قالت نجيبة بنت علي بوغندة، الكاتبة والناشرة التونسية المتخصصة في مجال كتب الأطفال، إن أدب الطفل في العالم العربي، يُعاني من ظاهرة تُهدد مُستقبله، وتتمثّلُ في "الدخلاء" على هذا المجال الذي يتطلب دراية بفنون الكتابة وإلماما بشتى الثقافات والفنون، وإطلاعا واسعا على التراث. وأكدت بوغندة، في تصريحات جرت عبر الإنترنت لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ)، أن "كل من هب ودب يستصغر هذا المجال أو بالأحرى يستسهله فيدلو بدلوه فيه بكل الطرق، وينتهج أحيانا طرقا قد تؤذي الطفل بما يتم الترويج له في القصص الموجهة للناشئة والتي قد تحمل موضوعات تخالف قيم المجتمعات العربية". وأضافت بوغندة أن أدب الطفل له وجهان ، أحدهما يعاني مشاكل والثاني مشرق، وأن الوجه الأول يتمثّلُ في تواضع أعداد ما يصدر من كتب ومؤلفات موجهة للطفل، مقارنة بما يصدر من كتب مؤلفات موجهة للكبار. وأما الوجه الثاني ، حسب الكاتبة التونسية ، فيمكن أن نرصد من خلاله نوعا من الإيجابية، والتي تتمثّلُ في أن هذا المجال الإبداعي بدأ يستعيد بريقه، إذ عاد الآباء والأمهات لتشجيع الصغار واليافعين على المطالعة ومخالطة الكتب، في إطار ما ترسخ لديهم من أن الكتاب هو السبيل لاكتساب المهارات والاطلاع على شتى الثقافات. وعن حال قطاع النشر في مجال الأدب الموجه للأطفال بوطنها تونس، قالت بوغندة إنها تلاحظ قفزة نوعية تشهدها تونس في هذا المجال، وأن تلك القفزة تحققت بفضل ما تبذله بعض الجهات لاسترداد دور الكتاب عموما، وكتاب الطفل خصوصا من خلال مسابقة البطولة الوطنية التي تعم كامل الجمهورية التونسية، وتتم عبر تصفيات محلية ، فجهوية ، فوطنية دعما لقارئ مميز له ذائقة تتيح له أن يكون مبدعا واعيا بما يقرأ. ورأت أن أدب الطفل يعاني الدعم الحقيقي من الدولة، وذلك لأنها تعامله معاملة ندية لكتاب الكبار، والحقيقة أن كتاب الطفل يتطلب تمويلا ماليا أكبر من ذلك التمويل الذي تتطلبه الكتب الموجهة للكبار، حيث تحتاج كتب الأطفال لمتخصصين في الرسوم والتصميمات، بجانب خامات ورق خاصة، وطباعة بألوان زاهية تسهم في جذب الأطفال وتشجيعهم على القراءة. وأشارت بوغندة إلى عقبة أخرى تقف عائقا أمام تطور ونمو مجال النشر في مجال أدب الطفل بالعالم العربي، هي مشكلة الترويج والتوزيع، مؤكدة على الحاجة العاجلة لإيجاد آلية عربية تيسر وصول كتب الأطفال لكل العواصم والمدن العربية، وتخفف رسوم النقل. وطالبت بفتح المجال أمام المشاركة المجانية لدور النشر العاملة بحقل كتب الأطفال في مختلف معارض الكتب، وتقديم المساعدة لها في إيصال مجموعات كتبها الموجهة للأطفال واليافعين إلى كل الأسواق العربية، وذلك من أجل توفير الأجواء المناسبة لزيادة حركة النشر في مجال أدب الأطفال. ودعت إلى تشجيع دور النشر المختلفة على تبني أعمال المبدعين من الكتاب العرب، وبخاصة الكُتّاب الشباب، ومساعدتهم في نشر نتاجهم الأدبي الموجة للصغار ، حتى تكون حركة النشر العربية قادرة على مواجهة غزو المواد القادمة من الخارج، والتي تخالف في مضمونها القيم والمعتقدات والثقافة العربية. وعبّرت "بوغندة" عن أملها في أن ترى عالم القصة الموجه للطفل العربي، مجسما على أقراص مضغوطة، لتصاحب كل قصة رسومات وتصميمات تساعد على تجاوز صعوبات النطق، وذلك على سبيل المثال، مع استخدام التقنيات الرقمية الحديثة في مجال النشر الموجه للأطفال بشتى أقطار الوطن العربي. وحول تجربتها كناشرة عربية في مجال أدب الطفل، قالت بوغندة، إنه بالنسبة لها (في دار يس للنشر) فإن حركة النشر لديها مرتبطة بإيمانها بدور الكتاب في بناء مفكر الغد، وأنها تستفيد في تحقيق ذلك من تجربتها كتربوية ومربية، حيث تعمل على زيادة رصيد دار النشر الخاصة بها من الإصدارات دون النظر لتحقيق عائد مادي. وحول حضور التراث في الأدب العربي الموجه للطفل، قالت بوغندة إن "القصة تاريخ سيظل حاضرا في ذاكرة شعوبها من خلال كل معالم الحياة، وأن الكتاب معلم هام، ومن هنا تأتي أهمية حضور التراث في تلك النصوص والآداب الموجهة للطفل العربي". وأشارت إلى أنها حرصت ، في هذا الإطار، على نشر ثلاث قصص استلهمتها من حكايات جدتها التي كانت تقصها عليها في الصغر، وأنها عملت على نشر قصص لكتاب آخرين تحدثوا عن الأدب العالمي وما يتضمنه من تراث، على غرار سلسلة "قصص من تراث الشعوب" والتي قدمت حتى اليوم للمكتبة العربية ثماني قصص من تأليف الأديبة المصرية أسماء البحيري. واعتبرت أن المعارض والمهرجانات المخصصة لكتب وأدب الأطفال، تلعب دورا مهما في تقريب الكتاب من القارئ، مشددة على أهمية تقديم الدعم لتلك المهرجانات والمعارض، وإتاحة فرصة المشاركة أمام دور النشر في تلك المهرجانات والمعارض بالمجان. ورأت أن دعم تلك المهرجانات والمعارض سيصب في مصلحة الصغار، ويحقق تطلعات الحكومات العربية واهتمامها بثقافة الطفل باعتباره قارئ الغد ومفكر المستقبل، ويسهم في تلبية الدعم المطلوب لحركة النشر في مجال أدب الأطفال نشراً وتوزيعاً، بجانب إتاحة الفرصة أمام الناشرين العرب لتبادل الخبرات والتجارب مع نظرائهم بالمنطقة العربية وبلدان العالم. يُذكر أن الكاتبة والناشرة، نجيبة بنت علي بوغندة، هي تربوية وباحثة تونسية حاصلة على درجة الماجستير في أدب الطفل، وصدر لها 38 كتابا، بينها 17 إصداراً باللغة الفرنسية، وهي صاحبة دار نشر (يس) في تونس العاصمة، والمتخصصة في مجال نشر القصص الموجهة للأطفال واليافعين.