إنسانى عالمى فى المقام الأول.