بعد أيام قلائل من إعلان الأردن تراجعه عن توقيع اتفاق لتبادل الطاقة والمياه مع إسرائيل في أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، سارع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بتوجيه فريق حكومي؛ للبدء في تنفيذ مشروع "الناقل الوطني" لتخليص المملكة من أزمتها المائية. ويأمل الأردن، أن يغطي "الناقل الوطني" العجز المائي الكبير عبر تحلية مياه البحر الأحمر في مدينة العقبة ونقلها إلى عمّان وباقي المحافظات. وقال وزير المياه والري محمد النجار، إن المشروع سيوفر قرابة 300 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويا، ويكلف ملياري دينار أردني (2.8 مليار دولار تقريبا). واعتبر مراقبون الأمر الملكي، بخصوص مشروع تحلية المياه رسالة سياسية؛ ردا على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت الذي أشار إلى أن الأردنيين مهددون بالعطش حال عدم توقيع اتفاق تبادل الطاقة والمياه. وجاء هذا التحرك الرسمي، في وقت بات تأمين مصادر مياه جديدة ومستدامة ضرورة للأردن الذي يراجع جميع الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل تمهيدا لتشريع قانون، قد تلغي الحكومة بموجبه تلك الاتفاقيات بشكل نهائي وفقا لما قاله نواب أردنيون لوكالة أنباء العالم العربي في الآونة الأخيرة. وفي عام 2021، وقع الأردن مع الإمارات وإسرائيل إعلان نوايا للتفاوض حول جدوى مشروع مشترك لمقايضة الطاقة بالمياه، تصدر عمان بموجبه 600 ميغاوات سنويا من الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية إلى إسرائيل مقابل حصولها على 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من تل أبيب سنويا. وكان من المفترض توقيع هذه الاتفاقية بصيغتها النهائية في أكتوبر الماضي، إلا أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عطلت توقيع الاتفاق، ثم أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، عدم مضي الأردن قدما في الاتفاق، فضلا عن عدد آخر من المشاريع الإقليمية التي كانت قيد البحث بين دول عربية وإسرائيل. وشح المياه الذي يعاني منه الأردن لا يؤثر على حصة الفرد من المياه فحسب، بل على القطاعين الصناعي والسياحي، وعلى القطاع الزراعي الذي بات مهددا بالانحسار عاما تلو الآخر. ويقول المزارع علي السمارين الذي يملك مزرعة برتقال وليمون في منطقة الأغوار الجنوبية، إنه ممتن لنجاة موسمه هذا العام من التلف والجفاف؛ نتيجة توفر مياه الري من سد ابن حماد القريب من الأراضي الزراعية هناك، على عكس العام الماضي الذي مني فيه بخسارة كبيرة بعد تلف المحصول بسبب جفاف السد. ويشير السمارين، في حديثه، إلى وكالة أنباء العالم العربي، إلى أنه والعديد من المزارعين في الأغوار الجنوبية يعتمدون على الحصص المخصصة لهم من السدود التابعة لوزارة المياه والري لندرة الأمطار في مناطقهم المنخفضة كثيرا عن سطح البحر. ويضيف المزارع الأردني، أن ذلك جعل مواسمهم الزراعية، خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة، في مهب الريح. وقال: "لم نعد نضمن أن تثمر الأشجار في مزارعنا." وبحسب بيانات وزارة الزراعة الأردنية، يستهلك القطاع الزراعي في المملكة ما يزيد على 350 مليون متر مكعب سنويا، في حين أن الطاقة الاستيعابية الكلية لسدود الأردن الخمسة عشر الرئيسية لا تتجاوز 290 مليون متر مكعب. - الأردن ليس لديه ما يكفي من المياه لسكانه وبعد إعلان عمان، وقف توقيع اتفاق الكهرباء مقابل المياه مع تل أبيب، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن بينيت قوله: "إذا كان الأردن يريد أن يعطش سكانه، فهذا حقه"، مضيفا أن إسرائيل لديها ما تحتاجه من مصادر طاقة لكن الأردن ليس لديه ما يكفي من المياه لسكانه. وقوبلت اللهجة المتحدية في الأردن بإصرار أكبر على تنفيذ مشروع "الناقل الوطني"، حيث أكد الملك عبد الله الثاني الشهر الماضي أن المضي قدما في مشروع تحلية ونقل المياه من العقبة إلى عمان أولوية وطنية. وفي أواخر عام 2020، أطلقت وزارة المياه والري، المرحلة الأولى من مشروع "الناقل الوطني" بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ووصفته بأنه أضخم مشروع لتزويد المياه في تاريخ الأردن، لكن الأمور سارت ببطء منذ ذلك الحين. ويشكل تأمين مياه الشرب والمياه المخصصة للاستخدام المنزلي، تحديا آخر أمام السلطات الأردنية، فالكمية المخصصة حاليا لمياه الشرب وفق بيانات رسمية، والمقدرة بنحو 420 مليون متر مكعب، لا تسمح بإيصال المياه إلى منازل الأردنيين سوى لمرة واحدة أسبوعيا. وتقل حصة الفرد من المياه في الأردن عن مستوى خطر الفقر المائي العالمي والذي يبلغ 500 متر مكعب سنويا للفرد، في حين بلغ متوسط حصة الفرد من المياه في الأردن ما يقرب من 61 مترا مكعبا، ليس للشرب فقط، بل لكل الاستخدامات. وكان البنك الدولي، توقع في وقت سابق من العام الحالي، أن يؤدي تغير المناخ، إضافة للنمو السكاني، وانخفاض نصيب الفرد في الأردن من موارد المياه المتاحة بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2040. وقال البنك الدولي في سياق إعلانه عن تمويل بقيمة 250 مليون دولار لتحسين كفاءة الخدمات المائية في الأردن: "مما يفاقم محدودية الموارد المائية المتاحة في الأردن، أن جزءا كبيرا من المياه المخصصة لاستخدام البلديات يضيع". وتابع أن أكثر من 50% من تلك المياه إما تتسرب من الأنابيب أو لا يدفع ثمنها المستهلك وتُعتبر مياها مهدرة لا تدر دخلا. - مصادر إضافية يتوفر في الأردن سنويا ما يزيد قليلا على مليار متر مكعب من المياه من جميع المصادر، وهي الأمطار والمياه الجوفية والسطحية ومياه الصرف الصحي المعالجة والمياه المحلاة، وتبلغ حاجة البلاد من المياه، بحسب مساعد الأمين العام لوزارة المياه والناطق الرسمي باسمها عمر سلامة، أكثر من 1.3 مليار متر مكعب. وأبلغ سلامة، وكالة أنباء العالم العربي، بأن مشروع الناقل الوطني سيغطي بعد إنجازه المتوقع عام 2027 العجز المائي للبلاد، خاصة وأنه سيزود المنظومة المائية بأكثر من 300 مليون متر مكعب بشكل مستدام ما سيوفر مصادر إضافية من المياه لأغراض الشرب والزراعة والصناعة والسياحة أيضا. وأوضح أن مشروع الناقل الوطني يتكون من 3 أقسام رئيسية وهي محطة مأخذ على الشاطئ الجنوبي لخليج العقبة، ومحطة تحلية وضخ في العقبة، وخط ناقل بطول 450 كيلومترا. وأضاف: "سيضخ هذا المشروع الوطني بامتياز، وغير المرتبط بأي معطيات سياسية، كميات كفيلة بسد الفجوة الحالية بين ما هو مطلوب وما هو متوافر". وعزا المتحدث تأخر تنفيذ المشروع، إلى صعوبة توفير التمويل واختيار ائتلاف الشركات الفنية والإنشائية والهندسية التي ستقدم عروض التنفيذ. وتوقع اختيار الشركات المنفذة قبل نهاية العام الحالي. غير أن خبراء مياه أبدوا تفاؤلا أقل من الجهات الحكومية التي ترى في المشروع منقذا للواقع المائي الصعب في البلاد. وأشار الخبير المائي دريد محاسنة، إلى أن مشروع "الناقل الوطني" سيساهم في زيادة كميات المياه المخصصة للاستخدامات كافة، لكنه لن يعالج النقص الكبير في كميات ومصادر المياه. وقال محاسنة، لوكالة أنباء العالم العربي، إن المياه المتوفرة في الأردن حاليا لا تكفي سوى مليوني شخص من أصل 11 مليونا لكن هذا الأمر لا ينفي أن مشروع الناقل الوطني يعد الخيار المائي الاستراتيجي للأردن المتاح حاليا، رغم كلفته المالية والتقنية العالية. ودعا محاسنة، إلى جذب القطاع الخاص المحلي والأجنبي للاستثمار في مشاريع المياه والبحث عن مصادر جديدة، بدلا من الاعتماد على الاتفاقيات الدولية التي لا تلتزم بها الدول في غالب الأحيان، ومشاريع محدودة غير مستدامة.