قال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إن على قمة الدوحة أن تمتلك شجاعة الاعتراف بأن عملية السلام يجب أن تتوقف، مطالبا القادة العرب بدخول القمة بلا جدول أعمال، وأن يحاولوا استطلاع عالم متغير لأننا فى ظرف فى منتهى الخطورة. وتحدث هيكل فى حوار مطول أجرته معه قناة الجزيرة أمس عن الموقف العربى بعد صدور مذكرة اعتقال الرئيس السودانى عمر البشير، مؤكدا أنه لن يتم اختطاف البشير لأن العملية كلها ابتزاز. وأكد هيكل أننا أصبحنا أمة مستساغة لكل من يريد أن يغامر، وهناك رؤساء عرب تتم معاملتهم فى الخارج بشكل غير جاد. وإلى نص الحوار: ماذا عن قمة الدوحة؟ قمة ينبغى أن تدخل دون جدول الأعمال، وأن تحاول استطلاع عالم متغير لأننا أمام ظرف فى منتهى الخطورة، وأننا من قبل شبهنا الإعصار المالى بسقوط حائط برلين، نحن أمام حالة سيولة عالمية مضطربة. نتصور ما هو قادم للعالم، أرى عقائد كبيرة بتقع وعقائد جديدة لا تؤكد نفسها، وأفكارا جديدة تهل وأرى فوضى فى كل مكان، وإذا كانت الأمة ممثلة فى قياداتها تريد أن تفعل شيئا فى هذا الوقت عليها أن تدخل وهى مستغنية عن جدول الأعمال. وفى إقليم معرض للعواصف أكثر، وعالم لم تعد له قواعد ضابطة. على الرغم من وجود جدول أعمال، وقبل أن ننظر قضايا السياسة، هناك بعض المسائل الحديثة، منها بالأساس موضوع البشير والمحكمة الجنائية الدولية وهذه إشكاليات مطروحة.. كيف ترى المعالجة العربية الأسلم؟ جدول أعمال روتينى فى هذه المرحلة مما لا لزوم له ما يوجه القادة العرب أكثر من ذلك. فيما يتعلق بالبشير القادة العرب لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا، أقصد لا أحد سوف يعترض البشير، نحن متعرضون لحالة ابتزاز ومفيش حد هيخطف البشير، ومثلما يقولون عندنا فى الريف المصرى: «أصبحنا الحيطة المايلة».. المحكمة الجنائية تقول: مطلوب القبض عليه.. ولدىّ ملاحظتان: هذه ليست المرة الأولى.. هناك رئيس عربى وضع على حبل المشنقة، وآخر موجود مطلوب تبرئته من المحكمة، وهناك رؤساء عرب تتم معاملتهم فى العالم الخارجى بشكل غير جاد. فهذه ليست المرة الأولى، وهناك رؤساء عرب مواجهون بذلك، وإذا كان هذا صحيحا أتكلم فيه كتهمة، وإذا لم يكن صحيحا فهذه إهانة للعالم العربى. وإذا أردنا أن يكون «جد»، ويكون العالم «جد». وهتقولى جريمة حرب فى دارفور.. ربما حدث جريمة فى دارفور ما عرفش ونحتاج تحقيق وليس هذا نوع التحقيق الذى يجرى، وأطلب بالتوازى تحقيقا مع ما جرى فى العراق.. بلد دُمر كل ممتلكاته وعدد الشهداء على أقل تقدير 250 ألفا، وعدد المعاقين 800 ألف، وعدد المهجرين 5 ملايين، وكذلك اللى حصل فى غزة، واللى حصل فى لبنان.. ما حدث فى دارفور هل هو جدير بتحقيق دولى أم لا؟ هل نحن مجرمون أم لا؟ قد نكون مجرمين، ولكن تعال نشوف إسرائيل بتعمل إيه النهارده.. فى إسرائيل بتسبق أى دعوات المحكمة الجنائية هى تذهب وتحقق بنفسها، وهى نفسها التى تفتح ملف التجاوزات الذى حدث فى غزة. أنا لم أعلم إلا من الصحف الإسرائيلية أن هناك «تى شيرت» موزعا على جنود سلاح «جيفاتى» عليه صورة سيدة حامل، وطلقة رصاص موجهة إلى بطنها والشعار اللى تحت ال«تى شيرت» بيقول «قتيلين برصاصة واحدة». إسرائيل تنبهت أكثر مما تنبهنا، فنحن مقصرون أكثر من مجرمين، وأنا لست معجبا بما يحدث بالعالم العربى فى هذه اللحظة. على أى الأحوال عندما تقول إسرائيل إنها بتعمل كذا وأمريكا بتعمل كذا، أنا لا أتهرب من واقعنا، ولكن يقينا إحنا مقصرون فى حق أنفسنا. وهذا الكلام قيل فى كل مكان، ولكن الحكومة السودانية لم تتحرك ولم تفعل شيئا، لو الحكومة السودانية بادرت وتحركت ولو أن هناك أمة عربية بادرت وتحركت فى «دارفور»، وسألت: ماذا يحدث كان أمكن تفادى هذا الموقف، ولا توجد قواعد فى العالم، هذه القواعد تطبق علينا فقط. وأقول للبشير لا تخف، لأن العملية ابتزاز أكثر منها اختطاف، فنحن أصبحنا ساحة مستباحة لكل من يريد أن يغامر. هل يمكن القول للرئيس البشير لا تعول على الموقف العربى ويبحث له عن موقف آخر؟ لأن هناك إجراءات حقيقة تمت، أتمنى أن تكون هناك جسارة ويذهب العالم العربى ويحقق فيما حدث. فيما يتعلق بإسرائيل هناك قمة وحكومة إسرائيلية جديدة عنوانها البارز، هناك يمين ويمين متطرف على الرغم من دخول حزب العمل لتجميل الصورة. فما المطلوب كعرب؟ لا أعتبر باراك تجميلا للصورة، فهو من القادة الذين قتلوا بأيديهم، فهذا لا يعد تجميلا للصورة موضوع السلاح انتهى أمره، إلا أنه ليس لدينا أى شكل، فما هو جدير بالقراءة ليس شكل الائتلاف، لكن الاتفاقيات الخاصة بين ليبرمان ونتنياهو، وأنا شاهدت ورقة الاتفاق بين الاثنين، وتقول: إن ليبرمان داخل لعدة أسباب أولها تصفية حركة حماس، والأمر الثانى الاستيطان وتوسعة فى الضفة وإلقاء بعض الأراضى فيها إلى الأردن، وهذا هو البرنامج الذى سيلتزم به ليبرمان، وإذا أضفت له شارون، وباراك فستصبح أمام مسيرة معطلة. فيجب أن يكون أمام القمة القادمة شجاعة الاعتراف بأن عملية السلام يجب أن تتوقف لأن هذه الوزارة الأخيرة جاءت نهاية سطر أنهى عملية السلام بخيرها وشرها، وهنا فرق بين أن نوقف الاتصالات، ولكن أن تضع الأمة بنفسها خريطة فى القمة القادمة نحن أمام عدة أبواب.. باب إسرائيل، وهذا الباب مسدود تماما بهؤلاء الذين جاءوا فى الحكومة معا الثلاثة نتنياهو وليبرمان، الذى كان حارسا لملهى ليلى وباراك، الذى قتل بيده، وقد جاءنى كتاب يحتوى على حوار كنت قد أجريته مع أنشتاين، وقال لى فيه: أنا خايف على الدولة اليهودية، لأن العنف الوطنى الضيق يدمر نفسه، فالشعب الإسرائيلى يعانى حالة عنف زائدة». هل المطلوب منا أن نعلن انتهاء خيار السلام؟ أهم حاجة الآن فى الساحة العربية هى إجراء مصالحة فلسطينية لتحسين الوضع الفلسطينى، أهم حاجة أن العرب يعرفون أن هذا الخداع لم يعد له مبرر، ولا تحاول فى هذه اللحظة أن تتحدث عن السلام لأن العرب فى موقف شديد الضعف وإسرائيل فى موقف شديد الارتباك، ولذلك لا تحاول أن تصل إلى تسوية شاملة. هذه الحالة ستجعل معسكر الاعتدال من الدول العربية لتجد نفسها فى الدوحة فى وضع من الصعب الدفاع عنه، وبالتالى قد تتقدم دول فيما يسمى بمعسكر الممانعة وسوريا تحديدا، حيث تقول إن منطقها هو الأسلم فى هذا الوضع؟ ليس هناك شىء اسمه معسكر الاعتدال وليس هناك معسكر الممانعة، فما هو فى العالم العربى معسكر واحد اسمه معسكر البقاء، فلا يوجد اعتدال أو ممانعة، ولكن هناك رغبة فى التمسك بالمواقع ورغبة فى التمسح بالقوى، أنت فى العالم العربى أمام نظم عندها مشكلة فى علاقتها مع العصر، عندها مشكلة فى علاقتها مع القوى، عندها مشكلة انكشاف شرعية، فكله يريد أن يبقى، وكله لا يستطيع أن يحتكم إلى شرعية مستمدة من الأمة أو من الشعوب. فى هذه الحالة.. هل تعتقد أن معسكر البقاء سيلتحم بشكل واضح فى الدوحة أم لا؟ لن يلتحم لأن هناك أسلوبا لكل طرف من الأطراف سواء لطالبى الحماية من قوى أخرى، هذه القوى لن تستطيع أن تحميها لأن هذه القوى تواجه أزمات وغير متفرغة لنا «مش فاضية لنا». الدول ستختلف «هيتخانقوا» لأن كل واحد منهم له غطاء مختلف. أتمنى ألا يفعل العالم العربى شيئا فى الدوحة إلا أن ينظر أولا إلى واقعه، وأن يدرك عدة أشياء، أولها أنه فى عالم قلق، وفى هذا العالم القلق هم مطالبون أن يصمدوا للحياة وليس للبقاء. قلت لك إننا أمام عدة أبواب.. ثان هذه الأبواب الباب الأمريكى.. لا هو مسدود ولا هو مفتوح ولا هو يرحب ولا هو يؤيد، ولكنه يريد للعالم العربى أن ينساق وهناك باب إيران، وإحنا اللى سادين هذا الباب وباب المصالحة بين بعضهم، وهذا ينبغى أن يفتحوه. ما الموجود بنية أوباما؟ لا يوجد أى شىء لأن أمريكا تعانى من مشكلة كبيرة جدا عمليا وفكريا. عمليا.. سبب ما حدث فى «وول استريت»، وفكريا لأن كل التصورات وأوهام القوة وصلت إلى نهاية، وشارل ديجول قال لى: إن أمريكا بالشكل اللى هى «ماشية بيه هتخرب العالم»، بس المشكلة أنه هيخربونا معاهم. ولو لم تكن هذه الأزمة لما جاء رجل مثل أوباما فى هذه المؤسسة، ونحن فى أمريكا أمام ظاهرة رجل يستحق الإعجاب وظاهرة حدث تستحق أن يعلم أسبابها. فأوباما لم يصل إلى أمريكا إلا عند عمر 18 سنة، وتجربته بسيطة جدا، ولكن ظروف أزمته ساعدته فى الوقت، الذى كانت لديه كفاءة النجم وكفاءة التعبير، ونحن الآن فى زمن التعبير لكن هناك قوى رأت فى هذا النجم «أوباما» أنه سيعطى انطباعا بعدة أشياء.. أولها أن أمريكا تغيرت، كما سيعطى لحلفاء أمريكا أنها قادمة تخاطبهم بلغة أكثر تواضعا من الفترة الماضية، فهو ليس بوش أو روزفلت، أو وولسن. أمريكا فى أزمة اضطرتها لأن تأتى برجل عن خارج السياق، والذى رشح أوباما كان واحدا من مؤسسة جولدمان سيكس، وهى شركة من الشركات المالية الكبرى، «ثلاثة أرباع» مجلس وزارة أوباما من مؤسسة جولدمان سيكس. ما الذى تحمله هذه الصورة؟ أمريكا فى أزمة طلبت فيها علاجا، وفى البيت الأبيض رجل مش هو القوة الحقيقية للأمريكان، ولديه وقت فراغ كبير، حتى إن أحد المحللين يتحدث عنه بأنه يشاهده يمشى فى الكلودوريات فى البيت الأبيض، ويتساءل عن أشياء لا يعرف عنها شيئا. مطلوب من أوباما أن تنتصر روحه، وأنا خايف عليه وإذا تنبه فيجب عليه أن يغير من عملية كسب وقت لعملية تغيير حقيقية لشىء بديل، وفيه أمل أن نتكلم معاه. الباب الأمريكى ليس جاهزا لنا، وليس لديه وقت لنا، وإذا كان لديه وقت فعلينا أن ننجز له، وهو مش فاضى يعملنا حاجة، هم يريدون أن نفعل شيئا لكى نسهل لأنفسنا. هم عينهم على الصناديق السيادية العربية، وعينهم على حل مشكلة إسرائيل. إذا قدر لقمة الدوحة أن يكون لها رأى فى إيران.. فما هو رأيها؟ إذا كانت القمة ستتعامل مع إيران عليها أن تدرك أنها أمام خطأ تاريخى واستراتيجى بشع إذا واصلت سياسة العداء مع إيران، إيران ليست عدوا، ولكنها جار موجود فى المنطقة، وقد تكون بيننا وبينه تناقضات، ولكن تناقضات غير عادية. وأنا أريد أن أعود للتاريخ، ولأننا أمام أناس لا يقرأون التاريخ، وتذكر أن المثقفين المصريين عقدوا خطبة بين شقيقة الملك فاروق ومحمد رضا بهلوى، والذى كتب العقد كان الشيخ محمد مصطفى المراغى. ومصر هى البلد الذى كان يرعى أسر رجال «مصدق»، وفى هذا الوقت كنا نساعد رجال الثورة الإيرانية، ومصر كانت تساعد الخمينى، ومعى وثيقة من السفير الأمريكى بطهران عام 1946 للشاه يقول له إن الإذاعة المصرية تذيع كلام الخمينى. هل إيران جاهزة للتحالف مع العرب أم تريدهم ورقة من ورقاتها؟ يجب أن نحدد.. لا نستطيع أن نقول شيعة، وعيب أقول شيعة، ولكن ممكن أقول نظام الثورة الإسلامية.. ممكن أزعل معاه، فأنا لست أمام حركة صهيونية، ولكن أمام شعب حقيقى مستمر فى المنطقة، وله عقيدته فالباقى هو الدول، ونحن كنا مخطئين، عندما سرنا وراء صدام حسين فى ضرب إيران، ونحن هنا هاجمنا الشعب الإيرانى. ويجب أن يكون هناك فرق عندما أختلف مع نظام، حيث يجب أن نحدد شيئين.. الأول: أين موقعه الحقيقى فى تاريخ وجغرافية المنطقة؟ والثانى: أين تختلف معه؟ توقعاتك فيما يتعلق بالقمة؟ أنا لا أعلق كثيرا عليها.. لأن باب المصالحة هو أغرب الأبواب، التى تحدثنا عنها، لأنه ليس مغلقا وليس مفتوحا لكنه ملغوم، وأنا أتمنى أن يطلعوا منه. وهذا الوضع ينطبق عليه بيت الشعر الذى يقول: وتفرقوا شيعا فكل قبيلة فيها أمير المؤمنين. لمتابعة باقي حوارات هيكل: حوارات هيكل (الجزء الأول) حوارات هيكل (الجزء الثاني) حوارات هيكل (الجزء الرابع) حوارات هيكل (الجزء الخامس) حوارات هيكل (الجزء السادس) حوارات هيكل (الجزء السابع) حوارات هيكل (الجزء الثامن)