استضاف قصر الأمير طاز بمنطقة الخليفة، الثلاثاء، ندوة بعنوان "الكتابات على شواهد القبور" وألقاها الدكتور مصطفى الصادق، أستاذ الطب والمهتم بتاريخ وتراث جبانات القاهرة التاريخية، بحضور مجموعة من أعضاء مبادرة شواهد مصر المهتمة بكشف وإنقاذ الآثار غير المسجلة، لجانب مثقفين وباحثين بالتراث. وروى الدكتور مصطفى الصادق ببداية حديثه، الأسباب التي دفعته للاهتمام بالتاريخ والتراث والذي يعد بعيدا تماما عن تخصصه كأستاذ لطب النساء والتي هي كانت طموحه وخطته منذ الطفولة؛ حيث كان والده هو الآخر طبيبا للنساء وكان يصطحبه في طفولته للمستشفيات وأصبحت مشاهد العمليات ليست بعيدة عن ذهنه وتفكيره؛ لكن مع إكماله لدراسته بالعاصمة الفرنسية باريس تصادف بأحد الكتيبات التي تمثل دليلا تاريخيا لمعالم باريس، الأمر الذي جذبه في البداية كقضاء وقت فراغ، ما لبث أن تحول لشغف وتعلق شديد. وواصل الصادق، بأن مع عودته للقاهرة قام بزيارة لشارع المعز بالقاهرة الفاطمية، وانبهر بالمساجد والأسبلة والمنازل والقصور، وكان رحلته لتتبع تاريخها، وتاريخ أصحابها الذي يعود لما يزيد عن الألف عام. وتابع أن القصور والمساجد تتبع مقابر وأحواش القاهرة القديمة بمناطقها المتعددة بصحراء المماليك والإمام الشافعي والليث، والسيدة نفيسة؛ فضلا عن مقابر خارج القاهرة بالدلتا والصعيد، ووثق وأرشف صورا لشواهدها وتراكيبها. * العمّة والتاج ووصف الصادق شواهد القبور، بأنها تمثل كنزا فنيا وتاريخيا؛ فهي تروي لنا من خلال زخارف وتكوينها الفني البديع، تفاصيل غاية بالإبهار؛ حيث تلاحظ بأن الشواهد التي تكون لقبر سيدة يتواجد أعلاها ما يشبه التاج، أما بحالة المدفون رجل فإن أعلاه يوجد ما يشبه العمّة. * حساب الجمل وأوضح الصادق، تفاصيل أخرى بالشواهد تظهر دقة في التعبير عن الفن، إذ اُستخدم ببعضها طريقة حساب الجمل (طريقة لتسجيل صور الأرقام والتواريخ باستخدام الحروف الأبجدية، إذ يُعطى كل حرف رقما معينا يدل عليه) فقد قرأنا على شواهد عديدة أبيات شعرية إذا طابقناها على حساب الجمل، وجدنا أنها تمثل بالفعل تاريخ وفاة صاحب القبر الذي كان محفورا هو الآخر على الشاهد، ما ينفي بعدها أي محاولة لتغيير اسم صحابه أو تزوير تاريخ الوفاة؛ لذا يعد الشاهد وثيقة دقيقة عن صاحبها. * وثيقة وفاة دقيقة ولفت الصادق، لبعد مهم في كتابات الشواهد وهي أنها لم تكتف فقط باسم المتوفي وتاريخ وفاته وأبيات الشعر التي توثق سنة الوفاة بحساب الجمل؛ فقد تضمنت بعض الشواهد سيرة ذاتية مقتضبة لصحابها بذكر وظيفته ودرجاته العلمية وتجربة دارسته في الخارج؛ فضلا عن عنصرا آخر وهو تأريخ للوفاة بالساعات والدقائق، مع ذكر ظروف الوفاة إن كانت لمرض أو أزمة قلبية وغيرها. * فاطمة أحمد حشمت وذكر الصادق أن الشواهد تركت لنا بعدا تأملياً، فقد جذبني اللون الأزرق لشاهد " فاطمة أحمد حشمت" إبنة وزير المالية في العهد وزوجة عبد العزيز باشا فهمي، واستشفيت من خلال عملي بأمراض النساء بأن تلك السيدة توفيت أثناء ولادتها وأنجنبت ذكرا (الأزرق للذكور والوردي للإناث)، وهو ما تأكد لي بعد ذلك من مراجع تاريخية تناولت سيرة عبد العزيز فهمي. * الشاهد أصدق من الكتاب وأكد الصادق على القيمة التاريخية الشاهد بأنه يكون أحيانا أصدق وأدق من معلومات الواردة بالكتب، فمع زيارتي لقبر والد إسماعيل باشا صدقي وقراءتي تاريخ الوفاة المدون عليه، والعودة لمذكرات إسماعيل صدقي وجدت أنه ذكر تاريخا لوفاة والده بخلاف المدون على الشاهد، وأدهشني الأمر بالبداية؛ لكن مع البحث اتضح لي أن صدقي قد أملى مذكراته وهو في سن قارب التسعين، ما معناه أن حالة الذاكرة قد تكون تأثرت، لذلك فالمعلومة الأكثر دقة هي المدونة على الشاهد. * بثينة أجمل فتاة في العالم وأشار لجانب آخر من الأهمية والقيمة التي تمثلها كتابات شواهد القبور، بأنها تقود لقصص إنسانية، ومثل على ذلك بحوش الفنان يوسف وهبي، الذي يضم قبرا مكتوب على تركيبته" بثينة..أجمل فتاة في العالم" والتي ظنّ الصادق في البداية بأنها ابنته؛ لكن بالبحث في أرشيف الصحف قاد لرواية كاملة بالقصة، وهي أن بثينة هي إبنة زوجة يوسف بك وهبي وكانت على قدر كبير من الجمال، وقد توفيت بحادث مأساوي بالسقوط من شرفة أحد فنادق العاصمة اللبنانية بيروت. وعلى هامش الندوة، قال إبراهيم المصري طايع، عضو مبادرة شواهد مصر والجمعية المصرية للدراسات التاريخية، للشروق، بأن الدكتور مصطفى الصادق بصدد إعداد موسوعة عن "جبانات القاهرة"، مستعينا بأرشيف من مئات الصور والمعلومات التاريخية التي جمعت من زياراته للمقابر التاريخية على مدار سنوات.