منذ توليه الحكم فى 1981 لم يعين الرئيس مبارك نائبا له. قائلا إنه سيقوم بذلك فى حال ما وجد الشخص المناسب، وأنه لا يريد فرض أحد على الشعب. ومع الوقت لم تعد مسألة تعيين النائب محل حديث. لكنه يعود دوما فى لحظات الأزمات مثل حالة الإغماء، التى أصابت الرئيس أثناء إلقائه خطابا فى البرلمان المصرى فى 2003 أو فى حالة العملية الجراحية، التى خضع لها فى ميونيخ لإصلاح إصابة بالعامود الفقرى فى العام التالى أو مع ظروف العملية الجراحية، التى خضع لها فى ألمانيا هذا الشهر لاستئصال الحويصلة المرارية وورم حميد فى الاثنى عشر. «هو ليه مش بيعين نائب؟» هكذا قال حسين السائق بإحدى الشركات الكبرى بالقاهرة. حسين الذى احتفل هذا الشهر بعيد ميلاده الأربعين يقول إنه يشعر بعدم ارتياح لعدم وجود نائب لرئيس الجمهورية، ويقول: «الواحد مش عارف إيه اللى هيحصل بالضبط، إحنا مش أمريكا ومعندناش نظام ديمقراطية ولازم يكون فى نائب علشان انتقال السلطة يكون من غير مشكلات، وبعدين نشوف الديمقراطية تيجى إزاى». محمد الموظف الخمسينى فى إحدى المنظمات الدولية يشعر هو الآخر بالقلق لخلو منصب نائب رئيس الجمهورية. «الأمر غير محسوم فيما يتعلق بالمرحلة المقبلة من الحكم.. يعنى الكلام عن أن جمال مبارك (النجل الأصغر للرئيس والشخصية المتنفذة فى الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم) هو الرئيس القادم هو حتى الآن مجرد حديث. ولا يعلم أحد كيف سيتم تنفيذه حتى إذا ما كان ذلك بالفعل ممكنا ومحل اتفاق بين جميع الجهات المعنية والفاعلة فى الدولة». محمد ليس محبذا بالضرورة لوصول جمال للحكم لخلافة والده، وفى الوقت نفسه يستبعد وصول شخصيات مستقلة، تم تداول أسمائها مؤخرا إلى سدة الحكم. «ده كله كلام، مين اللى هيوافق على الأشخاص دى.. الشرطة ولا الجيش ولا مين». الحل الناجح من وجهة نظر محمد، الذى كان يتمنى مصر ديمقراطية، أن يكون هناك نائب لرئيس الجمهورية. «يعمل نائب مناسب وبعدين النائب ده ياخد خطوات نحو تثبيت أسس حقيقية للديمقراطية». وقد تلقفت حركات التغيير، التى تقول إنها تمثل توجها عاما غير متبلور سياسيا فى الشارع المصرى، عودة المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعى، لمصر وإعلانه نيته دخول الحياة السياسية فى البلاد، كمركز ورمز لدعوتها لتعديل الدستور ووقف «مشروع توريث الحكم لجمال مبارك». وقد ظهرت حركات التغيير هذه للحياة السياسية المصرية منذ 2003، مع التصاعد الكبير فى الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات العمالية، التى قام بها على مدى هذه السنوات آلاف ممن تأثرت مستويات معيشتهم بالسلب برغم النمو الاقتصادى فى البلاد. ولا يمثل تعيين نائب لرئيس الجمهورية هما عاما للمصريين فى المجمل. ولا تمثل أيضا مطلبا ملحا لأى من قطاعات المعارضة الفاعلة. بل إن فى هذه الأوساط من يرى أن تعيين نائب هو فرض لاختيار حاكم على مستقبل الوطن. لكن الاستقرار السياسى بعيد المدى، وعدم حدوث اضطرابات سياسية فى حال الاحتياج لإجراء انتخابات رئاسية بصورة طارئة، أصبحت مقوماته محل مشاورات سياسية متزايدة فى صفوف المعارضة والمثقفين، وصار مطلبا ملحا على أجندة هؤلاء، يرى البعض أنه يتطلب وجود نائب للرئيس للتعامل مع أى ظرف طارئ، حتى لو لم يصل بالضرورة إلى سدة الحكم. ولا ينص الدستور المصرى على ضرورة أن يكون هناك نائب لرئيس الجمهورية، ويسمح للرئيس أن ينقل سلطاته عند الضرورة لنائب الرئيس أو رئيس الوزراء فى حال عدم وجود نائب له، وهو ما فعله مبارك العام الجارى كما فى عام 2004. يقول حسن نافعة المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير إنه بغض النظر عن أسباب مبارك فى عدم تعيين نائب له فإن غياب شخص النائب لا يخدم مصالح الدولة. «وجود نائب لرئيس الجمهورية فى كل الأحوال مسألة ضرورية (خاصة) أن رئيس الوزراء ليس لديه صلاحيات كبيرة حسب الدستور وأن التفويض فى اللحظة الأخيرة، كما يحدث عند سفر الرئيس للخضوع لعملية جراحية ليس بالضرورة أنجح الطرق فى التعامل مع مصالح الوطن»، على حد تعبيره. «الأمر شائك ولكن بالنظر إلى القلق الذى شهدناه (خلال الأيام الماضية) فمن الأفضل أن يقوم الرئيس بتعيين نائب له بما يسمح بوجود صمام أمان ويدعم شعور الاستقرار السياسى والاقتصادى، يضيف حمدين صباحى، القيادى الناصرى، الذى يعتزم ترشيح نفسه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة. على الجانب الآخر من المعادلة السياسية، التقدير مختلف. «ما فيش حاجة اسمها تعيين نائب رئيس جمهورية خلاص.. الموضوع ده خلاص مش موجود فى الحسابات، وأعتقد أن من ينتظر عودة الرئيس ليقوم بتعيين نائب فى ضوء ما حدث من قلق على صحة الرئيس هو مخطئ فى الحسابات»، هكذا يقول سياسى فى الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم مشترطا عدم ذكر اسمه. المستقبل حسب هذا الشخص محسوم لحساب جمال مبارك، الذى يوجد «تفاهم ودعم على أن يرشحه الحزب» الوطنى فى أى انتخابات رئاسية قادمة لا يترشح فيها الرئيس مبارك «لأى سبب». وفى دوائر معينة فى الحزب الوطنى الديمقراطى، وأخرى ليست ضيقة فى مجتمع رجال الأعمال المصرى المتزايد النفوذ، هناك من يرى أن جمال مبارك هو بمثابة رئيس الجمهورية القادم، الذى لا تحتاج الأمور معه لتعيين نائب. وهو بحسب شخصيات رسمية وحزبية «ليس بعيدا أبدا عن شئون الحكم بصفة استشارية بالأساس». كما أنه أحد شخصيات محدودة تنطبق عليها متطلبات المادة 76 من الدستور، التى تحدد الشروط الواجب توافرها فى مرشحى رئاسة الجمهورية. الحديث عن النائب فى الشارع المصرى وبعض أروقة السياسة، يشدد نافعة، «جاء فى ضوء ظرف مرض الرئيس، شفاه الله، ولكن المشكلة الحقيقية، التى نحن بصددها ويجب العمل على تقويمها، وهو مرض النظام السياسى بمجمله»، على حد تعبيره.