وجه الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا رسالة إلى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف عبر «الشروق» مهنئا إياه، مطالبا الطيب بالتنازل عن عضويته بالحزب الوطنى أو تعليقها، كما تنازل عن «ثيابه العادية وارتدى الزى الأزهرى»، وإلى نص مقال الشيخ قطب: «فمن حقكم على أهل العلم قبل تهنئتك بالمشيخة أن يساعدوك بالدعاء إلى الله أن يجعل ولايتك هذه خيرًا لك وللأزهر وللأمة.... فما أحوج الأمة جميعها أن تخرج من شبكة الأنفاق المظلمة التى طالت المكث فيها،ومثلكم لا يحتاج إلى النصحية، لكن الأمر أبعد عن النصحية وأقرب إلى التذكير، فقال تعالى «وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين». وما أريد أن أذكر به فضيلة الإمام الأكبر هو ضرورة تأصيل ضوابط ممارسة إمامة المشيخة الكبرى، فقد اكتملت لكم الأركان القانونية والشروط الشرعية لهذا المنصب لكنى أذكركم اليوم بأن استيفاء الأركان والشروط هو مسئولية من أصدر القرار أما مسئولية القائم بالدور أعانكم الله فهى مسئولية ضبط ممارسة الإمامة على مقاييس الأسوة الحسنة، وهى مسئولية أبعد مدى وأثقل حملا. وأهم ضوابط الممارسة لهذا المنصب الجليل والخطير هو حيادية الظاهر والباطن، فالإمام الأكبر إمام للجميع، ورغم تعددية المأمومين فإنهم لا يرتضون إلا إماما محايدا فى الظاهر والباطن.. وحياد الباطن فضيلة الإمام لا شأن لأحد به بين الله وحده ثم بينكم فهو سبحانه الذى يعلم السرائر وما تُكِنُّ الصدور، أما حياد الظاهر فهو أول وأهم ضوابط ممارسة المشيخة الكبرى إذ لو عرف عن الإمام انتماء ما لوسع الناس البحث عن غيره والالتفاف حول غيره... والانصراف عن الإمام هو انصراف عن المشيخة والدولة ثم مفارقة للاستقرار والاستمرار، ثم تتعدد الرءوس، وتتكاثر الفتاوى وتنشق الأرض عن بدائل واهية وواهمة ولا سند لها إلا عدم حياد الشيخ والمشيخة. ومن سوابق الممارسة العظيمة التى فعلها سلفكم أستاذ الفلسفة والإمام الأكبر الأسبق مصطفى عبدالرازق ما يحق أن نتذكره لإحياء تلك الضوابط وتدوين تلك الثوابت الجديرة بالتدوين بل جديرة أن تبقى محفورة فى ذاكرة الناس. فقد رأى الإمام مصطفى عبدالرازق أن حياد الشيخ والمشيخة لا يكفى الظاهر والباطن فحسب، بل قرر وفعل أن لقب الشيخ الأكبر مجرد لقب ليبقى موثوقا فيه لا يصح أن يجاوره لقب آخر مهما علا... فما إن صدر المرسوم الملكى بتعيين فضيلته شيخا للأزهر فى 27 من ديسمبر سنة 1945 حتى خَطَّ بيمينه خطابا آيةً فى الإمامة والحياد ودرةً فى الفصاحة والبلاغة وثمرةً جَنِيَّةً للحرص واليقظة لتبرئة المنصب واللقب من أى شائبة... ففى ذلك الخطاب طلب الإمام إلى الملك السماح بإعفائه من لقب الباشوية واكتفائه بلقب الشيخ ثم طلب من الناس ألا ينادوه بألقاب الوزارة على الرغم من أنه كان قد شغل الوزارة أكثر من خمس مرات. ومن حسن الطالع أنكم أستاذ للفلسفة الإسلامية مثل الإمام مصطفى عبدالرازق، فهل يعجل الإمام الأكبر أحمد الطيب بأن يطلب من الحزب الوطنى إعفاءه من العضوية أو على الأقل تعليق عضويته حرصا على تخليص المنصب وشاغله من أى انتماء إلا الشأن العام والمواطنة العامة. وحياد الشيخ والاستعفاء من الحزب ليس كبرا للنفس ولا تقليلا من شأن الحزب ولا إعراضا عن الدولة، إنما هو شرف لدوائر كثيرة تستمد شرفها من شرف الأزهر الشريف، فبقدر ما هو شرف للشيخ، وشرف للأزهر فإنه أيضا شرف للحزب الحاكم وشرف للدولة أن تكون مؤسسة الدعوة فيها مرتبطة بالعام وبالجميع وليس بالأغلبية أو السلطة. فضيلة الامام الأكبر: لقد سررت مع جموع الناس بتصريح فضيلتكم بالعودة إلى الزى الأزهرى وهذا التزام بالشكل يحمد لكم حرصكم على التقاليد المميزة للأزهر ولو كره الكارهون، فهل يتنازل فضيلة الإمام عن ممارسة عضوية الحزب أو حتى يعلقها ويعود مستقلا، كما تنازل عن ثيابه العادية وعاد إلى الزى الأزهرى حتى يكون إن شاء الله عَودًا حميدا وعهدا جديدا ويصدر عنه من الأقوال ما هو مفيد ومن الحراك والأفعال ما هو رشيد.