استحضار جدل المكان والإنسان لنسف التصورات الساذجة عن الهجرة نصوص تتشابك فيها معانى الرهافة والبساطة والجمال، الممزوجة بالجرأة والقسوة والشقاء، فى راوية «أيام الشمس المشرقة»، تسرد خلالها الكاتبة والأديبة «ميرال الطحاوى» حكايات شيقة عن «الطيور المهاجرة» خارج البلاد وما يتعرض له المهاجرون خارج البلاد، حيث جغرافيا سردية تستند إلى تجارب شديدة الواقعية. تستغل الكاتبة ميرال الطحاوى قدرتها على إحداث حالة من تدفق التشبيهات الذكية واستخدام اللغة السلسة، لتوريط القارئ مبكرا فى النص، ليجد نفسه بصدد قضية «اللاجئين» و«المهاجرين» بوصفهم قضية عالمية، حيث قدمت مجموعة من التطورات التى لها علاقة بعوالم مغايرة عن العنوان «أيام الشمس المشرقة» حيث صورة قاتمة لمدينة يحل فيها الخراب والدمار. تبدأ الرواية، الصادرة عن دار العين، بحدث محورى، انتحار شاب من الجيل الثانى للمهاجرين، لتكون تلك الانطلاقة هى الأنسب للمضى فى عوالم تشكلها أحداث هامة عن العديد من الوجوه المهمشة والتى تشعر بعمق أزمة الهوية، وانغماسهم فى تجارب قاسية بعيدا عن أوطانهم المنسية، ليقف الجميع فى حالة تساؤل عن مصيرهم البائس ومستقبلهم المجهول. جاءت الطريقة التى استخدمتها الطحاوى فى رسم الشخصيات، مناسبة تماما لأبطال من رحم الواقع، حيث أصوات تصرخ بالمعاناة فى ولايات مشمسة بالجنوب الغربى للولايات المتحدة، وسط دوامات البطالة والجريمة والعنف، لتطرح مجموعة من التساؤلات التى يسوقها الإنسان المعاصر عن الهوية والانتماء، والبطلة هنا نعم الخباز، ما إن تستعرض حكايتها، حتى يظهر بطل آخر ليحكى حكاية أخرى، وهكذا فى إيقاع سريع دون أن يكون لاهثا. تلعب ميرال الطحاوى على وتر شيق بالنسبة للقارئ، ويحمل أفكارا تناقض الصورة الوردية المرسومة عن السفر والهجرة، حيث تتناول صعوبات حياة المهاجرين واللاجئين فى البلدان الجديدة التى ذهبوا إليها، والتى ظنّوها فضاءً لتحقُّق أحلامهم، ليفاجأوا أنها مقبرةٌ لهذا الأحلام، حيث يتمُّ استغلال هؤلاء فى أعمالٍ شاقة بسبب وضعهم غير الشرعى، كما يحدث لعدد من النساء فى بلدةٍ جبليةٍ تقع على الشاطئ الغربى للولايات المتحدة، وهى بلدة شبه مهجورة، كانت فى السابق مدينةً لعمال المناجم. «الأحلام لا تتحقق بهذه السهولة فى الخارج» تلك هى التيمة الأساسية التى تركز عليها الكاتبة فى الرواية، حيث تختلط العديد من التفاعلات والأحلام حول الشرق والغرب، وهى المعطيات التى يثريها الأبطال القادمون من بيئات مختلفة فى الشرق الأوسط، هربا من واقع مرير وأحلام لم تتحقق على مدار سنوات طويلة، مع التحذير من موجات الأمل الخادعة التى تحدو الجميع ليحققوا لأنفسهم ما فاتهم فى أوطانهم الأولى، قبل أن يصطدموا بواقع سيصبح أكثر مرارة مما يحدث فى بلدانهم. استخدمت ميرال الطحاوى لغة سهلة وسلسلة تناسب تماما تسليط الضوء على ضحايا الحروب والمجاعات، المتسللين، الخادمات والمربيات، الرجال الصعاليك والطامحين والهاربين من جحيم الماضى، دون أى تقعير لغوى يقف عائقا أمام توصيل الفكرة الخاصة بنسف الأفكار التقليدية الساذجة عن الهجرة واللجوء. منحت ميرال الطحاوى أهمية خاصة للمكان فى الرواية، ليس فقط أهمية مستقاة من العناوين الخمس لفصول الرواية، وإنما أهمية نابعة من استحضار جدل المكان والإنسان، حيث يتحول الفضاء المكانى إلى فضاء يعج بالانفعالات النفسية الإنسانية بالأساس، حيث يرتبط المكان بإثارة أكبر قد من انفعالات البشر وهواجسهم فى لحظات مأزومة يعايشها عالم المهاجرين. سعت الكاتبة والروائية إلى السيطرة التامة على عالم الرواية وشخوصها، والإحاطة بالعوالم المترامية الأطراف فيها، حيث جاء العمل ليكون كبيرا نسبيا، ومتطرقا للعديد من التفاصيل الدقيقة حتى مع الشخصيات الثانوية، الأمر الذى ترك مساحة أيضا أمام الإسقاطات والرمزيات، فعلى سبيل المثال «ميمى دونج» الأفريقية الجميلة، التى جعلت جسدها مشاعًا، فى إسقاط وانعكاس دال على القارة السمراء. مع اقتراب ميرال الطحاوى من نهاية روايتها «أيام الشمس المشرقة» تتيح للقارئ إمكانية أن تكون كافة الشخصيات أمامه عبارة عن عينات تحت مجهر دقيق، حيث يكتفى بالمعاينة دون إطلاق أحكام باتة أو إغلاق نهائى لتلك الشخصيات، حيث نماذج سيكون لها حضور دائم ووجود متكرر، أمام مأساة الهجرة واللجوء. يشار إلى أن «أيام الشمس المشرقة» ترشحت للقائمة القصيرة للبوكر، للكاتبة ميرال الطحاوى وهى روائية وأكاديمية مصرية، تعمل أستاذًا للأدب العربى بكلية اللغات العالمية والترجمة بجامعة آريزونا الأمريكية، ومن أشهر رواياتها: «الخباء»، «الباذنجانة الزرقاء» التى حازت على جائزة الدولة التشجيعية فى الرواية سنة 2002، «نقرات الظباء»، «بروكلين هايتس» التى ترشَّحتْ للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية سنة 2011، كما حازت على جائزة نجيب محفوظ سنة 2011 التى تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة.