** لا أستطيع أن أتجاهل ما جرى لى ولملايين المصريين، لا أستطيع. فقد مررت بتجربتين فى غاية البؤس يومى الخميس والجمعة بسبب الأمطار. كادت تغرق سيارتى فى الطريق الصحراوى، ومدخل مدينة 6 أكتوبر، وهو طريق يجرى تحديثه وتطويره بمليارات. ثم فى اليوم التالى وقعت فى مصيدة بالطريق الدائرى، بسبب المياه المتجمعة. (هو طريق سريع آخر بالمناسبة) المصيدة استغرقت ساعتين لقطع مائتى متر. ما حدث مهانة وإهانة متكررة، تؤكد أن وقتنا بلا قيمة، ونحن بلا قيمة، لا نساوى شيئا. فعندما تتوقف الحياة فى دولة لأنها تعرضت لأمطار لساعات، فماذا سيحدث لتلك الدولة إذا تعرضت لأمطار متواصلة لأيام؟ *** ** القضية ليست الوقت الضائع.. والعمر الذى ضاع، فى الاستماع إلى التفاخر الدائم بالطرق والكبارى والخدمات التى قدمت لنا. ولكن تخيلوا أن مواطنا يحتاج للإسعاف لإنقاذ حياته ولكنه مات لأن شارعا رئيسيا بالعاصمة تجمعت به المياه، تخيلوا معنى أن يضيع منك موعد أوتطير منك طائرة، أو يمضى بدونك قطار لهذا السبب.. تخيلوا ألف محنة وألف تجربة.. ألا يستحق هذا الغضب ؟! *** ** كنت فى نيروبى منذ 20 عاما مرافقا للأهلى لتغطية مباراته مع أحد الفرق الكينية. فجأة اكتست السماء باللون الأسود، وهطلت الأمطار بغزارة مرعبة. شاهدت ما لم أشاهده من قبل. المياه تجرى فى الشوارع مثل نهر يفيض. وتتلاقى المياه ثم تتحرك باندفاع فى مسارات تبدو محسوبة. وعندما توقفت الأمطار لم نجد أثرا لبركة مياه واحدة.. لاشك أنهم يعملون حساب المطر.. هناك أسفل الشوارع مجارى لتلك المياه، كما أنهم دون شك يحسبون ميل كل شارع هندسيا كى تكون رحلة المياه مخططة ومتجهة إلى حيث يجب أن تكون.. لا نطلب مثل تلك المجارى فى القاهرة أو فى شوارع مصر لأنها مكلفة، لكن ألا توجد حلول هندسية بسيطة لمعالجة الميول والمنخفضات المضحكة فى شوارعنا.. ألا يمكن مثلا أن تبنى بيارات أسفل الكبارى وفى مطالعها وفى المواضع المنخفضة بالطرق السريعة لتتجمع فيها المياه بدلا من توقف حركة السير وتوقف الحياة بالساعات.. ألا يوجد حل هندسى بسيط ينقذ وقت المصريين وحياتهم ويريحهم من هذا العذاب؟! *** ** يبقى عندى سؤال طويل فى عدد كلماته وفى زمن طرحه لأنه مطروح منذ 50 عاما ويطرح كلما هبت علينا عاصفة بسيطة: كيف تتسبب الأمطار الغزيرة أو التى ليست غزيرة وهطلت لمدة ساعات قليلة فى تآكل أسفلت شارع وانقطاع التيار الكهربائى وقطع خطوط الاتصال وإيقاف حركة القطارات والسيارات والحياة.. وماذا يفعل الذين يعيشون تحت المطر وكيف يواجهون الكوارث الطبيعية بينما نحن نعجز عن مواجهة رياح الخماسين ونغرق فى شبر ماء؟! يمكنك أن تعود إلى صحف الستينيات والسبعينيات، والثمانينيات والتسعينيات (ماذا بقى من السنوات ومن العمر؟) وسوف تجد نفس السؤال مطروحا، ولن تجد أبدا إجابة واحدة عن السؤال حتى اليوم.. لن تجد أبدا!