لم يكن التاريخ منصفا مع جياكامو كازانوفا فقد قلص من إسهاماته في الثقافة الغربية إلي استخدام اسمه كمرادف للرجل زير النساء ومغازل لهن لا يكف عن الغزل. كازانوفا لم يعد ذا قيمة في عالم اليوم، عالم الجنس الآمن وتحرير المرأة والتصحيح السياسي عالم جعل الرجال الذين يفاخرون بأنفسهم على نحو ما فعل كازانوفا بإغواء أكثر من مئة إمرأة منبوذين. لكن هذا قد يتغير قريبا. فقد اشترت الحكومة الفرنسية هذا الأسبوع مخطوطة بخط اليد لسيرته الذاتية ربما تكون بداية عملية التصحيح لسمعة كازانوفا. دفعت فرنسا نحو 9.7 مليون دولار للمخطوطة التي تقع في 3700 صفحة وتعتزم وزارة الثقافة نشر طبعة نقدية لهذه المخطوطة وإقامة معرض لها. ويقام المعرض الأول لهذه المخطوطة في باريس عام 2011 ثم قد يتنقل إلي فينسيا وربما بعدها إلي برلين. فإذا ما سارت الأمور بشكل جيد فإنها ستكشف عن رجل أكثر حكمة وفلسفة مما كانت تكشف سمعته. وأن قصة حياته أكثر من مجرد مذكرات شخصية كاشفة. كتب كازانوفا في سيرته الذاتية التي نشرت بالانجليزية تحت عنوان " قصة حياتي" " أود دائما أن اعترف أنني المسئول الأساسي عن كل خير أو شر ارتكبته". ولد جياكامو كازانوفا في فينسيا في الثاني من ابريل عام 1725 وهو الابن الأكبر بين ستة من الأطفال ولدا لأب وأم يعملان بالتمثيل. توفي والده عندما كان صبيا وكرست أمه نفسها لمستقبلها كممثلة أكثر من رعاية أطفالها. ومن المفارقات الغريبة أن العمل الأول له كان قسيسا لكنه تخلى عن هذه الفكرة في نهاية الأمر ويعود الفضل في هذا بصورة واسعة إلي قسيس. اكتشف كازانوفا ولعه بالنساء وهو يعيش مع معلمه الأول آبي جوزي. وكما يروي فقد شغفت به بيتينا الأبنة الصغري لآبي عندما كان في الحادية عشرة من عمره. كتب يقول " الفتاة أسعدتني على الفور رغم أنه لم يكن لدي أدني فكرة عن السبب في هذا. لقد كانت هي التي اشعلت شيئا فشيئا جذوة هذا الشعور في قلبي ذاك الذي صار فيما بعد الحاكم في حياتي". بعد فضائح متكررة قضت على أي إمكانية في أن يكون له مستقبل داخل الكنيسة كمحام صار كازانوفا بسرعة جنديا ومقامرا وعازفا على آلة الكمان.انتهي أسلوب الحياة المدمر هذا عندما أنقذ حياة سيناتور ودخل من ثم إلي حياته الأسرية. كتب كازانوفا يقول " أخذت لأول مرة مسارا هو الأكرم والأنبل والطبيعي في حياتي. قررت ألا أضع نفسي في موضع أجد فيه نفسي أسيرا وقد سلبت مني ضرورات الحياة". لكنه لم يستطع التخلي عن إطلاق النكات والمقامرة والحب واضطر في النهاية لترك فينيسيا. ثم سافر إلي المدن الكبرى في أوروبا باريس ودرسدن وبراج وفيينا وعاد إلي فينسيا عام 1753 حيث اعتقل لمدة عامين فيما بعد "بسبب موجات الغضب العام ضد الدين المقدس". وخطط عملية هرب جريئة مع قس متمرد وعاد إلي باريس. عن هربه من السجن كتب بعد 30 عاما "وهكذا وفر لي الرب في هربي شيئا ليس اقل من معجزة". وفي باريس صار روزيكروشي: عضو جمعية سرية اشتهرت في القرنين ال17 وال 18 وزعمت أنها تملك معرفة سرية للطبيعة والدين كما صار عالما في الكيمياء القديمة وغايتها تحويل المعادن الخسيسة إلي ذهب واكتشاف علاج كلي للمرض ووسيلة لإطالة الحياة إلي ما لا نهاية ثم انتقل إلي دوائر النفوذ حيث صار جاسوسا وعمل في بيع السندات ومقاول. وظل بقية حياته يتنقل هنا وهناك ويتطلع لكسب قوت يومه بمختلف السبل. وفي انجلترا حاول بيع فكرة يانصيب حكومي. وعن الانجليز كتب يقول " الشعب له شخصيته الخاصة... التي تجعله يعتقد انه أعلى من الآخرين . إنه اعتقاد تشارك فيه جميع الأمم وكلها تعتقد أنها الأفضل. وإنها علي حق ". قضي كازانوفا ال 12 عاما الأخيرة من حياته في المنفي معزولا في قلعة ضجرة فيما يعرف الآن بجمهورية التشيك. وهناك كتب سيرته الذاتية.