خلال الأسابيع القليلة الماضية تعددت زيارات المسئولين العراقيين للرياض لمناقشة أوضاع ما بعد الانتخابات التشريعية. قبل الانتخابات زارها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوى. وبعدها قام الرئيس العراقى جلال طالبانى بزيارتها. وما كاد يغادر حتى كان مسعود البرزانى رئيس حكومة إقليم كردستان ضيفا على العاهل السعودى. وقبله كان وفد من التيار الصدرى قد قام بزيارته. وخلال تلك الزيارات التقى المسئولون العراقيون مع كبار المسئولين السعوديين، ما بين الملك عبدالله ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، الذى اكتفى بتصريح قال فيه إن المملكة ليس منحازة إلى أحد فى العراق لكنها تحتفظ بمسافة واحدة مع كل الأطراف. هذا الحضور السعودى فى المشهد الانتخابى العراقى يقابله حضور إيرانى قوى، الأمر الذى يعنى أن البلدين أصبحا لاعبين أساسيين فى الساحة العراقية، بعد الولاياتالمتحدة بطبيعة الحال. وهذا التنافس السعودى الإيرانى تكرر فى لبنان. فى الانتخابات التشريعية والبلدية. علما بأن الدور السورى لايزال على قوته هناك، وقد ازداد فى الآونة الأخيرة، خصوصا بعد الزيارة التى قام بها وليد جنبلاط إلى دمشق، بعد طول قطيعة وخصام. وثمة تحضير الآن لزيارة لا تقل أهمية سيقوم بها رئيس الوزراء سعد الحريرى للعاصمة السورية. حين يجول المرء ببصره فى أرجاء العالم العربى، سوف يلاحظ أن قطر كان لها دورها النشط على أكثر من جبهة، فى المصالحة بين الحوثيين والحكومة اليمنية، وبين الفرقاء اللبنانيين بعضهم البعض، وبين متمردى دارفور والحكومة السودانية وفى دعم المحاصرين فى غزة. وسيجد أن لندن رعت واستقبلت مؤتمرا لبحث الأزمة اليمنية. وإن كينيا كانت لاعبا رئيسيا فى تحديد مستقبل جنوب السودان بشماله من خلال اتفاقيتى ماشاكوس ونيفاشا، كما أن ليبيا كان لها دورها فى المصالحة بين تشاد والسودان. ورغم أن دولتين عربيتين لهما علاقاتهما الدبلوماسية مع إسرائيل، هما مصر والأردن، فإن الذى قام بالوساطة بين سوريا وإسرائيل كانت تركيا. لا يكاد المرء يجد ذكرا لمصر فى هذه العناوين، الأمر الذى يثير الانتباه والدهشة أيضا وهذا الغياب من دلائل حالة الانكفاء على الداخل، كما أنه شهادة على تراجع الدور المصرى فى العالم العربى. وليس الأمر مقصورا على الساحة السياسية لأننا فوجئنا خلال السنوات الأخيرة بأن الجامعات المصرية التى كانت بدورها رائدة يوميا ما خرجت من تصنيف الجامعات المحترمة فى العالم، وأن جامعات بعض الدول الأفريقية الناشئة تقدمت عليها وأثبتت حضورا مشهودا فى القائمة، وسبقت هذه وتلك بعض الجامعات الإسرائيلية. وحين قرأت أن شركة مقاولات تركية فازت بعقد تجهيز المنشآت اللازمة لعقد القمة العربية فى مدينة سرت الليبية، وأنجزت خلال تسعة أشهر كل القصور والفيللات المطلوبة ومعها حى سكنى كامل، كان السؤال الذى شغلنى هو: لماذا لم يعد هناك ذكر ل«المقاولون العرب» فى العالم العربى؟ ذلك حاصل بدرجة أو أخرى فى المجال الإعلامى، حيث ألغت قناة «الجزيرة» مثلا أى تأثير للتليفزيون المصرى، وتقدمت المسلسلات التركية والسورية على المسلسلات المصرية. بل إن المطربين اللبنانيين غزوا القاهرة وأصبحوا منافسا قويا لنظرائهم المصريين. بحيث أصبح أملنا فى التفوق وإثبات الحضور معقودا تقريبا على المنتخب القومى لكرة القدم! حتى نكون أكثر دقة، لا يفوتنا أن نسجل أن مصر أثبتت حضورا فى مجالات أخرى لا تشرفها كثيرا، فهى لاتزال بين الرواد فى احتكار السلطة وتطبيق قوانين الطوارئ والتعذيب والاعتقالات، وفى مؤشرات الفساد وتزوير الانتخابات. هذه الصور تفرض نفسها على الذاكرة كلما تجدد الحديث عن ريادة مصر التى هى حقيقة بأمر الجغرافيا والتاريخ، لكن الأمانة تقتضى أن نعترف بأن مصر الرائدة ليست مصر الراهنة. أعنى أن مصر كانت رائدة حين كانت فاعلة ومستوفية لشروط الريادة واستحقاقاتها باعتبار أن الريادة وظيفة وليست لقبا. أما حين خرجت مصر من الصف العربى بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، فإنها انكفأت على ذاتها واستقالت عمليا من موقع الريادة، وأصبحت سياستها الخارجية محصورة فى الالتحاق بمعكسر «الاعتدال» وتنفيذ السياسة الأمريكية فى المنطقة. من ثم فإن الكلام عن ريادتها يكاد يفقد معناه، ويصبح داعيا إلى الحسرة والحزن بأكثر منه للثقة والاعتزاز، لهذا تمنيت على وزير الخارجية المصرى السيد أحمد أبوالغيط حين يتطرق إلى هذه النقطة أن يكون أكثر تواضعا وحذرا، لأن مصر الكبيرة التى يلوح بها فى أحاديثه الحماسية غير تلك التى يشير إليها الآن.