لم تتوقف عاصفة الجدل التى أثارها مهرجان «لقاء الصورة» الذى ينظمه المركز الثقافى الفرنسى، داخل الوسطين الفنى والثقافى، فتمسك الخارجية الفرنسية بمشاركة فيلم «شبه طبيعى» للمخرجة الإسرائيلية كيرين بن رفاييل بدا للجميع موقفا سياسيا أكثر منه فنيا، الأمر الذى أثار مخاوف الجميع من أن تتحول تلك المراكز إلى «أبواب خلفية» للتطبيع. وفى الوقت الذى اتفق فيه الجميع على أن المراكز الثقافية هى جزء من البلد التابع لها وبالتالى من حقها اتخاذ ما تراه مناسبا من قرارات فيما يتعلق بالأحداث الفنية والمشاركين فيها، دعا فنانون ومثقفون تلك المراكز إلى مراعاة ثقافة وتوجهات جمهورها من أبناء البلد المضيف حتى لا تفقدهم كما هو حال مهرجان «لقاء الصورة» الذى وضع المركز الفرنسى فى مواجهة مباشرة مع جمهوره من المثقفين. حسام نصار، رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة، أوضح فى البداية أنه لا يوجد ما يلزم المراكز الثقافية فى مصر بوقف التطبيع مع إسرائيل لأنها تعامل كسفارة دولته بكل ما لها من حصانة، لذلك فالمركز الثقافى الفرنسى حر تماما فيما يفعله. وأضاف: وفى المقابل نحن أحرار فيما نفعل داخل المركز الثقافى المصرى فى باريس، ولكن هذا لا يمنع أن للمثقفين كل الحق فى مقاطعة المهرجان طالما أن التطبيع مع إسرائيل مرفوض شعبيا وجماهيريا. غير أن المراكز الأجنبية ليست طليقة فى قراراتها على هذا النحو بل إنها تخضع بشكل أو بآخر لمراقبة وزارة التعليم العالى المصرية للتأكد من مراعاتها للاعتبارات الثقافية فى مصر.. هذا ما يقوله شريف جاد، نائب رئيس المركز الثقافى الروسى. ويضيف: تتولى الإدارة العامة للتمثيل الثقافى التابعة لوزارة التعليم العالى المصرية مهمة الإشراف على جميع المراكز الثقافية الأجنبية بمصر بحيث يكون مشاركتها فى الحياة الثقافية ملاحظا ولا يخرج عن حدود المتعارف عليه كمنع عرض الأفلام المخلة أو التى تحمل أنشطة تضر بسياسة البلاد لكن بشكل عام لا يوجد قانون يمنع المراكز الثقافية من أن تقوم بأنشطة تمثل تطبيعا مع إسرائيل. ويتطرق جاد إلى نقطة مهمة وخطأ جسيم ارتكبه المركز الثقافى الروسى فى الأزمة الأخيرة، ويقول: المركز الثقافى الفرنسى بمصر هو أحد أهم المراكز الأجنبية وأكثرها نشاطا، وعندما يقوم بمخالفة المطلب الشعبى الكبير للمصريين وهو وقف التطبيع مع إسرائيل فهو بذلك سيخسر جمهوره ويجب ألا تخالف المراكز الثقافية الاتجاه الشعبى للبلد. وأضاف «ليس من الحكمة أن تستخدم المراكز الثقافية فى ألعاب سياسية لأن الهدف الأكبر منها هو نشر ثقافة الدولة التى تمثلها». الدكتور سيد خطاب، رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، يرى أن الحل فى تلك الأزمة المشتعلة كان يتلخص فى خضوع تلك الأفلام للرقابة، لكن للأسف الشديد لا ينص القانون على ضرورة عرض الأفلام المعروضة بتلك المراكز الثقافية على الرقابة. ويقول: كنت أتمنى أن يكون للرقابة سلطة على الأفلام التى تعرض داخل جدران المراكز الثقافية الأجنبية حتى أنهى هذه ألازمه قبل أن تستفحل بأن أرفض الفيلم من البداية، ولكنى اكتشفت أن الرقابة ليس لها أى سلطة على هذا المهرجان لأنهم يعتبرونه على أرض فرنسية. وأضاف خطاب: أشم رائحة افتعال للأزمة، لأن القضية تم تصعيدها بشكل سريع جدا، حتى إن السفير الفرنسى بالقاهرة لم يدل بأى تصريحات بشأن هذه القضية أو حتى المستشار الثقافى للسفارة، مضيفا: المسألة الآن أصبحت بالفعل دبلوماسية وتخص فى المقام الأول وزارة الخارجية المصرية. واعتبر رئيس الرقابة أن حالة الحصار التى فرضها المثقفون والمبدعون المصريون على المركز والمهرجان سلبت منه كل شىء، وأتوقع أن المهرجان لن يقام، لأن المركز خسر جمهوره بعد إصراره على فعل شىء ضد رغبتهم، وبذلك لن يكون لهذا المهرجان قيمة، لأنهم سيعرضون الأفلام للكراسى والجدران. ودعا خطاب الفنانين المنسحبين من المشاركة فى فاعليات المهرجان إلى تنظيم مجموعة من الندوات السينمائية فى نفس أيام المهرجان، بالمجلس الأعلى للثقافة وهو مكان مفتوح للجميع. المخرج رأفت الميهى يقول على نحو واضح: ليس لنا حق التدخل فيما يقرره مركز الثقافة الفرنسى لأن المهرجان فى حكم القانون يقام على أرض فرنسية وليس لنا حق الاعتراض.. وأضاف: كل ما نملكه وما علينا أن ننسحب جميعا من المهرجان خاصة أن المسابقة الرسمية قائمه على الأفلام المصرية، وإذا حدث ذلك وأخذ موقفا تجاه المركز سيتعلم من الخطأ الذى اقترفه، ولن يكرره فى دورات المهرجان المقبلة. وتابع الميهى حديثه قائلا: ما حدث هو «جس نبض» من المركز الثقافى الفرنسى ليعرفوا موقف السينمائيين المصريين خاصة الشباب من المشاركة الإسرائيلية فى المهرجان، ومدى تقبلهم للتطبيع مع إسرائيل. وشدد الميهى على أن تكون هناك أوامر صارمة من نقابة السينمائيين وغرفة صناعة السينما بمنع أعضائها من المشاركة فى مثل هذه المهرجانات، لأن العملية سياسية بحتة، فموقف الخارجية الفرنسية بإعادة الفيلم الإسرائيلى للعرض فى المهرجان رغم اعتراض المصريين هو موقف سياسى لصالح إسرائيل على حساب مصر. الفنان محمود ياسين لم يخف إعجابه بموقف السينمائيين المصريين المنسحبين من فاعليات مهرجان «لقاء الصورة» لأنه خرج من ضمير حى، مشيرا فى الوقت نفسه إلى أن من حق المركز الثقافى عرض ما يريد على نحو غير معلن لأنه على أرض مصرية، وفى حال لم أعلن عن ذلك فيجب أن يواجه مثل تلك الردود. وفيما يتعلق بمخاوف من تحول المراكز الثقافية الى ورقة ضغط سياسى بدلا من كونها منارات ثقافية، قال ياسين: هذا يعد تراجعا فكريا وعقليا لأنه يجب على تلك المراكز أن تراعى مهمتها الأساسية وهى التواصل الفنى والحضارى بين الشعوب، لكن أن تتحول الى أداة ضغط سياسى فهذا غير مقبول. من جانبه، يقول الروائى إبراهيم أصلان: توقفت كثيرا أمام تمسك الخارجية الفرنسية بعرض الفيلم بالمهرجان، وفى المقابل لم تلتفت لكل المعترضين عليه والذين عبروا عن رفضهم بالإنسحاب. ويرى أصلان ما حدث أنه «دليل على أنه، أيا كانت علاقتنا بفرنسا، وما يصدرونه ويشيعونه بالولع الفرنسى للمصريين، فإن حرصهم على علاقتهم بإسرائيل أشد وأكبر، والحقيقة أن هذا ليس موقف فرنسا فقط، فهو موقف الغرب كاملا، وكذلك معظم دول الشرق، باستثناء مجموعة من الدول العربية». وأضاف: كل هؤلاء يرون أنفسهم مدينين لإسرائيل، كما أن الغرب يعتبرونها جزءا من ثقافتهم، لأنها الأقرب إليهم لما تطبقه من أسس ديمقراطية فى نظام الحكم، باستثناء موقفهم الوحشى ضد الفلسطينيين. ويؤكد الروائى إبراهيم عبدالمجيد أن المهرجان يخضع لاعتبارات سياسية فرنسية، لأنه تابع لها، وكل ما يملكه المصريون فقط هو قرار المقاطعة احتجاجا على الفيلم الإسرائيلى المشارك. وأوضح عبدالمجيد: من البداية يجب أن يبحث من اختارته إدارة المهرجان ليكون عضوا فى لجنة التحكيم، عن وجود المشاركة الإسرائيلية، حتى يقرر الانسحاب قبل اختلاق الأزمات. وأضاف: كما أن أمامه خيار المقاطعة فى النهاية، لا أن يفرح بالمشاركة كعضو فى لجنة التحكيم ثم ينسحب ويخلق أزمة، أقول ذلك لأننا بالفعل لا نملك إلا أن نقاطع ولا نشاهد الفيلم الإسرائيلى المشارك.