كل شخص من المعارضة المصرية وعلى رأسهم حمدين صباحى يستحق التحية والتقدير على حضورهم إفطار الأسرة المصرية مساء الثلاثاء الماضى، حيث أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى الدعوة لحوار سياسى. مبعث وسبب التحية هو الواقعية السياسية التى تحلى بها هؤلاء الحاضرون مقارنة ببعض الأصوات العدمية التى تتعامل مع السياسة بمنطق «إما الحصول على كل شىء وفورا، وإما لا لكل شىء أو أى خطوة»! تحدثت بالأمس عن هذه النوعية من العدميين، واليوم أتحدث عن الواقعيين الذى يقرأون المشهد المحلى والإقليمى والدولى بصورة صحيحة إلى حد كبير، ولا يلتفتون كثيرا إلى ترهات المراهقين الغارقين فى غيبوبة سياسية مزمنة، ويعتقدون واهمين أن الشارع معهم. منذ المصافحة المهمة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى وحمدين صباحى عقب نهاية خطاب الرئيس فى حفل إفطار الأسرة المصرية، تحدث بعض ممن حضروا هذا اللقاء لوسائل الإعلام المختلفة، وكان أداؤهم واقعيا. حمدين لم يلتفت إلى الصغار وحضر الإفطار وقال: «أثمن الدعوة للإفطار والإفراج عن كل سجين رأى أمر ضرورى لإحداث نقلة نوعية والخروج بحلول لأزمات الوطن وصافحت الرئيس وتحدثت معه، وطلبت منه إطلاق سراح المحبوسين وإن استجابة الرئيس كانت كريمة وسنشهد نتائجها قريبا، وأن الرئيس وعد بحل هذه الأزمة، بعد أن أشرنا لأهمية الإفراج عن سجناء الرأى». وقال صباحى أيضا: «نحن معارضة تحب هذا الوطن وتحرص على مصالحه ونريد المشاركة للخروج بأفضل الحلول للقضايا الوطنية الملحة». ما يقوله صباحى كلام وطنى وعاقل ومسئول، وحينما تساهم مشاركته فى إخراج محبوس واحد فهو أمر مهم حتى ينزع فتيل احتقان لدى أسرة وأهل ومحبين، فما بالك لو أدى هذا الحوار إلى تحقيق انفراجة فى المشهد السياسى بأكمله. نفس المنطق قرأته للكاتب الصحفى ورئيس حزب الدستور السابق خالد داود، بقوله إنه حينما صافح الرئيس السيسى عقب الإفطار طالبه بالعفو عن مجموعة من المحبوسين، وأن «مبادرة الرئيس بدعوة المعارضة للإفطار إيجابية ونحن على استعداد كامل للتعامل معها، وأن المعارضة لم تكن هى من يرفض الحوار مع النظام، بل إن الحكومة هى من همشت المعارضة». يقول خالد داود فى حواره مع «اليوم السابع» و«المشهد» إنه مع إطلاق سراح المحبوسين يمكن البدء فورا فى حوار وطنى لمناقشة الأزمات الدولية والاستراتيجية الوطنية والاقتصاد، لعودة الأجواء الإيجابية من جديد، مضيفا: أى شخص سوف يساعد فى إطلاق سراح المحبوسين سوف أتعاون معه»، أما الذين انتقدونى فأنا مختلف معهم لأننى ومن حضر الإفطار لا نشكك فى شرعية النظام، بل أطالب بالتغيير عن طريق القانون والدستور والانتخابات. قرأت أيضا للمحامى خالد على مقترحات لتفعيل عمل لجنة العفو الرئاسى عن المحبوسين حيث اقترح مثلا «إخلاءات سبيل غير فردية، وإخلاء سبيل كل من بلغ حبسه 18 شهرا ولم يحل لمحاكمة، وإلغاء التدوير والتدابير والمراقبة، والعفو عن المحكومين فى قضايا الرأى والتعبير». كل ما سبق أفكار وآراء موضوعية يمكن أن يتفق معها البعض، ويختلف معها البعض الآخر، لأنها كلها تدور فى إطار السياسة. وعلى نفس المنوال حفلت وسائل التواصل الاجتماعى بعدد كبير جدا من المشاركين الواقعيين مقابل قلة من المتطرفين العدميين. الواقعيون يقولون نحن نحتاج حوارا «عشان ما تقلبش غم على الكل»، ونحتاج حوارا حتى نجد مخرجا واتفاقا يوصلنا لحل الفترة المقبلة يرضى غالبية الشعب. أما الفئة الأخرى وكما تحدثت عنهم بالأمس فإن معظمهم يعيش فى غيبوبة ويتصور أنه يملك جماهير حاشدة وجيوشا جرارة تجعله ينفذ ما يتمنى، البعض الآخر لديه ثارات مع السلطة، ولا يقبل بأى حل وسط والبعض الثالث يدرك أنه لن يشارك ولن يستفيد شيئا من نتائج أى حوار محتمل، وبالتالى يبادر إلى رفضه مسبقا والتشويش عليه. نحتاج لمزيد من الأصوات الوطنية الواقعية العاقلة حتى نتمكن من مواجهة الظروف الصعبة المقبلة ليس فى مصر فقط ولكن فى المنطقة والعالم.