أسعار الخضروات والفواكه بكفر الشيخ اليوم    وزير النقل يعقد جلسة مباحثات مهمة مع نظيره الإسباني    قطع المياه في عدة مناطق بالجيزة لمدة 8 ساعات اليوم.. اعرف الأماكن    محافظ الجيزة: الانتهاء من مشروعات الخطة الاستثمارية للعام الحالي خلال أيام    «التضامن»: التوسع في برامج الحماية التأمينية والصحية لأسر تكافل وكرامة    الرئاسة الفلسطينية: قرارات العدل الدولية تعبير عن الإجماع الدولي على ضرورة وقف الحرب    رد قاس من نجم الأهلي السابق على هجوم محمد الشناوي ضد الصحافة المصرية    جوميز يجري تعديلًا مفاجئًا على برنامج الزمالك قبل مواجهة الاتحاد السكندري    عاجل.. فليك يستقر على أسماء جهازه المعاون في برشلونة    رد فعل مفاجئ من محمد صلاح بعد الجدل الأخير.. كيف ظهر للجماهير؟    5657 طالبا وطالبة يبدؤون امتحانات شهادة الدبلومات الفنية ببورسعيد.. غدا    تحذيرات مهمة من الأرصاد.. طقس شديد الحرارة في قنا والعظمى 43 درجة    ضبط عامل بتهمة تزوير الشهادات الجامعية في أسيوط    موعد إجازة عيد الأضحى المبارك فلكيا.. بدأ العد التنازلي    ضبط قضايا اتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 11 مليون جنيه في 24 ساعة    بعد ظهورها بالشال الفلسطيني.. من هي بيلا حديد المتصدرة التريند؟    مدحت صالح يتراجع عن قراره ويعلن موعد ومكان عزاء شقيقه «أحمد»    قبل انطلاقه.. القائمة الكاملة لأفلام عيد الأضحى 2024    سبب خوف عائشة بن أحمد من الزواج.. «صدمة عملت لها أزمة مع نفسها»    وصول رسولوف إلى مهرجان كان.. وعرض فيلمه «بذور التنين المقدس» بالمسابقة اليوم    «طب عين شمس» تحتفل باليوم العالمي لرتفاع ضغط الدم بحملات توعية    «صحة مطروح» تنظم قافلة طبية مجانية في منطقتي الظافر وأبو ميلاد بعد غد    لماذا يثير متحور FLiRT ذعر العالم؟.. مفاجأة صادمة اكتشفها العلماء    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    بوليتيكو: معظم دول الاتحاد الأوروبي لن تقدم على المساس بأصول روسيا المجمدة    بري يؤكد تمسك لبنان بالقرار الأممي 1701 وحقه في الدفاع عن أرضه    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    بوليتيكو: واشنطن تدرس القيام بدور بارز في غزة بعد الحرب    مصرع وإصابة 3 أشخاص في الشرقية    مراسل "القاهرة الإخبارية": تجدد الاشتباكات بين الاحتلال والمقاومة برفح الفلسطينية    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    رئيس جامعة المنيا يشهد حفل ختام أنشطة كلية التربية الرياضية    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    التموين تستعد لعيد الأضحى بضخ كميات من اللحوم والضأن بتخفيضات 30%    الزمالك راحة من التدريبات اليوم بقرار من جوميز    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    قافلة الواعظات بالقليوبية: ديننا الحنيف قائم على التيسير ورفع الحرج    من صفات المتقين.. المفتي: الشريعة قائمة على الرحمة والسماحة (تفاصيل)    مجلس الشيوخ يناقش أموال الوقف ونقص الأئمة والخطباء ومقيمي الشعائر.. الأحد    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    "الأونروا": في الضفة الغربية حرب لا يلاحظها أحد    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    الإسلام الحضاري    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    تعرف على مباريات اليوم في أمم إفريقيا للساق الواحدة بالقاهرة    مران صباحي ل«سلة الأهلي» قبل مواجهة الفتح المغربي في بطولة ال«BAL»    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    "التروسيكل وقع في المخر".. 9 مصابين إثر حادث بالصف    الصحة العالمية: شركات التبغ تستهدف جيلا جديدا بهذه الحيل    «العدل الدولية» تحاصر الاحتلال الإسرائيلي اليوم.. 3 سيناريوهات متوقعة    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    حظك اليوم| برج الحوت 24 مايو.. يوم غني بالتأمل والإبداع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قَزَح
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 12 - 2023

انسدَّت البالوعةُ وارتفعت المِياه في الحَوض ثم أغرقت الأرضيَّة، وباتت الحاجةُ لاستدعاء السبَّاك ماسَّة. نصفُ ساعةٍ فقط كانت كفيلةً بإحالةِ المكانِ إلى فوضى، وبثّ الارتباكِ ودَفع المُوجودين لإغلاقِ المَحبس طمعًا في إنقاذِ المكان. بعد انتهاءِ أعمالِ الإصلاح، بدأت عملياتُ التَجفيفِ وقَزحِ ما تراكمَ مِن مياه وتدارك الأضرار، وقد جلبَ الموقفُ إلى أذهانِ الحاضرين ذاك المشهدَ المُتكررَ؛ إذ يتعرَّضُ قاطنو المناطقِ الفقيرةِ عشوائيةِ الطابعِ للغرقِ مع حلول الشتاء. تدخلُ مياهُ الأمطار المُتراكِمَة مَساكنَهم، فيُضطرُّوا إلى التعامُل معها بجهودِهم الذاتية، ولا شكَّ أن قَزحَ المياه ونزحَها عملٌ شاق؛ خاصة ما عاندَ الطقسُ واندفقت السيولُ لتُضاعِف البلوى وتجسَّد القولَ المأثور: زاد الطين بلَّة.
• • •
يأتي الفعل قَزَحَ في قواميس اللغة العربية بمعنى ارتفع وبَعُد، الفاعلُ قازح والمَفعول به مَقزُوح والمصدر قزْح بتسكين الفاء، أما الفعلُ قزَّح بتشديد الزاي فيحمل معاني إضافيَّة؛ فإذا قزَّحت الشجرةُ كان القَّصد أنها تشعَّبت وازداد حجمُها، وإذا قزَّح الفنانُ الزُّجاجَ فقد لوَّنه، والقُزَحيَّة هي جزءٌ من عينِ الإنسان قد يُصيبها المَرضُ فتلتهب وتَحمرُّ وتورِث الألمَ الشديد.
• • •
قَزَحت الأسعار في الآونةِ الأخيرةِ بما لا يُطاق. عَلَت وتَضَاعفَت حتى بات التعجُّبُ وفَغْر الأفواه من مُتلازِمات التبضُّع في الأسواق؛ والحقُّ أن هذا التصاعدَ المُفزِع لم يُبقِ على غطاءٍ أو سَترٍ لدى الأغلبيةِ الساحِقة، ولم يعد بين الناسِ من يَتعفَّف عن ذِكر حاجتِه ومَلمَّته، أو يتحرَّج من الجأرِ بالشكوى؛ عسى أن يجدَ بين السامعين مَن يُشير عليه بحلٍ أو مَن يدلُّه على مَخرجٍ من الأزمة.
• • •
يُمثلُ قوسُ قُزَح ظاهرةً فيزيائيةً مَعروفةً تتعلَّق بانكسارِ الضَّوءِ وتحَلُّله إلى أصُولِه ومُكوناتِه الأولى؛ ليتبدَّى في الأفقِ على هيئةِ ألوانٍ سَبعة. ظلَّ العثورُ على قَوسِ قُزَح مُبهجًا مُفرحًا، لا يختلف عليه صغارٌ أو كبار؛ إلى أن تبدَّل الظرفُ وتغيَّر السياقُ وتحوَّل القَوسُ بين يومٍ وليلةٍ إلى رَمزٍ يَمقته البعضُ ويُحبُّه بعضٌ آخر، تدافع عنه جماعاتٌ وتهاجمه أخرى؛ ليصبحَ في نهاية الأمر مَصدرَ شدّ وجَذبٍ وأحيانًا إكراه، وليفقد بساطتَه وعذوبةَ منظرَه ويغدو ظهورُه على هيئةِ شارةٍ أو عَلَمٍ أو شِعار؛ دافعًا قويًا للخلاف.
• • •
كثيرًا ما نستعملُ تعبير: عدَّاه العَيبُ وقَزَح، لنؤكدَ أن الشَّخصَ المَعنيَّ بالوَصف قد أدَّى ما عليه كاملًا، ولا مَحلّ للومِه على تخاذُلٍ أو تقصير. تقع بعض الحكوماتُ والشعوبُ العربيةِ مَوقعَ المَلومِ المُدان، إذ لم يتجاوزها العَيبُ ولم يقزح بعيدًا عنها؛ بل غمرَها وأغرقَها وكسَاها حتى أطرافِها بثيابِ العَار؛ فقد تمكَّن منها داءُ القُّعودِ والاكتفاءِ بأفعالٍ افتراضيَّةٍ لا تُفارقُ مَواقِعها، فتندرج تارةً تحت بندِ المَنشوراتِ والمُشاركات، وتارة أخرى تحت بندِ التصريحاتِ والنداءاتِ والخطاباتِ؛ وكلاهما لا يُغير واقعًا ولا يُثمِر طيبًا، ولا يتحوَّل إلى إجارةٍ سريعةٍ حاسمةٍ لهؤلاء الذي يستنجدون؛ فلا يجدون إلا تواطؤًا مُريبًا، ويتعرَّضون للإبادة؛ فلا يلاقون إلا عناوين الصُّحفِ المَمجُوجة، وعلاماتِ التضامُن التي أمسَت تافهةً سخيفةً، والأوشحة التي زيَّنت مقاعد السيارات عجزًا، وأحاطت بالأقفيةِ المَحنيَّة.
• • •
يقول المثلُ فلسطينيّ الجُّذور: "إن قوَّست صُبحيَّة؛ خُذ عصاتَك والحق بالرعيَّة، وإن قوَّست عصريَّة دوَّر على مَغارة دفيَّة"، والكلماتُ تُوضح العلاقةَ بين توقيتِ ظهورِ قَوس قُزَح في السَّماءِ وبين الطَّقسِ المُتوقَّع بناءً عليه، ولا غرابة أن تَحملَ الحَضاراتُ القديمةُ ما يُدلل على مَعرفةٍ أصيلةٍ بظواهرِ الطبيعةِ وأسرارِها، وأن تحفلَ بعلاماتٍ أكيدةٍ يَندر أن تُخطئ.
• • •
بعضُ المرَّات يُقزّح المرءُ حديثَه، فيزيَّنه ويُجمّله ويَجعله في صورةٍ باهية، بغير أن يُزيفَ أو يَدعيَّ أو يكذب؛ وقد خلَّد المأثور الشعبيّ محاسنَ هذا الحديثِ في كلمتَين شافيتَين وافيتين: المَلافظُ سَعد. لا شكَّ أن مَن كان حلوَ اللسَان بَديعَ الكلام؛ جَنى القُّبولَ، ومَن غَلظت عباراتُه وجَفَّت أقوالُه؛ حظى بالنُّفور؛ لا يُهمُّ حينها ثباتُ المَعنى. ربما ينفلتُ الكلامُ قاسيًا عنيفًا بحكْمِ الضُّغوطِ التي نُعانيها، والمآسي التي نبيتُ ونصبِح فيها، تَخشنُّ منا المُفرداتُ ونفشلُ في غربلتِها وتَقزيحها لتتحوَّلَ إلى طلقاتِ رَصاص؛ تصيبُ العابرين في حيواتِنا دون تفرِقَة.
• • •
في وَصف المَعارك وخائضيها، يقول العبقريُّ الراحل أحمد فؤاد نجم: "طبّوا الفلاسفة في الغلط.. لما الزلط قدح الزناد.. نفر العناد عرق الغضب.. واقزح يا واد واضرب يا واد.. قزحت صعايده وفلاحين.. بحر الكنال في شمال يمين.. اجمد يا واد واضرب يا واد.. قزحوا الولاد.. قزحت قلوب الناس معاهم.. اسم النبي يحرس خطاهم"، والأبيات من قصيدة بعنوان: ضُلّيلَة فوق رأسِ الشهيد، والقَزْح يُؤخَذ فيها على أكثرِ من مَحمَل ومعنى؛ فالصعود والنُّهوض للمُقاتلين والإبعادُ والإزاحةُ للعدوّ، والحقُّ أننا نفتقر إلى مِثلِ هذا النظمِ البديعِ السَّلسِ في أيامِنا الحالية، فكثير أغانينا التي تُقدَّم على أنها وَطنية؛ تتسمُ بالبلادةِ على مستوى الَّلحن والكَّلمة؛ لا تُحرك شعورًا ولا تستثير عاطفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.