نشرت وزارة الدفاع مؤخرا تقريرها عن المراجعة الدفاعية الرباعية لعام 2010. فماذا يقول عن الشرق الأوسط؟ خصص التقرير مساحة أقل كثيرا مما كان متوقعا للحديث عن الشرق الأوسط، ولكنه اشتمل على بعض النقاط بالغة الأهمية بشأن ما قد يورط الولاياتالمتحدة فى حروب مستقبلية هناك. بالإضافة إلى بعض الإشارات المتناثرة عن الحاجة للمزيد من الخبراء فى بناء الدولة المدنية، وتمويل الحروب فى أفغانستان والعراق، والجهود من أجل الحفاظ على الطاقة (لا شك أن ذلك مجال يمكن فيه توفير المال)، فقد خصص التقرير لتلك المنطقة ما يقل عن صفحتين، بنسبة نحو اثنين فى المائة من إجمالى عدد صفحات التقرير البالغ 97 صفحة. وبالمقارنة، احتل الحديث عن المنطقة ربع مساحة مذكرة الأدميرال مايك مولان، رئيس هيئة الأركان المشتركة الملحقة بالتقرير والواقعة فى أربع صفحات، وتناولتها على نحو أكثر عقلانية. وأنا أرى أن هذا الاختلاف يوضح أن الجيش الرسمى (الذى أعد مذكرة الأدميرال) يشعر بالقلق إزاء إيران والجماعات الإرهابية، لكن النص الرئيسى للتقرير، الذى أعده وزير الدفاع وصيغ لإرضاء البيت الأبيض، يصب تركيزا أكبر على التغير المناخى، والطاقة النظيفة، واستخدام الجيش كقوة ذات نمط تنظيمى مجتمعى من أجل جعل المدنيين فى أماكن مثل أفغانستان ودودين أكثر تجاه الولاياتالمتحدة. لكن هناك نقاطا رئيسية مهمة فى كل من التقرير والمذكرة. ولنبدأ بالتقرير نفسه الذى يطرح ثلاث نقاط: أولا: بينما لم يرد على الإطلاق ذكر للقدرات النووية الإيرانية والإرهاب، هناك اهتمام كبير بشأن جانبين من جوانب الحشد العسكرى الإيرانى. حيث تتزايد دقة نظم الصواريخ الإيرانية، ويزداد مداها، بما يعنى أن القواعد الجوية الأمريكية، ومراكز القيادة الأمريكية، وغيرها من الأهداف يمكن أن تتعرض للهجوم. ومن المفترض أن هذا القلق نشأ فى الجيش الأمريكى. ويأتى التهديد الإيرانى الآخر من الزوارق الهجومية الصغيرة والسريعة التى تهدف لسحق الدفاعات التى تنشرها السفن الحربية التابعة للولايات المتحدة ودول أخرى. وعلى الرغم من أن التقرير لا يقول ذلك، فإن هذا يشير إلى الخليج الفارسى، وبوجه خاص مضيق هرمز، حيث يمكن إعاقة حركة شحن البترول والغاز الطبيعى. ولا شك فى أن هذا التقدير خرج من البحرية الأمريكية. ويذكر التقرير أيضا «أن الجهات الفاعلة فى المنطقة من غير الدول، مثل حزب الله، حصلت من إيران على طائرات حربية بدون طيار، ونظم الدفاع الجوى التى يحملها الأفراد»، ومن الواضح أن هذا الجزء كان من إسهام القوات الجوية الأمريكية. وعلى نحو إجمالى، تشير هذه المخاوف إلى سيناريو محتمل، غالبا ما يتعرض للنسيان فى المناقشات الجارية. فالولاياتالمتحدة لن تهاجم المنشآت النووية الإيرانية. ومع ذلك، من الممكن أن ينشأ اشتباك عسكرى مستقبلا نتيجة لعمل عدائى إيرانى ربما يأتى من مستوى أدنى من الأفراد، أو حساب خاطئ قد ينجم عنه نزاع مسلح. وفى حين أن هذه النتيجة غير مرجحة بدرجة كبيرة، إلا أنها ممكنة بدرجة أكبر عندما تمتلك إيران أسلحة نووية وتكتسب ثقة فى النفس (غطرسة، حتى نكون صرحاء أكثر). ومرة أخرى، فهذا سيناريو قليل الاحتمال، لكنه أحد السيناريوهات التى ينبغى أن يستعد لها الجيش الأمريكى. ونظرا لأن حكومة الولاياتالمتحدة تبدو مصممة على عدم الانتباه إلى تورط إيران فى هجمات على أفراد الجيش الأمريكى فى العراق، وأفغانستان، أو فى الهجمات الإرهابية فى أماكن أخرى، على سبيل المثال الهجوم على أبراج الخبر فى السعودية لا يبدو هذا سببا للنزاع. وبالطبع، لا تريد الولاياتالمتحدة ولا ينبغى أن تريد خوض حرب ضد إيران. ومع ذلك، فالمشكلة هى عدم استخدام لهجة حادة فى الحديث، أو عقوبات، أو تنظيم تحالف معاد لطهران، أو غيرها من الوسائل الدبلوماسية القوية لردع سلوك النظام الإيرانى. وثانيا: وربما الأكثر أهمية، فإن مفهوم وزارة الدفاع حول الإستراتيجية فى المنطقة هو: «حان الوقت لتجديد التركيز على بنية إستراتيجية تخدم على نحو أفضل مصالح الولاياتالمتحدة وحلفائها وشركائها.. وسوف توضح العلاقات طويلة الأجل، والمصالح المشتركة مع الحلفاء والشركاء التزامنا الممتد نحو أمن المنطقة، وتعزز مرونة وضعنا الدفاعى، ويحسن قدرتنا الجماعية على تنفيذ عملياتنا الحالية بينما نكون مستعدين للمتطلبات الطارئة.» وبعبارة أكثر وضوحا: على الولاياتالمتحدة أن تحشد تحالفاتها وتعاونها مع دول المنطقة. ولكن ماذا يعنى هذا؟ إنه، على نحو أوضح، يتطلب العمل مع دول الخليج العربى (خاصة السعودية) والأردن، وإسرائيل، والعراق، ومصر ضد أطماع إيران. وتعتبر «المصالح المشتركة» كلمة السر لهذا العامل. وهناك دولتان أخريان كان ينبغى إدراجهما على هذه القائمة هما لبنان وتركيا ذهبتا فى الاتجاه الآخر، على الرغم من أن الولاياتالمتحدة ربما لم تدرك ذلك. ولكن، ما الذى يعنيه عمليا حشد مثل هذه الترتيبات؟ إن تعبير «البناء الاستراتيجى» طريقة ذكية للتعبير عن نوع من أنظمة التحالف. ولكن لعدة أسباب الخلافات العربية البينية، والصراع العربى الإسرائيلى، والمواقف المتشددة للدول العربية المعتدلة، ومهادنة العرب لإيران لن يتحقق ذلك بالطريقة المنشودة إذا كانت المصالح القومية هى وحدها الدافع. (وهذا هو السبب فى أن المحللين «الواقعيين» لا يفهمون الشرق الوسط، لكن هذا موضوع مقال آخر). لاحظ أيضا العبارة «التزامنا الممتد» الذى يعنى أن الولاياتالمتحدة جاءت إلى المنطقة لتبقى، وأن واشنطن لن تخشى على حلفائها أو، باختصار، المصداقية الأمريكية. وذلك العامل شهد تراجعا سريعا خلال العام الأول لإدارة أوباما. وأخيرا، الحديث عن العراق، حيث أذهلتنى اللهجة التى تحدث بها التقرير، نظرا لأنها غريبة بعض الشىء، وربما مفاجئة: «ومن ثم سوف تنفذ الولاياتالمتحدة تخفيضا جادا لعدد القوات فى العراق، وتدعم الانتقال المنظم إلى تواجد دبلوماسى ومدنى أكثر طبيعية.» وكلمة «تخفيض» تعنى وجود عدد أقل من القوات وليس انسحابا كاملا. ولتتذكر ذلك مستقبلا وزارة الدفاع تريد إبقاء خيار الاحتفاظ بجنود فى العراق مفتوحا، وقد لا يشمل ذلك المدربين فحسب. فما الذى يقوله رئيس هيئة الأركان المشتركة؟ لقد كان أكثر صراحة بهذا الشأن: «مازلت أشعر بالقلق إزاء الأطماع النووية لإيران وكوريا الشمالية ومواقفهما المتحدية.» وهى تهديدات خطيرة، كما أن كلمة «المتحدية» تعنى أنهما ربما يشنان حربا ضد حلفاء الولاياتالمتحدة أو قواتها. وسرعان ما أضاف، مبديا الولاء للبيت الأبيض، كيف أن التقرير «يؤكد على تركيز الرئيس على بذل جهودنا وتعزيزها للعمل مع الحلفاء والشركاء من أجل حظر الانتشار النووى عالميَا، بصرف النظر عن منشئه». فإذا كنت تفهم كيف تجرى هذه الأمور، ستجد أن تلك الجملة تعد تحفة فنية من الذكاء الحكومى، وروح الدعابة التى يتسم بها كوميديان عظيم. فهى تتفق مع جميع أفكار أوباما: نعم، المشاركة عظيمة، ونحن نفضل التوصل لاتفاق، وبالطبع لا ينبغى أن نعمل أبدا بشكل منفرد. ونود التخلص من جميع الأسلحة النووية. لكن رئيس هيئة الأركان يواصل الحديث فى نقطتين مهمتين «فى الوقت نفسه» بشأن مكافحة أسلحة الدمار الشامل، والتوصل إلى أماكنها، وتدميرها فى حالة الضرورة. وترجمة ذلك: نحن نعلم أننا قد نكون وحدنا. وكل هذه الأمور السياسية عظيمة، ولكن الخلاصة هى أنه عندما تفشل المشاركة ويسعى الآخرون وراء مصالحهم الخاصة بدلا من أن يساعدونا يجب أن يكون الجيش الأمريكى مستعدا لسحق من يهددنا. نعم، فهذه هى وظيفته. New York times syndication service