التعليم مبادرة "النيل الدولية" تلبي احتياجات الطلاب بالمراحل التعليمية المختلفة    من هو إبراهيم العرجاني؟    «سيدا»: مصر ستصبح رائدة في إنتاج الهيدروجين الأخضر بسبب موقعها الجغرافي    مسئول بغرفة الجيزة التجارية: الدواجن المجمدة أرخص سعرا وآمنة صحيا أكثر من الحية    وزير الإسكان: قطاع التخطيط يُعد حجر الزاوية لإقامة المشروعات وتحديد برامج التنمية بالمدن الجديدة    «سلامة الغذاء»: تنفيذ 17 مأمورية رقابية على فروع منشآت السلاسل التجارية    النائب مصطفى سالم: مصر تستعيد ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    تطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء من الثلاثاء.. وتلقي الطلبات حتى 6 أشهر    قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 25 فلسطينيا بينهم فتاة وأطفال من الضفة الغربية    قاضٍ مصرى: نتنياهو يستخدم الدين لمحو فلسطين ويدمر 215 مسجدًا وكنيسة    الجيش الأوكراني يعلن مقتل وإصابة أكثر من 474 ألف جندي روسي منذ بداية الحرب    بعد احتفال علي معلول بارتدائها مع الأهلي.. ما شارة القيادة؟    وزارة الرياضة تكلف لجنة للتفتيش على نادي الطيران    صباح الكورة.. غياب صخرة البايرن عن موقعة الريال وميسي وسواريز يكتبان التاريخ مع انتر ميامي    ميسي وسواريز يكتبان التاريخ مع إنتر ميامي بفوز كاسح    «الأرصاد» تحذر من رياح مثيرة للرمال والأتربة على القاهرة وبعض المحافظات    رفع حالة الطوارئ بمستشفيات بنها الجامعية لاستقبال أعياد الربيع    مواصفات امتحانات الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني.. اعرف أهم الأسئلة    «جوزها اتفق مع صديقه لاغتصابها».. تأجيل نظر طعون قاتلي شهيدة الشرف بالدقهلية على حكم إعدامهم    بعد انفصال شقيقه عن هنا الزاهد.. كريم فهمي: «أنا وزوجتي مش السبب»    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    منسق جناح الأزهر بمعرض أبوظبي: نشارك بإصدارات تكافح التطرف والعنصرية وتعزز حب الوطن    الليلة.. أمسية " زيارة إلى قاهرة نجيب محفوظ.. بين الروائي والتسجيلي" بمركز الإبداع    رئيس هيئة الرعاية الصحية يبحث تعزيز التعاون مع ممثل «يونيسف في مصر» لتدريب الكوادر    صحة المنيا: انتشار الفرق الطبية والعيادات المتنقلة أثناء الاحتفال بعيد القيامة وشم النسيم    «لو مبتاكلش الفسيخ والرنجة».. 5 أطعمة بديلة يمكن تناولها في شم النسيم    «الداخلية» تنظم حملة للتبرع بالدم في جنوب سيناء    همت سلامة: الرئيس السيسي لا يفرق بين مسلم ومسيحي ويتحدث دائماً عن كوننا مصريين    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الإثنين 6-5-2024، السرطان والأسد والعذراء    في يومه العالمي، الضحك يساعد على تخفيف التوتر النفسي (فيديو)    حسام عاشور: رفضت الانضمام للزمالك.. ورمضان صبحي "نفسه يرجع" الأهلي    العثور على جثة عامل ملقاة في مصرف مياه بالقناطر الخيرية.. أمن القليوبية يكشف التفاصيل    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يضغط لاستبعاد قطاع الزراعة من النزاعات التجارية مع الصين    أخبار الأهلي: شوبير يكشف عن تحديد أول الراحلين عن الأهلي في الصيف    وزير المالية: 3.5 مليار جنيه لدعم الكهرباء وشركات المياه و657 مليون ل«المزارعين»    ضبط دهون لحوم بلدية غير صالحة للاستهلاك الآدمي في البحيرة    وفاة كهربائي صعقه التيار بسوهاج    رئيس الوزراء الياباني: ليس هناك خطط لحل البرلمان    قصف مدفعي إسرائيلي على الحدود اللبنانية    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    «شوبير» يكشف حقيقة رفض الشناوي المشاركة مع الأهلي    يصل إلى 50 شهاباً في السماء.. «الجمعية الفلكية» تعلن موعد ذروة «إيتا الدلويات 2024» (تفاصيل)    يعود لعصر الفراعنة.. خبير آثار: «شم النسيم» أقدم عيد شعبي في مصر    سرب الوطنية والكرامة    رئيس جامعة بنها: تلقينا 3149 شكوى وفحص 99.43% منها    وزير التنمية المحلية يهنئ البابا تواضروس الثاني بعيد القيامة المجيد    البابا تواضروس خلال قداس عيد القيامة: الوطن أغلى ما عند الإنسان (صور)    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الأحد في الأسواق (موقع رسمي)    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    أثناء حضوره القداس بالكاتدرائية المرقسية.. يمامة يهنئ البابا تواضروس بعيد القيامة المجيد    إنقاذ العالقين فوق أسطح المباني في البرازيل بسبب الفيضانات|فيديو    كريم فهمي: مكنتش متخيل أن أمي ممكن تتزوج مرة تانية    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكريات الثانوية العامة
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 08 - 2023

أتيحت لي الفرصة كي ألتقي بأحد أوائل الثانوية العامة للعام 2022-2023 على إحدى الفضائيات العربية، فكانت التجربة بالغة الإثارة إلى الحد الذي شعرتُ معه ليس أننا ضيفان على تلك الفضائية بل إنني أنا نفسي عبارة عن كائنة فضائية كبيرة. يفصل بيني وبين هذا الشاب 49 عامًا منذ كنتُ الأولى على الثانوية العامة القسم الأدبي في عام 1973-1974، وبالتالي فلا موضع للمقارنة أصلًا وهذا طبيعي كما لو كنت قد قارنتُ مثلًا بين شهادة البكالوريا التي حصل عليها والدي في ثلاثينيات القرن الماضي وشهادة الثانوية العامة التي حصلتُ عليها أنا في السبعينيات، مع تحفّظ بسيط يتعلّق بأن معدّلات التغيّر في الظواهر آخذة في التسارُع بحكم التطورات التكنولوچية الهائلة. ولو أردتُ أن أرصد بعض أهم معالم التغيير في بيئة العملية التعليمية بين 1974 و2023 من منظور الثانوية العامة وترتيب الأوائل سنجد مثلًا أنه بعد أن كان التخصص ينحصر في القسمين الأدبي والعلمي صارت هناك تفريعات في القسم العلمي لرياضة وعلوم، وبينما كانت هناك شهادة واحدة للثانوية عامة تعدّدت الشهادات المنافسة التي تمنحها حوالي 350 مدرسة على مستوى الجمهورية. وبعد أن كانت مدارس الراهبات تستحوذ على معظم المراكز الأولى خصوصًا في القسم الأدبي أصبَحَت المدارس الحكومية التي تقدّم "التعليم الوطني" هي صاحبة نصيب الأسد من أوائل الثانوية العامة بعد أن أخذ "التعليم الدولي" سواء في المدارس الخاصة الجديدة أو في المدارس الأجنبية العريقة أعدادًا متزايدة من أبناء الطبقة الوسطى، فضلًا عن أبناء الطبقة العليا بطبيعة الحال، والسبب الأساسي وراء ذلك هو الهروب من تعقيدات امتحانات الثانوية العامة. وبعد أن كان هناك تنسيق واحد تعدّدَت مكاتب التنسيق بحكم تعدّد نظم التعليم. وبالنسبة لنظم الامتحانات فلم نكن نعرف شيئًا اسمه الاختيار من متعدّد فلكل سؤال إجابة مقالية ولكل معادلة رياضية حلّها، ولا ننسى طبعًا أن مجموع درجات المواد وكذلك مجاميع الأوائل ارتفعَت بشكل ملحوظ مقارنةً بما كان عليه الوضع أيام زمان، وكمثال كان مجموع درجات مواد الثانوية العامة في عام 1974 للقسم الأدبي 280 درجة فأصبح 400 درجة، وكنتُ الأولى على الجمهورية أدبي من مدرسة المير دي يو بنسبة 92.8٪، أما الأولى أدبي هذا العام واسمها فايزة علي محمد محمود فحصلَت على 98.1٪، وهي من مدرسة المصطفى الثانوية المشتركة للبنات، وتم إلغاء نسبة ال2٪ التي كان يحصل عليها الدارسون لمستوى رفيع من إحدى اللغات الأجنبية. وكانت على أيامنا توجد جامعة خاصة واحدة هي الجامعة الأمريكية، أما الآن فلقد تعدّدت الجامعات الخاصة وتنوّعت.
• • •
لكن رغم كل هذا التغيّر في البيئة التعليمية أرى أن التغيير الأهم هو الذي حدث في نقطتين أساسيتين، النقطة الأولى هي دور المدرسة، وأعني بها المدرسة الحكومية التي يقصدها السواد الأعظم من أبناء المصريين، والنقطة الثانية هي علاقة المدرسين بالطلاب. نشأتُ في أسرة تعلّم أبناءها تعليمًا حكوميًا من الألف للياء، ولو أخذنا المرحلة الثانوية على سبيل المثال فإن أخوّي أتمّاها في مدرسة الإبراهيمية التي تخرّج منها صاحب أهم مشروع لتطوير التعليم ما قبل الجامعي في مصر، وهو طبيب الأطفال الشهير ووزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور حسين كامل بهاء الدين. ومازلتُ أذكر كيف أرسلَت إدارة المدرسة الإبراهيمية في استدعاء والدي على عجل لأن أخي الأكبر تغيّب يومًا عن الحضور دون سبب، فالانتظام كان هو الأصل والغياب كان هو الاستثناء. اليوم تغير الوضع وانقلبَت الآية وتحوّل التعليم النظامي من الناحية العملية إلى تعليم من منازلهم كما كنا نقول. لكن الطلاب الذين يتغيبون عن المدرسة يفقدون دون أن يعلموا أشياءً لا تُعوّض: مشاوير ما قبل بداية العام الدراسي لشراء الزي المدرسي والحذاء والأقلام والكشاكيل، طابور الصباح وتحية العلم والإذاعة المدرسية، الفصل والصّف والمقعد والجدران التي عليها بصمات أصابعنا، الفُسحَة والحوش والمصروف والكانتين، الناظر والمدرّس وزيارات التفتيش الدورية من الإدارة التعليمية، الشقاوة والمقالب والصداقة والحواديت والذكريات والقيم وترقّب النتيجة مع كل شهادة شهرية، أشياء لا تُشترى ولا تُضاهَى، ولن يجدها المتغيبون أبدًا في أفضل "السناتر".. هذا المصطلح السخيف الذي قمنا بتعريبه للدلالة على العِزال من المدارس لمراكز الدروس الخصوصية، وليس مصادفةً أن العِزال مشتّق من الجذر اللغوي عزَلَ.. ليس مصادفةً أبدًا. مازلت أذكر حتى الآن صورة أمي وهي تقف في المطبخ كل صباح لتعّد لنا ساندويتشات المدرسة، وتدّس لنا معها من فرط التدليل بعض الأشياء التي تودّي في داهية كقطع قصب السكر، وتوصينا أن نأكلها في الفسحة الأولى لا الثانية لأنها قد تنشف وتسوّد، تفكير لا يخطر على بال أحد لأن الحياة يمكن أن تمضي عادي بسلاسة وبدون قصب السكر، لكن مفتاح اللغز موجود في قلب الأم. وبعد كل هذا العُمر مازال قلبي يخفق كلما مررتُ بشارع بغداد في مصر الجديدة ورأيت بائع الأقفاص والصناديق الخوص يجلس أمام محل Paul محاطًا بثروته الملونّة، ففي هذه الصناديق طالما دسّت لنا أمي أشياءها اللذيذة المعجونة بحب وقلق واهتمام، فهل ننسى؟ كيف ننسى؟ أكاد في هذه اللحظة أحسّ بطعم قصب السكر في فمي وتخايلني دموع الاشتياق.
• • •
النقطة الثانية التي طالها تغيير جوهري هي علاقة المدرّسين بالطلاب، وعلى أيامنا وأيام الذين سبقونا كان هناك مدرسون أثرّوا في تشكيل شخصياتنا بأكثر مما يتصوّرون هم أنفسهم. عشتُ وأنا الأختُ الصغرى لأخوّي الذكرين -فرحة أخي الأوسط كلما فاز بجنيه- وهذا مبلغ كبير جدًا في مطلع السبعينيات- من مدرّس الرياضيات بالمدرسة الإبراهيمية الأستاذ سعد كامل، وسمعت في بيتنا عن شطارة أستاذ سعد إسرائيل مدرّس الكيمياء والأستاذ محمد طحيمر مدرّس الفيزياء، فلقد كان المدرسون جزءًا متمّمًا ومكمّلًا لأسرتنا ولكل الأُسر. لن أتطرّق هنا لدور مدرسّي مدرستي الخاصة حتى نقارن التفاح بالتفاح كما يقال، فقط أشير إلى أنه عندما توقفّت الدراسة لنحو ثلاثة أسابيع بسبب اندلاع حرب أكتوبر تطوّع أستاذ مخلص مدرّس الفلسفة والمنطق وعلم النفس ومدام عزيزة مدرسة الجغرافيا بزيارتي في المنزل والتدريس لي حتى إذا استؤنفت الدراسة كنت جاهزة، فقد كانا يراهنان عليّ وفضلهما عليّ كبير. وعندما أخبرني أحد موظفي الكونترول أنني أوشك أن أكون الأولى على الجمهورية في انتظار ظهور نتائج أربع محافظات، كانت تأتيني التليفونات اليومية من مدرسّي مدرستي للاطمئنان عليّ أولًا بأول: هيه خلصوا الغربية؟ هيه خلصوا المنوفية؟ وتلك الأفعال تدخل اليوم في عداد الأساطير.
• • •
انتهى مولد الثانوية العامة.. انتهى بعد أن جدّد امتناني وسعادتي وحنيني وشبابي، مبروك لكل الناجحين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.