جال الشاعر المخضرم فاروق جويدة بقلبه وعينيه متأملا الوجوه التى تشاركه طاولته... فعلى يمينه جلس الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل، وعالم نوبل الشهير أحمد زويل، والجراح العالمى محمد غنيم، والأديب محمد المخزنجى، أمامه الناشر إبراهيم المعلم، والكاتب الصحفى الكبير سلامة أحمد سلامة، والروائى علاء الأسوانى، ورئيس مجلس إدارة الأهرام عبدالمنعم سعيد، والكاتبة أهداف سويف ورسام الكاريكاتير الشهير مصطفى حسين، والإعلامى البارز محمود سعد، والكاتب الصحفى أيمن الصياد، وأحمد الزيادى مدير النشر فى دار «الشروق».. والتفت يسارا حيث محافظ البنك المركزى فاروق العقدة، والمفكر أحمد كمال أبوالمجد، والسيدة أميرة أبوالمجد، وناشر جريدة «الشروق» عمرو خفاجى، والإعلامية منى الشاذلى، وبعدها تحدث بلغة بالغة التأثر: «لم أتصور يوما أن يكون عيد ميلادى بهذه الصورة، لقد تجاوزت أحلامى، تمر الآن أمامى الكثير من الصور، كعملى فى الأهرام، ودخولى إلى المستشفى، فى عينيك عنوانى، هذى بلاد لم تعد كبلادى، والحياة كلها..». وبعد لحظة من الصمت عاد ليكمل: « محطتى اليوم مقلقة حقا، وأقول إننى التقيت فى حياتى أشخاصا أحببتهم وأحبونى، ووفقنى الله أن أقابل كوكبة احتوتنى وأرشدتنى، وهذا الاحتفال وسام عمر ورحلة، أعتقد أننى كنت شيئا مفيدا فى هذه الحياة». حالة البوح والشجن التى غلبت على حديث جويدة، تحولت فى ثوان إلى حالة ضحك شديد بعد أن بادره هيكل مازحا: «كده يكون فاضل لك تعيش تجربة السجن». وتابع بعد ذلك «متخفش هبقى آجى أزورك»، واشترك معه الدكتور زويل بقوله «وأنا هجيبلك عيش وحلاوة»، فتدخل فاروق العقدة بقوله إن جويدة لم يعش أيضا تجربة الجيش بالإضافة إلى السجن. أعاد الدكتور زويل فاروق جويدة إلى حالة تأمله التى فجرتها داخله سنة جديدة أضيفت إلى عمره وراح يسأله «عندما تلتفت إلى الماضى، كيف ترى حال مصر؟». أثار هذا السؤال الكثير من الشجون لدى الشاعر وراح يقول: «أعتقد أن ثمن المشوار فى مصر لم يعد سهلا»، ووجه حديثه لزويل بقوله: «انت يا دكتور زويل تعبت وعانيت لكنك فى نهاية المشوار وجدت من يمد يده بوردة إليك، لكن حجم الحجارة التى يتلقاها الناس فى مصر أكثر بكثير، قد أكون محظوظا لأننى عشت فترة خصبة جدا فى الأهرام، حيث كنت أجلس على استحياء أتابع حديث توفيق الحكيم ولويس عوض ويوسف إدريس، وهذا كان يكفينى حتى أتحمل أى معاناة، ولكننى مشفق على الأجيال الجديدة التى تربت بلا رموز أو قيم وتحكمها أبجديات السوق، وأتصور أن المستقبل من الصعب قراءته، وبالنسبة لى أنا غير راض عما قدمت بحيث أننى كان من الممكن أن أقدم الأفضل لو كان المناخ أكثر حرية، فقضية الحرية فى الثلاثة عصور لم تختلف كثيرا». فى بداية الاحتفال سأل زويل الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل «إيه هى الديمقراطية ؟»، فجاءت إجابة هيكل «أن تكون السلطة للشعب»، وأفاض هيكل فى تحليلاته السياسية التى أسرت الحضور كما هى عادته، وكان هيكل يقفز برشاقة واحتراف من دسم السياسة إلى التعليقات التى كانت تملأ المكان مرحا، لاسيما وهو يمازح فاروق جويدة مرارا بقوله: «أحقد على جويدة بسبب المعجبات، خاصة بسبب «فى عينيك عنوانى»، وهى قصيدة جويدة التى يحبها هيكل وراح حسب رواية فاروق جويدة خصيصا ليستمع لها فى إحدى أولى أمسيات جويدة بالأوبرا دون أن يخبره بنيته فى الحضور، وقال هيكل: «أعترف أن لدى ضعف ناحية فاروق جويدة، منذ ألتقيته شابا عندما التحق بالأهرام وكان عندها محررا فى قسم الاقتصاد، واكتشفت بعدها أنه شاعر». وتدخل هنا الكاتب سلامة أحمد سلامة «كان صحفى شاطر»، وتبادل الحضور الحديث عن شعر فاروق جويدة، فقال إبراهيم المعلم «هناك نوعان من قراء شعر فاروق جويدة، الأول ينظر إليه بوصفه شاعرا والآخر ينظر إليه بوصفه بطلا قوميا»، وقال الدكتور أحمد كمال أبوالمجد «جويدة يقول ما عنده صريحا كاللؤلؤ بأسلوب لا يجرح أحدا». فى نهاية الاحتفال دار نقاش بين الدكتور زويل وعلاء الأسوانى حول مقالته «مصر الجالسة على دكة الاحتياطى»، فقال الأسوانى إنه سأل إبراهيم المعلم ما الذى يحدث إذا جلس لاعب على دكة الاحتياطى فترة طويلة، «وأجابنى المعلم أن اللاعب من حقه أن يفسخ عقده إذا جلس على هذه الدكة سنتين، فكتبت أننا كشعب أصبح من حقنا أن نفسخ جميعا العقد بعد كل هذه السنوات من الجلوس على دكة الاحتياطى». وسألت الكاتبة أهداف سويف «من قال إن المدرب يريد من الأصل أن يربح الفريق؟»، وجاء مسك الختام تعليق هيكل الذى روى إنه فى إحدى الأيام فى جريدة «الأخبار» كان توفيق دياب وكامل الشناوى ومصطفى أمين وأم كلثوم يتبادلون الشكوى والحديث عن أحوال البلد التى لا تسر، وفى النهاية قالت لهم أم كلثوم «فى بلدنا يجلس أحدهم على المصطبة ويقرأ على من حوله الأخبار السيئة من الجريدة، وبعدها ينهض من جلسته وهو يقول «الفاتحة ربنا يصلح الأحوال».