بعد أيام من تلقيها ضربة موجعة تمثلت في قصف جسر كيرتش الرابط بينها وبين شبه جزيرة القرم، شنت روسيا العديد من الضربات في العمق الأوكراني وصلت إلى قلب العاصمة كييف وطالت أهدافا حيوية. وخرج مسؤولون عسكريون روس ليؤكدوا في أكثر من مناسبة أن الضربات الأخيرة حققت جميع أهدافها، ليفتح الباب أمام تساؤلات عدة عن الأسباب التي أوقفت تقدم القوات الأوكرانية على الأرض أو أبطأته بعد سلسلة من الإنجازات استعادت بها كييف العديد من المناطق التي سيطرت عليها روسيا خلال عمليتها التي بدأت أواخر فبراير الماضي. ويرى محللون عسكريون أن الطائرات المسيرة لعبت دورا مهما في إحداث الفارق، وهنا اتجهت الأنظار إلى هذا النوع من الطائرات التي تنتجها إيران وسط تقارير عن تزويد طهرانموسكو بها. ونشرت صحيفة الجارديان البريطانية تقريرا في هذا الصدد بعنوان "كاميكازي تمطر كييف"، في إشارة إلى نوع الطائرة دون طيار التي يقال إن موسكو استعانت بها لتجنب استنفاد ترسانتها من الأسلحة الموجهة بدقة وخاصة صواريخ كروز. وقالت الصحيفة إنه "تم استهداف كييف يوم الاثنين، بحوالي 28 طائرة كاميكازي تم إطلاقها على أهداف حول محطة السكك الحديدية المركزية في المدينة وأماكن أخرى في العاصمة الأوكرانية" ، ما أوقع قتلى وجرحى. وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن هذه الضربات على كييف هي الثانية من نوعها خلال أسبوعين متتاليين. ومن جهتها، اعتبرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن الهجمات الروسية على كييف "تعمدت استهداف البنية التحتية في أوكرانيا، خاصة منشآت الطاقة ومواقع استراتيجية أخرى، مع اقتراب فصل الشتاء". وقالت إن "الضربات الأخيرة تسلط الضوء على التهديد الذي تشكله الطائرات دون طيار إيرانية الصنع، التي نشرتها موسكو على نطاق أوسع في ساحة المعركة مع خسارة قواتها أراض أمام القوات الأوكرانية". وأضافت أن القوات الروسية "تحولت بشكل متزايد إلى استهداف البنية التحتية المدنية في كييف ومدن أخرى مع اقتراب فصل الشتاء، مما أدى إلى انقطاع إمدادات الكهرباء والوقود". وتناولت صحيفة التايمز البريطانية، هذا الموضوع ، مشيرة إلى أن طائرة "كاميكازي" التي تعرف في إيران باسم شاهد-136 ، "ظهرت لأول مرة في الحرب الروسية الأوكرانية حول خاركيف الشهر الماضي". واعتبرت أن نشر هذه الطائرات هو أول استخدام واسع النطاق من قبل روسيا لسلاح أجنبي جديد في أوكرانيا ، وأنه "ناتج عن الفشل النسبي للطائرات دون طيار الروسية في مواكبة القدرات التي زود بها الغرب أوكرانيا". وأوضحت الصحيفة البريطانية أن "كاميكازي تمنح القوات الروسية أربع مزايا، فهي صغيرة ويصعب رؤيتها على الرادار، ويمكن إطلاقها من مسافة بعيدة، وتحلق على ارتفاع منخفض، وبالتالي يصعب اكتشافها. ومع رأس حربي متفجر يبلغ وزنه حوالي 40 كيلوجراما، فإنها توجه ضربة كبيرة". وأضافت الصحيفة أنه "ومع ذلك، فهي ليست أسلحة متطورة. فليس هناك أنظمة دقيقة التوجيه على متنها. ويعتقد أن لديها فقط نظام ملاحة بدائيا عبر الأقمار الصناعية". وعن طرق إيقافها، ذكرت الصحيفة أن "شاهد 136 لديها القدرة على الطيران فوق الهدف، لكن يمكنها فقط إصابة الأشياء الثابتة. ويجب أن تمتلك أوكرانيا قدرات الكشف المناسبة وأنظمة أساسية مضادة للدفاع، يمكن من خلالها إسقاط مثل هذا النوع من الطائرات دون طيار". وتابعت التايمز :"التحدي الجديد يأتي مما يسمى عادة بهجمات الطائرات دون طيار، حيث يتم ضرب الهدف بعشرات من طائرات من طراز كاميكازي المنخفضة المستوى، التي تمر عبر الدفاعات الجوية، وضرب أهداف مدنية وعسكرية كبيرة منتقاة، مما يخلق الرعب وكذلك الدمار". ورأت الصحيفة أن "ما تحتاجه أوكرانيا هو أنظمة أكثر تقدما تم تطويرها للتصدي للاستخدام المتزايد للطائرات المسلحة دون طيار في ساحة المعركة وكذلك للتهديدات الجوية الأوسع التي تشكلها الطائرات المقاتلة والقاذفات وصواريخ كروز". وقالت الصحيفة إن "أنظمة الصواريخ الأمريكية الجديدة ناسامز التي وعدت واشنطن بإرسالها إلى كييف في غضون أيام، قادرة على لعب دور مهم في حماية المدن الأوكرانية من طائرات الكاميكازي". وطرحت الصحيفة تساؤلا بشأن "ما إذا كانت إسرائيل ستساعد رسميا في إمداد أوكرانيا بأسلحة مضادة للطائرات دون طيار. لقد قادت إسرائيل الطريق في تصميم أنظمة خاصة لهذا التهديد ونشرتها على طول حدودها مع غزة ولبنان وسوريا". وكان المتحدث الرئاسي الأوكراني أندريه يرماك قال : "نحن بحاجة إلى مزيد من أنظمة الدفاع الجوي وفي أسرع وقت ممكن". في سياق متصل، قالت مجلة نيوزويك الأمريكية، إن "الهجمات تأتي أيضا في الوقت الذي تواجه فيه روسيا مشكلات تتعلق بانخفاض الروح المعنوية بين جنودها، فضلا عن اعترافها بارتكاب أخطاء في تعبئتها الجزئية لجنود الاحتياط". ونقلت المجلة عن ماكس بيرجمان، مدير برنامج أوروبا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قوله: "أعتقد أنهم (الروس) ذاهبون إلى محاولة جعل هذه الحرب صعبة ومكلفة قدر الإمكان على الشعب الأوكراني. لذا، فإني أعتقد أن هدفهم من ضرب البنية التحتية للطاقة قبل فصل الشتاء،هو جعل الأوكرانيين يتجمدون بشكل أساسي. الأمر واضح، الروس يريدون من الأوكرانيين أن يستسلموا". ورغم نفي إيران تزويد روسيا بهذه الطائرات، هدد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بفرض مزيد من العقوبات على طهران حال ثبت أنها فعلت ذلك ، بينما تحدثت أوكرانيا عن أدلة دامغة على إمداد طهرانلروسيا بها. وقالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية: "أعربت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن دعمها لفرض عقوبات جديدة على طهران إذا ثبت دعمها العسكري للحرب الروسية في أوكرانيا في أعقاب الهجمات على كييف باستخدام طائرات مسيرة إيرانية الصنع". على الجانب الآخر، أعلن قائد قوات العملية العسكرية الخاصة الروسية سيرجي سوروفكين عن إنجازات على الأرض ، متهما كييف باستخدام "أساليب حرب محظورة". وأوضح أنه يتم تنفيذ ضربات "بأسلحة عالية الدقة" على المنشآت العسكرية والبنية التحتية للقوات الأوكرانية، مشيرا لصواريخ كينجال الروسية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وصواريخ كروز وطائرات سو-57 متعددة الوظائف. وأضاف أن أكثر من 8 آلاف طلعة جوية نفذتها طائرات مسيرة، ودمرت أكثر من 600 هدف للقوات الأوكرانية بواسطة طائرات مسيرة هجومية، دون أن يتطرق لمسألة الطائرات الإيرانية.