نشرت مجلة دير شبيجل الألمانية، حواراً مع عمر البشير رئيس السودان، اليوم الاثنين، تطرق خلاله إلى جرائم الحرب فى دارفور، وأكد على تحمل مسئولية ما حدث هناك باعتباره رئيساً للجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة. وجاء نص الحوار كما أوردته المجلة على موقعها الإلكتروني فيما يلي: - سيدي الرئيس، توجه لك 100 دولة في العالم تهماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية، فما قولك في الاتهام الموجه إليك؟ ليس صحيحاً أن أكثر من 100 دولة وراء هذا القرار، لأن هناك العديد من الدول الإفريقية التي طالبت المحكمة الجنائية الدولية بإعادة التفكير في حكمها، حتى أن هناك دول قد هددت بالانسحاب من المنظمة بأكملها بسبب القرار. - لكن هناك عدد متزايد من الدول، مثل جنوب إفريقيا مثلا، والتي بدأت تقطع علاقتها معكم بالتدريج.. إن العلاقات مع جنوب أفريقيا ممتازة، وهي جيدة أيضا مع فنزويلا التي سأزورها بعد انتهاء الانتخابات في أبريل، لكننا نعترف أن علاقاتنا مع الدول الأوروبية متوترة. ما أندهش منه حقا هو التوتر الذي حدث مع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تصر على تنفيذ حكم المحكمة الجنائية الدولية رغم أنها لا تعترف بها أصلا. - تبدو غير مهتم كثيراً بسلامتك على الرغم من التهديدات التي تلقيتها من قبل قوة خاصة، بأنه سيتم اعتقالك وتسليمك للمحكمة الجنائية الدولية.. إنني أشعر بالأمان في بلدي ولا أخشى شيئاً، على العكس، لقد أفادتني مذكرة الاعتقال تلك كثيرا لأنها رفعت شعبيتي بشكل لا يصدق هنا. - لكن هناك جرائم مسكوت عنها حدثت في إقليم دارفور المضطرب. وطبقا للائحة الاتهامات الموجهة إليك فقد دعمت الميليشيات المسلحة سيئة السمعة (جنجاويد) مما جعلهم يهجمون على القرى في دارفور ويتسببون في مذابح جماعية لأهلها.. هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة، فمن البداية كان هناك مؤامرة من الخارج تسعى لدعم انقلاب سياسي وعسكري واقتصادي في دارفور. في البداية ساند المخربين الأجانب، الجنوب السوداني ومتمرديه مستغلين الصراعات التقليدية الدائرة بين ملاك الأراضي والفلاحين التي كانت تحدث فقط أيام الجفاف. - لكن الأجانب لم يرتكبوا المذابح في حق سكان دارفور.. بالطبع كانت هناك جرائم، بل وجرائم من أبشع ما يكون، هذا ما يحدث في كل مكان في العالم، حين تبدأ الجماعات المسلحة في معارضة الحكومة وخلق المشاكل. ومن واجب قواتنا المسلحة أن تتصدى لهؤلاء المتمردين المسلحين. إن كل الادعاءات الخارجية، بخصوص ميليشيات الجانجاويد وهجماتهم، ظهرت فقط لحجب الحقيقة. - دعنا نوضح هذا إذن، هل تقول أن هناك جرائم حرب وفظائع تم ارتكابها فعلا في دارفور على يد بعض الجنود ذوي الرتب الصغيرة من جيشك؟ إن قواتنا المسلحة تتحرك دائما في إطار القانون، ونحن نحاسب أي فرد فيها أو في الحكومة إذا ما انتهك هذه القوانين. على سبيل المثال، لقد أصدرنا حكما بالإعدام في حق ضابط شرطة، بعد أن اكتشفنا أنه قتل قائد مجموعة مسلحة بالرصاص، كما أننا حكمنا على واحد من قوات الأمن بالسجن بعد أن قتل مواطناً من دارفور. - بصفتك القائد الأعلى ورئيس الجمهورية، هل تتحمل المسئولية الشخصية عما حدث في دارفور؟ من واجبي أن أنفذ القانون وأن أتأكد من تطبيقها، لذا أنا مسئول عن كل ما يحدث عندما أؤدي واجبي هذا. - إن العلاقات الدبلوماسية الرسمية بينكم وبين الولاياتالمتحدةالأمريكية قد انقطعت منذ 12 عاما، على الرغم من اهتمام أمريكا بالنفط في السودان وباستقرار بلادكم الداخلي. كما أن الاستخبارات الأمريكية قد تعاونت معكم أكثر من مرة في الحرب على الإرهاب، فأنتم تستخدمون وسائل المخابرات الأمريكية، وقد زار رئيس المخابرات السوداني السابق الولاياتالمتحدة أكثر من مرة، فهل هذا يعني أن العلاقات تسير بشكل جيد في السر بين السودان وأمريكا؟ إن صناع القرار الحقيقيين في أمريكا وال أف بي آي، وجهاز المخابرات المركزية هناك يعلمون جيدا أن الاتهامات الموجهة للسودان غير صحيحة على الإطلاق. لكن هناك مجموعة بعينها لها مصالح قوية هي التي تضغط على الحكومة الأمريكية، من هنا تأتي كل هذه المتناقضات في الموقف الأمريكي. - إنك تشك دائما أن إسرائيل لها يد خفية وراء كل ما يحدث لكنك في الوقت نفسه تساعد الفلسطينيين المتشددين في حربهم ضد إسرائيل.. نعم، نحن ندعم حماس وحزب الله في قتالهم المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي كما ندعم المقاومة في العراق وأفغانستان ضد الاحتلال الأمريكي، الذي فرض عليهم رئيسا للبلاد بالقوة. - هل هناك أية مفاوضات سرية بينك وبين الجانب الأمريكي، تشبه تلك التي كانت بين ليبيا وأمريكا بعد أن تخلت ليبيا عن برنامجها النووي وصارت حليفاً لواشنطن؟ إن محادثاتنا مع الجانب الأمريكي تتم من خلال المبعوث الخاص سكوت جريشن، وهو رجل واقعي وعقلاني إلى حد كبير. لقد كانت الولاياتالمتحدة الراعية لشئون النفط في السودان من قبل، لكنها قررت الخروج من السودان بشكل كامل على اعتقاد أن أحدا لن يحل محلها. - المعروف أن وفدا من الرابطة الألمانية العربية زار بلدكم مؤخرا، فهل تعتقد أن هناك احتمال بسيط أن تزدهر الأوضاع الاقتصادية في السودان بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة عليه عقوبات اقتصادية؟ نحن مستعدون إلى التعاون مع الاقتصاد الألماني بلا شك، ومستعدون لحماية مشروعاته في السودان إذا تطلب الأمر، لكن كل هذه العقوبات المفروضة ليس لها أي تأثير علينا. لقد وقعنا اتفاقاً اقتصادياً كبيراً مع الصين. أما على صعيد البترول، فقد وقعنا اتفاقيات وعقود مع شركات صينية وهندية وماليزية أفضل بكثير من تلك التي وقعناها مع الجانب الأمريكي من قبل، حيث كان يحصل منا على 70% من إنتاج النفط بينما يتبقى للسودان فقط 30%، الآن تمتلك الحكومة السودانية أكثر من 70% من البترول كما أن معظم العاملين الآن في مجال النفط من السودانيين. - لماذا استضفتم الإرهابي أسامة بن لادن لمدة 4 سنوات في بلادكم؟ لقد كان بن لادن ناشطا في أفغانستان في بداياته كواحد من "المجاهدين"، وكان يتمتع بالدعم الكامل من أمريكا وقتها. وجاء إلى هنا بعد انسحاب السوفيت من أفغانستان لإقامة مطار في بور سودان. وكانت الحكومة السعودية تدعم هذا المشروع الذي قام على يد مجموعة بن لادن الاستثمارية.. مما يعني أنه لم يكن هنا بصفته إرهابي ولكن بصفته رجل أعمال ومستثمر، كل ذلك كان قبل أن يبدأ مشاكله مع الحكومة في الرياض. - لقد بدأت تلك المشاكل بعد أن انضم إليه الإسلاميون المتشددون في السودان.. نحن لم ندعمه بأي شكل من الأشكال، لكنه لم يسافر إلى السعودية لعلمه أنه سيتم القبض عليه هناك مما جعله يغير وجهته إلى أفغانستان. - لقد أعلنت عن نيتك في السماح للجنوب، الغني بالنفط، بالاستقلال إذا كانت هذه هي رغبة الشعب السوداني، فهل يعني ذلك أنك تعرضت لضغوط خارجية؟ لم يحدث هذا بسبب ضغط خارجي وإنما بسبب قناعتنا بأن مثل هذا القرار التاريخي المهم يجب أن يتم اتخاذه من قبل ممثلين شرعيين عن الشعب، لهذا نأمل أن تكون نتيجة الانتخابات المقبلة في أبريل مفيدة للاستفتاء على قرار استقلال الجنوب من هذه الناحية. - هل سيرضى الجنوب بنصف حصة من البترول فقط، رغم وجود ثلاثة أرباع إنتاج النفط فيه، إذا ما نجح في الانفصال بعد الاستفتاء؟ هذا شأن يمكن أن نقرره فقط بعد الاستفتاء. - لكن في كل الأحوال، سيسيطر الشمال على النفط بشكل كامل لأن أنانبيب الضخ والمصافي تمر عبر أراضي الشمال.. لقد توصلنا إلى حل سلمي بعد 50 عاماً من الحرب، كل هؤلاء الذين يعتقدون أنه من المستحيل التوصل إلى تسوية سلمية عادلة دون عنف خاطئين، بغض النظر عما يقرر الشعب السوداني في الجنوب. فقد استطاع التشيك وسلوفكيا التوصل لحل مقبول للتعايش بسلام بين شعبين كانوا موحدين يوما ما. - وماذا عن قوات حفظ السلام البالغ عددها 30 ألف جندي التابعة للأمم المتحدة والمستقرة في جنوب السودان، هل يمكن أن يكون وجودهم غير ضروري إذا ما نجحت المفاوضات مع متمردي دارفور؟ نعم، لو تحقق السلام واستقر الوضع في السودان، لن نحتاجهم بيننا لكن إذا استمر وجود هؤلاء الجنود الأجانب بيننا بعد حل الأزمة، أظن أن المشاكل ستتفاقم وقتها.