من بدايته عند محطة كوبرى الخشب إلى نهايته عند ميدان الكيت كات يمتد شارع السودان بحى المهندسين على مسافة نحو 6 كيلومترات، تتباين بين مناطق شعبية ومتوسطة المستوى، لكنها تشترك كلها فى ميزة واحدة هى انتشار سيارات «الميكروباص» والزحام، مما جعله شارعا يصلح للأغراض التجارية أكثر منه مكانا لراغبى السكن الهادئ. السكان الأوائل لهذا الشارع الطويل نسبيا لم يتصورا عند انتقالهم إليه منذ أكثر من نصف قرن، أن يصير هذا حاله، وهو الشارع الذى كانوا لا يطمئنون للسير فيه بعد غروب الشمس، حيث كان أغلبه عبارة عن مساحات واسعة من الأراضى زراعية التى يمر بها خط السكة الحديد المتجه إلى مدن الصعيد، وبمحاذاته ترعة الزمر التى تم ردم أغلب أجزائها. يقول عمر عبدالمهيمن، سمسار عقارات يعمل منذ 25 عاما فى هذا المجال بالعديد من أحياء القاهرة، ومن بينها هذه المنطقة، «شارع السودان كان شديد الهدوء منذ 25 سنة ومقصد الراغبين فى السكن بحى المهندسين، ممن لا يجدون أماكن بأسعار معقولة فى الحى، فى مناطق مثل جامعة الدول وميدان لبنان التى تشبعت بالسكان، فسعر المتر فى هذا الوقت لم يكن يتجاوز 400 جنيه للمتر». الآن ينقسم شارع السودان إلى مناطق شعبية كثيفة السكان، وأخرى هادئة تصلح لسكن العائلات التى تنتمى للطبقة المتوسطة، وإن كانت «حتى الأماكن الهادئة بدأت تزدحم وتتحول إلى تجارية»، كما يوضح عبدالمهيمن، مشيرا إلى أنه بالنسبة للإيجار فهو بنظام القانون الجديد كله. تتركز الأماكن الشعبية فى شارع السودان بدءا من محطة كوبرى الخشب (أو مقار كما يعرفها الكثيرون) حتى التقاطع مع شارع جامعة الدول العربية، حيث تشمل هذه المسافة محطات بولاق الدكرور وناهيا التى تتسم بالزحام الشديد وبالتالى وجود العديد من المحال التجارية، وعيادات الأطباء ومكاتب المحاماة. فى هذه المنطقة يعد الحصول على محل تجارى أو شقة تصلح لتكون عيادة أو مكتب فى الدور الأول والثانى بمثابة حلم للراغبين فى تحقيق أرباح عالية بسبب الكثافة السكانية العالية التى تضمن مبيعات عالية، لذلك فإن الإيجارات تتراوح بين 3 و4 آلاف جنيه شهريا، أما فى حال التمليك فيكون المتر الواحد مقابل 3 آلاف جنيه على الأقل، كما يوضح عبدالمهيمن. لكن الحال ليس هكذا بالنسبة لراغبى السكن، فبسبب الزحام الشديد فى هذه المنطقة يصبح الإقبال على الشقق السكنية أقل لتنخفض أسعار الإيجارات إلى ألفى جنيه شهريا على الأكثر. بدءا من نهاية شارع جامعة الدول العربية وحتى تقاطع شارع سوريا مع السودان تتميز هذه المنطقة بكونها مكانا للسكن الهادئ نسبيا، وهى من أعلى المناطق السكنية فى الشارع كله من حيث أسعار الإيجارات والتمليك التى تصل إلى 3 آلاف جنيه شهريا للإيجار، ونفس المبلغ للمتر فى حال التمليك. بعد شارع سوريا مرورا بمنطقة مزلقان أرض اللواء وحتى محطة أوتوبيس ميدان لبنان الواقعة أسفل محور 26 يوليو يعود الزحام والتكدس لشارع السودان، لتصبح أسعار العقارات التجارية والسكنية على نفس ما هى عليه فى منطقة مقار جامعة الدول. ويعود بعض الهدوء إلى الشارع بعد محطة ميدان لبنان حتى ما قبل محطة مطار إمبابة بقليل، وإن كان مطلع محور 26 يوليو جعل مشهد السيارات المتكدسة معتادا فى هذه المنطقة. محطة «المطار» كما يسميها أهالى المنطقة تعد الأعلى من حيث أسعار الوحدات التجارية، حيث يقول عبدالمهيمن: إن أسعار الإيجار تبدأ من 15 ألف جنيه للمتر، مشيرا إلى أن أحد المحال فى هذه المنطقة بلغ سعر المتر به إلى 55 ألف جنيه، فيما يصل الإيجار بها إلى 30 ألف جنيه شهريا. «الكثافة السكانية قد تكون غير مناسبة للراغبين فى السكن الهادئ وتتسبب فى انخفاض الأسعار، لكن بالنسبة للتجارى الأمر مختلف»، كما يقول عبدالمهيمن. من بعد محطة «المطار» وحتى تقاطع شارع السودان مع شارع أحمد عرابى تعد هذه المسافة من المناطق السكنية الهادئة نسبيا التى تتراجع فيها أسعار التجارية بشدة وترتفع أمامها السكنية، ثم تبدأ بعد ذلك، من بعد أحمد عرابى إلى نهاية شارع السودان عند ميدان الكيت كات، مسافة من الكثافة السكانية العالية والزحام الشديد من سيارات الميكروباص وعربات الكارو لتحول دفة الأسعار مرة أخرى. «الشارع أصبح لا يطاق بالنسبة للسكن»، كما يقول عبدالمهيمن، الذى ترك شقته بشارع السودان بدوره بحثا عن مكان أكثر هدوءا، موضحا أن أكبر دليل على نظريته، الإقبال المتزايد على العقارات فى المدن الجديدة مثل 6 أكتوبر والشيخ زايد. ويشير عبدالمهيمن إلى أن الصف الموازى للسكة الحديدية كان معظمه عبارة عن فيللات وعمارات لا يتجاوز ارتفاعها ثلاثة أدوار تابعة لموظفى السكك الحديدية، والمحافظة، وموظفى الرقابة الإدارية، وبدأ الوضع فى الشارع فى التطور حتى عام 1998 الذى شهد طفرة فى أسعار العقارات به مع وزيادة الكثافة السكانية به، واستغلال أصحاب الفيللات لمواقعها بهدمها وبناء أبراج شاهقة الارتفاع. وساهم فى تزايد الزحام فى شارع السودان إلى جانب انتشار سيارات «الميكروباص» بأنواعها، إنشاء محور 26 يوليو الذى يبدأ أحد مطالعه من شارع السودان، كما يصب فيه أيضا، وكما يقول عبدالمهيمن: «المحور طفش ناس كتير من الشارع بسبب الزحمة»، مشيرا إلى أن هناك كثيرا من الشقق الخالية فى الشارع مع تزايد العرض عن الطلب.